اختطاف ناشط سياسي ليبي في مصراتة يثير قلقا أمميا

طرابلس – لا تزال الميليشيات والجماعات المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة في ليبيا تمارس جرائم الاختطاف بشكل مستمر من دون أيّ رادع، حيث أثارت حادثة الناشط السياسي المعتصم العريبي قلق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي دعت اليوم الأربعاء السلطات الليبية للعمل على الإفراج عنه ووضع حد لعمليات الاعتقال التعسفي.
وقالت البعثة في بيان إن مسلحين مجهولين بملابس مدنية خطفوا العريبي (29 عاما) الاثنين في مدينة مصراتة هو وصديقه محمد أشتيوي.
وذكرت البعثة في البيان أنه "رغم إطلاق سراح أشتيوي بعد تعرضه للضرب، فإن مكان وجود العريبي لا يزال مجهولا".
وحثت البعثة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في مصراتة على التحقيق بشكل عاجل في اختطاف العريبي والكشف عن مكانه وضمان إطلاق سراحه سالما على الفور.
ومصراتة مدينة ساحلية تقع على بعد نحو 200 كيلومتر شرقي العاصمة طرابلس. والحكومة في طرابلس هي التي تعتبر مسؤولة عن مصراتة لكنها لم تعلق على القضية.
وقالت بعثة الأمم المتحدة "لا تزال حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وسوء المعاملة والتعذيب والوفيات في أثناء الاحتجاز تعصف بليبيا وسط تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب".
ولم تشهد ليبيا فترات سلام واستقرار تُذكر منذ انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي في 2011 أطاحت بعمر القذافي.
وفي 2014، انقسمت البلاد إذ تسيطر جماعات وفصائل مسلحة مقرها بنغازي ثاني أكبر مدن البلاد على الشرق بينما تسيطر جماعات وفصائل على الغرب ومقرها العاصمة طرابلس، وفي كل مدينة هناك إدارة تحكم ذلك الشطر.
وذكر بيان بعثة الأمم المتحدة "وثَقت البعثة حالات احتجاز لما لا يقل عن 60 فردا بسبب انتمائهم السياسي الفعلي أو المتصور".
وأثارت حادثة اختطاف الناشط السياسي حالة من الاستياء والغضب داخل المدينة، حيث نفذ عدد من أهالي مصراتة الثلاثاء وقفة احتجاجية طالبوا فيها النائب العام بالتحقيق في خطف العريبي والكشف عن مصيره.
واستنكر المجلس البلدي وأعيان وحكماء وأهالي مصراتة كافة الثلاثاء، ما تعرض له الشابين العريبي، وأشتيوي من الاختطاف على يد جهات مجهولة.
وأوضح بيان مشترك أنه يتابع مع الجهات الأمنية والقضائية واقعة الاختطاف مذ وقوعها، محيا دور وحرص وتكاثف أبناء المدينة في المحافظة على استقرارها وامنها باعتباره شأن عام .
ووصف البيان الواقعة بأنها تمثل خطرا يداهم حريات وحقوق المدينة، أنه يدين كافة الأعمال التي تقع خارج نطاق القانون بجميع أشكالها، داعيا الجهات الأمنية بسرعة الكشف عن مصير الشاب المعتصم بالله عريبي .
وطالب المجلس البلدي ومجلس أعيان وحكماء مصراتة، كافة الجهات الأمنية بإعلان حالة النفير العام بعد حادثة اختطاف الشابين .
واعتبرت مؤسسة حقوق الانسان، أن عمليات الاختطاف الأخيرة تدل على الوضع الأمني الهش في ليبيا، حيث كثيرا ما تؤدي المنافسات السياسية إلى العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأعربت المؤسسة في بيان عن قلقها من تزايد حوادث الاختطاف والاختفاء القسري بدوافع سياسية في مصراتة، وآخر الأحداث اختطاف ناشطين محمد اشتيوي والمعتصم عريبي
ودعت المؤسسة، مديرية أمن مصراتة وقوات الأمن المحلية للعمل على الإفراج الفوري عن الناشط المعتصم عريبي.
وحملت المختطفين المسؤولية الكاملة عن سلامة ورفاهية عريبي. كما حثت النائب العام بمحكمة استئناف مصراتة على إجراء تحقيق شامل في الظروف المحيطة بعمليات الاختطاف.
وأكدت على أهمية ضمان محاكمة المسؤولين، بهدف وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات الجسيمة. داعية إلى اتخاذ تدابير أوسع لمنع وقوع أحداث في المستقبل وحماية حقوق المواطنين.
واعتبر المرشح الرئاسي سليمان البيوضي في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك أن جرائم الإختطاف خارج القانون وممارسة الجريمة العلنية لن تتوقف ما لم تتكاثف الجهود ويتم تحميل المسؤوليات القانونية والاجتماعية لمن عطل عمل الأجهزة الرسمية واستبدلها بمجاميع تحميه وسمح لها بممارسة الجريمة مقابل حماية بقائه ونفوذه.
وقال تقرير عن رصد الجرائم في ليبيا خلال يونيو الماضي إن منظمة شبكة رصد الجرائم سجلت 11 اعتقال تعسفي خلال الشهر، موزعة بين مدينتي البيضاء وطرابلس.
ووثقت منظمة رصد في الخامس من يونيو الماضي اعتقال سلامة رجب البرعصي بعد اعتراض سيارته بالقرب من مكان عمله في مدينة البيضاء من قبل الإدارة العامة للبحث الجنائي واقتياده الى سجن في مدينة بنغازي، وظل معتقلًا قسريًا لمدة 10 أيام قبل أن يتم إخلاء سبيله دون توجيه أي اتهامات رسيمة أو إحالته إلى القضاء.
كما وثقت وفاة أشرف حمد عمر المسماري البالغ من العمر 34 عامًا، في ظروف غامضة بسجن الأمن الداخلي في بنغازي، بعد يوم من اعتقاله في 3 يونيو، على خلفية مشاركته في احتجاجات لجماهير كرة القدم بمدينة البيضاء.
وتعرض المسماري للاعتقال من قِبل مسلحين يرتدون ملابس مدنية وسط مدينة البيضاء وانقطع الاتصال به، قبل أن تتلقى أسرته اتصالًا من مسؤولين بجهاز الأمن الداخلي يفيد بوفاته دون توضيح الأسباب.
وفي ذات التاريخ شن جهاز الأمن الداخلي والإدارة العامة للبحث الجنائي حملة اعتقالات استهدفت خمسة رجال على الأقل، كانوا قد شاركوا في الاحتجاجات التي خرجت يوم 27 مايو بمدينة البيضاء بعد أعمال عنف أدت إلى إلغاء مباراة لكرة القدم في مدينة بنغازي، وتم إخلاء سبيل اثنين (2) منهم صباح 6 يونيو، دون اتّخاذ أي إجراءات قانونية.
وسجلت في 1 يونيو اعتقال خمسة أعضاء من المجلس الاجتماعي سوق الجمعة النواحي الأربعة من قبل جهاز الأمن الداخلي طرابلس، بعد اجتماع عام للمجلس الأعلى للمصالحة في طرابلس، وظلوا معتقلين تعسفيًا لمدة يومين دون إجراءات قانونية إلى أن تم إخلاء سبيلهم بوساطات اجتماعية بتاريخ 3 يونيو.
وطالبت منظمة رصد حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي والسلطات في شرق ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب والقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، بوقف حملات الاعتقال التعسفي والاختطاف والاحتجاز التعسفي، واحترام التزاماتهم الدولية بضمان حرية الرأي والتعبير.
كما حثت النائب العام الليبي على فتح تحقيق نزيه وشفاف في وفاة أشرف المسماري وظروف اعتقاله، وحملة الاعتقالات التعسفية في شرق وغرب ليبيا، وفي الاشتباكات التي وقعت في مدينة زوارة، وتحديد المسؤولين عن تعريض حياة المدنيين للخطر ومحاسبتهم وفقًا للقانون.
ودعت منظمة رصد حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات، والوفاء بمسؤولياتهما عن حماية المدنيين والمنشآت المدنية في جميع أنحاء ليبيا، وفقًا للقانون الدولي.
ويرى المراقبون، أن حالة عمليات الاختطاف والاختفاء القسري والقتل تحت التعذيب لا تزال تشغل الليبيين، وتشكل أحد أهم الظواهر السلبية في ظل استمرار سلطة الميليشيات وغياب مؤسسات الدولة وصراع اللوبيات وتصفية الحسابات بين بعض الأطراف.
وكانت بعثة الأمم المتحدة أعربت في ديسمبر الماضي “عن قلقها إزاء الإعلان عن وفاة وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي في بنغازي”، مشيرة إلى أن “ذلك يأتي في أعقاب اعتقاله من قبل السلطات في 7 أكتوبر مع عشرات آخرين، بما في ذلك عدد من أفراد أسرته”.
وأوضحت البعثة “قد تأكدت وفاة سبعة من المعتقلين، بمن فيهم البرغثي وأحد أبنائه، مع وجود مزاعم مثيرة مقلقة حول سوء المعاملة والتعذيب أثناء الاحتجاز”، مشيرة إلى أن “أسباب الوفاة لا تزال غير واضحة نظراً لمحدودية المعلومات الرسمية”.
وبحسب لجنة تحقيق دولية مستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا فإنه “لن يكون هناك سلام دون وضع حد لهذه الانتهاكات، ولن تكون هناك ديمقراطية دون وضع حد للإفلات من العقاب”، وقالت اللجنة إن أعمال القتل والتعذيب والسجن والاغتصاب والإخفاء القسري في السجون الليبية قد ترقى إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية.
ويرى مراقبون أن سياسة الإفلات من العقاب لا تزال تشكل أرضا خصبة لممارسة شتى أشكال الجريمة في بلد يخضع لحكم محتكري السلاح والمال والعابثين بالأمن والاستقرار منذ 13 عاما