اختراق الإخوان لمجموعات الإلتراس.. تركيز على المنفلتين من الأطر التقليدية

الرفض الفطري لدى المشجعين المتطرفين تلبّس بشعارات الإسلام السياسي.
الخميس 2020/03/05
شعارات إسلامية راديكالية

لم تكن هتافات جانب من جمهور فريق الترجي الرياضي التونسي في لقائه فريق الزمالك المصري على أرضية ستاد القاهرة الدولي، يوم 28 فبراير الماضي، ضمن دوري أبطال أفريقيا سوى مؤشر على الخطر المحدق بملاعب كرة القدم سواء في تونس أو في بقية أقطار المنطقة العربية، بعد أن تسلل إليها الخطاب العقائدي الإخواني، من خلال الإلتراس أو ما يوصف بالمجاميع المتشددة من مشجعي الفرق الرياضية.

الأحداث التي جدت في ستاد القاهرة، ذكرت الكثير من المتابعين، بعلاقة مجموعات الإلتراس بالتنظيمات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، ما فرض أولا بحث الدواعي العميقة الحاثة على تعميق هذه الصلات. ومن ذلك أنه يمكن تفسير ظاهرة الإلتراس بما أورده غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجيا الجماهير” حيث قال “ما إن ينخرط الفرد في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا، أو يمكن القول إنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة والقوة”، وهذا بعض ما يدور في ملاعب كرة القدم التي يحاول الإخوان تحويلها إلى نواة تمرد مجتمعي من خلال اختراقهم للإلتراس، وهو اختراق معقد ينطلق من قدرة التأثير على الأعضاء النشطين في بيئتهم الأصلية والوقوف على مشاغلهم اليومية.

ويشير الأستاذ الحسن تفروت أستاذ علوم التربية والسوسيولوجيا بالمدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش إلى أنه “لا يمكن فهم تطور حركة الإلتراس دون فهم السياق السياسي المصاحب. فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم تطور الإلتراس في أوروبا دون فهم التطورات السياسية التي سادت فيها بدءا من الستينات من القرن الماضي، والتي ارتبطت بما أطلق عليه البعض موت السياسة، أو التطورات السياسية التي ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات، وهو ما عرف بموت الأيديولوجيا. فهذه التطورات خلفت قطاعات عريضة من الشباب خارج الأطر التقليدية للمشاركة، كالأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وذلك في الوقت نفسه الذي شهد تصاعد السياسات الرأسمالية وأزمات المجتمعات الحداثية”.

ويدفع هذا المعطى إلى تأكيد الاعتقاد باختراق الإخوان للإلتراس، حيث تعرف الجماعة باشتغالها على المنفلتين من الأطر التقليدية، وغير المرتبطين بالتزامات سياسية أو حزبية أو عقائدية أخرى، خاصة في سن معينة يكون فيها الشاب محتاجا للإحاطة المادية والنفسية والوجدانية.

ولا يخفي عدد من المتخصصين أن فكرة الرفض لدى الإلتراس تجعلها مستعدة لتبني المواقف الراديكالية في عدائها لمن تراه معاديا لمصلحتها أو لمصلحة الطبقة التي تنتمي إليها غالبا، ومن تراه مسؤولا عن معاناتها سواء مع البطالة أو الفقر أو التهميش أو التبخيس، وصولا إلى أن تعتقد أنه ضد تحرير فلسطين، أو ضد الوحدة العربية، أو ضد رفع راية الإسلام بأوهام الخلافة المنشودة، ومن هناك تتعرض للاختراق المباشر عبر التحريض.

لذلك، لا يرى علي شعباني، الباحث المغربي في علم الاجتماع، ظاهرة الإلتراس كأحداث عابرة، “بل إنها تؤسس لفوضى كبيرة إذا لم يُنتبه إلى مخاطرها والتحكم فيها”، مضيفا أن الأسباب كثيرة حيث لمفعول الجمهور تأثير كبير وخطير جدا، وسط من لهم نزعات عدوانية”.

استغلال إخواني

الحسن تفروت: لا يمكن فهم تطور حركة الإلتراس دون فهم السياق السياسي المصاحب
الحسن تفروت: لا يمكن فهم تطور حركة الإلتراس دون فهم السياق السياسي المصاحب

كانت الهتافات الموجهة من قبل إلتراس الترجي في القاهرة هي ذاتها تقريبا التي صدرت عن جماعات أخرى في دول المنطقة في ظل الانفلات أو الرغبة في الإفلات من قبضة النظام العام، وتحت مؤثرات عقائدية وسياسية تشكلت بفعل الاختراق الممنهج من قبل أطراف عدة، لعل أبرزها قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان التي تتحرك في دول شمال أفريقيا وغيرها تحت مظلة واحدة ولأهداف موحدة، وترى في جمهور كرة القدم الجواد الذي يمكن المراهنة عليه في ترويج المسكوت عنه عادة من شعاراتها وأهدافها، مستفيدة في ذلك من إدارة حليفها القطري لنسبة مهمة من أدوات الفعل الرياضي، وعلى رأسها الإعلام عبر النقل المباشر الحصري للبطولات الإقليمية والدولية، وهو ما يمكن إدراكه من خلال رفع شعارات الإلتراس لشعارات مناهضة للدول المقاطعة لقطر، وداعمة لنظام الدوحة، أو معادية للنظام القائم في مصر وللرئيس عبدالفتاح السيسي مقابل رفع صورة الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي.

وعادة ما تتولى كاميراهات “بي.إن سبورت” والقنوات الإخوانية بنقل تلك الصور وتحميلها أبعادا سياسية، والتركيز عليها بما يخدم فكرة الترويج للمشروع الإخواني، الذي لا يمكن فصله عنها باعتباره من أولويات الجهة الممولة، وكذلك باعتباره أحد الأهداف التي تأسست عليها منذ كانت جزءا من شبكة “الجزيرة” الأم.

ولم يدخر الإعلام الإخواني جهدا في تبني تحركات وشعارات الإلتراس، وخاصة في مصر حتى وصل الأمر في مناسبات عدة إلى سحب الهتافات الأصلية للجمهور وبث أصوات جديدة، لكن ما حدث في مايو 2018 كان لافتا، عندما حلّت روابط الأندية المصرية نفسها وأحرقت راياتها، وقالت رابطة إلتراس أهلاوي “تأسس جروب إلتراس أهلاوي لمساندة النادي الأهلي داخل مصر وخارجها، ووجودنا أو عدمه لن يحرم الأهلي من جماهيره، المباريات أمام أي مشجّع الغرض منها المشاهدة والاستمتاع فقط لا غير، الرابطة منذ تأسيسها داعمة ومساندة للدولة ولن تكون غير ذلك، ولذلك قرّرنا من أجل الحفاظ على مستقبل الجميع حتى لا يستغلنا أحد استغلالا سيّئا حل جروب إلتراس أهلاوي نهائيا”.

وبدوره أعلن إلتراس نادي الاتحاد السكندري حل رابطة جرين ماجيك وحرق اللافتة الخاصة بها، وهو ذات ما فعله إلتراس يلو دراجونز المنتمي إلى نادي الإسماعيلي. جاء ذلك، بعد عامين من قرار محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بالقاهرة بحظر جميع روابط الإلتراس على مستوى الجمهورية، حيث تضمن الحكم إلغاء حكم محكمة أول درجة للأمور المستعجلة والذي كان قد قضى برفض الدعوى المقدمة من مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، التي طالب فيها بحظر روابط الإلتراس لاتهامها بالتورط في أعمال شغب وتخريب في البلاد.

استند رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور في دعواه إلى تحقيقات النيابة العامة التي اتهمت مجموعات من روابط الإلتراس بمحاولة الاعتداء على وزير الرياضة السابق العامري فاروق وكذلك الاعتداء على رئيس نادي الزمالك وحرق نادي الشرطة ومقر الاتحاد المصري لكرة القدم وغيرها من أعمال العنف التي تورطت بها روابط الإلتراس.

وقال المستشار رفعت السيد، الرئيس السابق لمحكمة جنايات القاهرة في تصريح صحافي إنه “بموجب الحكم، يكون رفع اللافتات الضخمة الخاصة بروابط مشجعي الإلتراس أو ترديد هتافاتهم أو أداء أي من الأنشطة التي اعتادوا ممارستها مخالفة للقانون تستوجب العقوبة”. لافتا إلى أن الحكم ما هو إلا “تحصيل حاصل لأن القانون المصري لا يجيز إنشاء أي روابط أو جمعيات أو أحزاب أو منظمات إلا من خلال إجراءات قانونية محددة وتخضع لإشراف الجهات المعنية سواء كانت وزارة التضامن بالنسبة للجمعيات الأهلية أو وزارة الشباب بالنسبة للكيانات الرياضية”.

واستندت المحكمة في حكمها بحظر روابط الإلتراس وحل أنشطتها لعدم وجود كيان قانوني لها، فضلا عن تورطها في العديد من أعمال الشغب واتهامها في قضايا شروع في قتل وتحولها من رابطة رياضية إلى العمل في السياسة بعدما قدم المدعي أسطوانة مدمجة بها مقطع فيديو لاعتصام رابعة يدعم أحد قيادات الوايت نايتس، سيد مشاغب، وكذلك صورة تجمع حازم صلاح أبوإسماعيل مؤسس حركة “حازمون” مع أحد قيادات الوايت نايتس.

الإلتراس والإرهاب

لماذا تتبنى مجموعات الإلتراس في المغرب وتونس والجزائر شعارات الإخوان خاصة ضد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر
لماذا تتبنى مجموعات الإلتراس في المغرب وتونس والجزائر شعارات الإخوان خاصة ضد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر

تزامن قرار المحكمة مع ما أعلنته وزارة الداخلية المصرية من الكشف عن مخطط كان يعتمد على إثارة أعمال الشغب والعنف والاعتداء على القوات والمنشآت العامة والخاصة، دون ارتباط ذلك بصورة مباشرة بالتنظيم، من خلال الاندساس في المسيرات والتظاهرات.

وأوضحت أنه بعد اتخاذ الإجراءات واستئذان النيابة العامة، تم ضبط الطالب أحمد السيد عبدالحي صالح مشهور (20 عاما)، مسؤول إحدى مجموعات إلتراس نهضاوي بالجيزة، وأحد أبرز معاونيه وعدد من أعضاء الإلتراس بمحافظات مختلفة، وبحوزتهم العديد من الأوراق التنظيمية، منها خطة المجموعة للإعداد والتجهيز للمشاركة في فعاليات 25 أبريل 2016، تعتمد على الاندساس في أوساط التجمعات وتنفيذ عمليات تخريبية وعدائية، وإشاعة الفوضى والعنف.

وأكدت أن الهيكل التنظيمي للمجموعة يعتمد على التسلسل القيادي الهرمي، برئاسة الطالب المقبوض عليه، وتحديد مسؤولي العمليات التنظيمية المختلفة، وتوزيع التكليفات والدعم المادي واللوجيستي، وتوفير الأسلحة وتنظيم أعمال الشغب، والاتصال بين عناصر الإلتراس وتحالف “دعم الشرعية”، وتنظيم المسيرات.

وكشفت عملية ضبط الطالب المتهم تلقيه تكليفات من قيادات تنظيم الإخوان بالخارج، أبرزهم القياديان علي بطيخ وأحمد عبدالرحمن، الهاربان في تركيا، لتنفيذ عمليات عدائية واسعة، وكذا تلقيه دعما ماديا كبيرا من أحد القيادات الإخوانية الهاربة بدولة قطر، تجاوز 75 ألف جنيه شهريّا، لتنفيذ تلك المخططات.

قبل ذلك، وفي مارس 2015 أحالت النيابة العامة المصرية 16 متهما إلى المحاكمة الجنائية بتهمة ارتكاب أحداث شغب وعنف أسفرت عن وفاة 22 شخصا من مشجعي نادي الزمالك، في ما عرف بأحداث ستاد الدفاع الجوي. وقال بيان للنائب العام المصري هشام بركات إنه “تقرر إحالة 16 متهما، بينهم 12 من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، و4 من رابطة مشجعي نادي الزمالك، إلى محكمة الجنايات؛ لاتهامهم بارتكاب جرائم البلطجة المقترنة بالقتل العمد، وتخريب المباني والمنشآت العامة والخاصة، ومقاومة السلطات، وإحراز المفرقعات، ما أسفر عن قتل 22 شخصا”.

وأوضح البيان أن تحقيقات النيابة العامة كشفت أن “جماعة الإخوان الإرهابية في سبيل سعيها لهدم البلاد استغلت علاقة بعض كوادرها بعلاقة نادي الزمالك المسماة (وايت نايتس)، وأمدتهم بالأموال والمواد المفرقعة للقيام بأحداث العنف أثناء النشاط الرياضي؛ بهدف نشر الرعب بين المواطنين، والعمل على إفشال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد خلال تلك الفترة. مؤكدا أن “بعض المتهمين المنتمين إلى الجماعة اعترفوا في التحقيقات بالتمويل والتدبير والاشتراك في تلك الجرائم؛ بقصد خلق حالة من عدم الاستقرار لإفشال المؤتمر الاقتصادي، كما أقر البعض من أعضاء رابطة مشجعي الزمالك في التحقيقات بتلقيهم أموالا من بعض كوادر الإخوان الإرهابية للقيام بأعمال العنف”.

إلتراس إخواني

علي شعباني: ظاهرة الإلتراس تؤسس لفوضى كبيرة إذا لم يُنتبه إلى مخاطرها والتحكم فيها
علي شعباني: ظاهرة الإلتراس تؤسس لفوضى كبيرة إذا لم يُنتبه إلى مخاطرها والتحكم فيها

وفي أكتوبر 2012 صرح بهاء أبورحاب رئيس اللجنة الرياضية في جماعة الإخوان المسلمين عن تواجدهم بداخل أفراد الإلتراس الحاليين في مختلف الأندية وعلى رأسها الأهلي والزمالك، وأضاف نحن لدينا بالفعل مشجعون داخل الإلتراس وهم شباب الإخوان ويشجعون معهم وكل تجمع ممكن في مختلف المستويات والمجالات تجدنا متداخلين”. وأردف “ليست لنا مصلحة سوى مصلحة الوطن وفي الانتخابات ندعم الرياضيين الذين ينطبق عليهم شرط الفائدة لمصر ونثق في شباب الإلتراس المنتمين إلى الإخوان أنهم لن يخرجوا عن الآداب”.

كما أقر بعض أعضاء رابطة مشجعي نادي الزمالك خلال التحقيقات بتلقيهم أموالا من بعض كوادر الجماعة الإرهابية، للقيام بأعمال العنف خلال مباراة كرة القدم بين ناديي الزمالك وإنبي في الدوري العام المصري.

ويشير المراقبون إلى أن قضية الإلتراس أصبحت تشكل صداعا وحرجا لأنظمة الحكم في دول عدة. ففي الجزائر كان الإلتراس رأس حربة الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام، مثلما أشارت الصحف الفرنسية، ومنها “لوموند ديبلوماتيك” التي قال أحد أبرز كتابها، ميكائيل كوريا، إن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أعلن استقالته والحشود تغني “لا كاسا ديل موراديا”، وهي أغنية أنصار الاتحاد الرياضي للجزائر العاصمة التي أصبحت ترنيمة الاحتجاجات منذ الجمعة 22 فبراير 2019 تاريخ أول مسيرة سلمية ضد النظام.

وذكّر صاحب المقال بما جرى خلال نهائي كأس الجزائر في مايو 2018 عندما هاجم أنصار مولودية الجزائر بشراسة إدارة الشرطة ورئيس الوزراء آنذاك أحمد أويحيى، مشيرا إلى أن مسيرات منظمة قام بها المشجعون بعد ذلك بأشهر وهم يرتدون قمصان فريقهم ويرددون أغاني معادية للنظام أثارت اهتمام الجزائريين.

لكن تلك الروح المتمردة في إلتراس الجزائر حاولت جماعة الإخوان تحويلها لفائدتها من خلال عناصرها المندسة، عكس إخوان المغرب الذين يتولون الحكم، وينظرون إلى الإلتراس على أنه أصبح حزبا معارضا، يتجاوز في تأثيره بقية الأحزاب والنخب السياسية وخاصة من خلال الهتافات والشعارات والأهازيج التي سرعان ما سرت في كل فئات المجتمع مثل “في بلادي ظلموني” لإلتراس الرجاء البيضاوي، و”قلب حزين” لإلتراس الوداد، رغم أنهم يتقاطعون معه في بعض شعاراته المتصلة بالوضع الإقليمي والدولي.

قد يكون السؤال اللافت هو لماذا يتبنى إلتراس المغرب وتونس والجزائر شعارات الإخوان وخاصة ضد ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر؟ ولماذا نرى تلك الشعارات تتردد ضد دول بعينها معروفة بخلافات حادة مع قطر؟ ولماذا لا نرى هذه الظاهرة إلا في الدول التي يصارع فيها الإخوان إما عمن أجل التمسك بالحكم وإما الوصول إليه؟

يبقى أن علاقة جماعة الإخوان بالالتراس هي كعلاقتها مع مختلف الفئات والمجالات، مبنية على الاختراق الفكري والتنظيمي، معتمدة في ذلك على إمكانياتها الضخمة، وكذلك على طموحات الشباب الباحث عن فرصة لتحسين ظروفه، أو على ميله الفطري للتمرد، وهو ما يدفع نحو الفوضى التي يمكن أن تحل في أي لحظة.

Thumbnail
13