اختراقات ملحوظة في أدوية علاج السرطانات

أفاد الأطباء في أكبر مؤتمر للسرطان في العالم أنه ثمة بعض العقاقير الحديثة التي تحسن بشكل كبير من فرص البقاء لبعض الأشخاص الذين يعانون من أشكال يصعب علاجها من سرطان الرئة والثدي والبروستاتا.
شيكاغو (الولايات المتحدة) - كشف فريق من العلماء بقاء ما يقارب 25 بالمئة من مرضى السرطان، الذين تناولوا عقار “بيمبروليزوماب” دون الخضوع سابقا لعلاج كيميائي، على قيد الحياة بعد خمس سنوات من تشخيص إصابتهم بالمرض، بحسب دراسة عرضت خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية المعنية بعلم الأورام السريري.
وتراجعت هذه النسبة إلى حوالي 15 بالمئة عند المرضى الذين سبق لهم أن خضعوا لعلاج كيميائي.
وقال إدوارد غارون، القيّم الرئيسي على هذه الدراسة وهو أستاذ معاون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، إن “الصورة المأساوية الملازمة لتشخيص سرطان خلايا رئوية غير صغيرة في مرحلة متقدّمة لم تعد قائمة”.
وكانت حظوظ البقاء على قيد الحياة بعد خمس سنوات من تشخيص الإصابة بهذا النوع من السرطانات 5.5 بالمئة قبل اعتماد نهج العلاجات المناعية. وخلافا للعلاج الكيميائي، فإن العلاج المناعي يحفّز الجهاز المناعي عند المريض للتصدّي للمرض.
ويعمل عقار “بيمبروليزوماب” على كبح بروتينة “بي.دي1-” في الجهاز المناعي، ما يتيح للخلايا التائية التي تصدّ انتشار الورم مهاجمة الخلايا السرطانية بوتيرة أسرع وبفعالية أكبر.
وأكد غارون أن التجربة أثبتت وجود فئة من المرضى “تتمتّع بفرص للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة، ما يغيّر طريقة تعاملنا مع المرض”. ويسعى فريق الباحثين هذا إلى رصد مؤشرات حيوية أخرى لتحسين فرص الصمود. وصرّح الأستاذ الجامعي “يحدونا أمل كبير، فنحن لا نزال في بداية الطريق في مجال العلاجات المناعية”.
سرطان الرئة
من بين المستفيدين من هذه النوعية من العقاقير، روزل ماك جونيور، الذي لا يزال في سن الـ87 قادرا على العمل في مزرعة للخيول في ليكسينغتون بولاية كنتاكي، بعد مرور تسع سنوات من تشخيصه بسرطان الرئة الذي انتشر في عظامه وغدده اللمفاوية.
وقال ماك، الذي ساعد في اختبار عقار “كيترودا” لشركة “ميرك”، وهو علاج يساعد الجهاز المناعي على التعرف على السرطان ومكافحته “أذهب إلى العمل كل يوم، وأصل إلى هناك قبل أي شخص آخر. أشعر بأنني بحالة جيدة وأستمتع بحياتي”.
أما الجانب السلبي لهذه العقاقير، هي أن تكلفة العديد من هذه الأدوية يصل إلى حوالي 100 ألف دولار أو أكثر في السنة، على الرغم من أن ما يدفعه المرضى يختلف باختلاف التأمين والدخل وغير ذلك من المعايير الأخرى.
تم عرض النتائج خلال مؤتمر الجمعية الأميركية لعلم الأورام السريري في شيكاغو، ونشرت مجلة “نيوإنغلند” للطب البعض منها. وترعى الشركات التي تصنع العقاقير هذه الدراسات، كما تربط بعض الروابط المالية قادة هذه الدراسة بعضهم ببعض.
العلاج الكيميائي يتسبب في حدوث تنميل ووخز في اليدين والقدمين وقد لا يكون مفيدا للرجال المصابين بمرض السكري
وتجدر الإشارة إلى أن أدوية العلاج المناعي مثل “كيترودا” قد غيرت من طريقة علاج أنواع كثيرة من السرطان، لكنها لا تزال جديدة إلى حد ما ولا تساعد معظم المرضى. وقد وجدت أطول دراسة أجريت حتى الآن على “كيترودا” في مرضى سرطان الرئة المتقدم أن 23 بالمئة من الذين تلقوا الدواء كجزء من علاجهم الأولي نجوا على الأقل لمدة خمس سنوات إضافية.
وفي الماضي، كان حوالي 5 بالمئة فقط من هؤلاء المرضى يعيشون لفترة أطول. وقالت الدكتورة ليورا هورن من مركز فاندربيلت- إنغرام للسرطان في ناشفيل بولاية تينيسي، والتي ألحقت ماك في دراسة جرت على 550 شخصا “أنا مؤمنة بشدة بأن الأمر لا يتعلق فقط بمدة الحياة، بل بنوعية الحياة”.
وقال ماك إنه فقط يعاني من بعض الآثار الجانبية التي يمكن له السيطرة عليها، مثل الحكة، بعد أن بدأ في علاج “كيترودا” قبل أربع سنوات. توقف عن تعاطي الدواء في الشتاء الماضي ولم يُظهر المسح لديه سرطانا نشيطا.
وفي العام الماضي، ذكرت دراسة أخرى أن معدلات البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات تبلغ 16 بالمئة للمرضى المشابهين الذين تلقوا علاجا آخر مناعيا، وهو “أوبديفو”.
وقالت هورن “من كلتا الدراستين، نتلقى رسالة مماثلة: عندما تعمل هذه العقاقير، يمكن أن يكون لها تأثير دائم حقا”.
سرطان الثدي
يشير الباحثون إلى أن خطر حدوث سرطان الثدي يزداد مع تقدم العمر، ولكن حوالي 48 ألف حالة كل عام في الولايات المتحدة هي لدى النساء دون سن الـ50. وتتم تغذية نمو السرطان عن طريق هرمون الأستروجين أو هرمون البروجسترون وليس عن طريق الجين الذي يستهدفه عقار “هيرسبتين”.
وفي دراسة شملت 672 امرأة مصابة بسرطان الثدي الذي انتشر أو كان متقدما جدا، تمت إضافة عقار “كيسكالي” الذي تنتجه شركة “نوفارتيس” إلى أدوية وقف الهرمونات المعتادة، فساعد العلاج الأولي أكثر من العلاج الهرموني وحده.
وبعد مرور 3 سنوات ونصف السنة، كانت 70 بالمئة من السيدات اللاتي تناولن “كيسكالي” على قيد الحياة، مقارنة بـ46 بالمئة من البقية. وكانت الآثار الجانبية أكثر شيوعا مع هذا العقار. وهذه هي المرة الأولى التي يعزز فيها أي علاج البقاء على قيد الحياة بما يتجاوز أدوية وقف الهرمونات لدى مثل هؤلاء المرضى.
كما يسمح هذا النوع الجديد من العلاج بتحسن كبير في نسبة البقاء على قيد الحياة لنساء دون الستين يعانين من أكثر أنواع السرطان شيوعا على ما أعلن باحثون في شيكاغو.
وأظهر هؤلاء العلماء الذين عرضوا نتائج تجربة سريرية عالمية أن إضافة مثبط (ريبوسيكليب) لدورة الخلية إلى العلاج، يسمح برفع نسبة البقاء على قيد الحياة إلى 70 بالمئة.
وكانت نسبة الوفاة لدى مريضات تلقين هذا العلاج أقل بـ29 بالمئة مقارنة مع تلك اللواتي حصلن على عقار وهمي على ما أظهرت النتائج التي عرضت خلال المؤتمر السنوي لجمعية علم الأورام السريرية (أسكو) الذي جمع بين خبراء دوليين في السرطان.
العلاج الكيميائي قد يتسبب في حدوث تنميل ووخز في اليدين والقدمين وقد لا يكون مفيدا للرجال المصابين بمرض السكري والذين يكونون بالفعل أكثر عرضة لهذه المشكلة
وركزت الدراسة على مريضات يعانين من سرطان الثدي الذي يتفاعل مع بعض الهرمونات ويشكل هذا النوع من السرطانات ثلثي الإصابات بهذا المرض لدى النساء قبل انقطاع الطمث على ما أوضحت المعدة الرئيسية للدراسة سارة هورفيتس.
وتحصل المريضات عادة في هذه الحالة على علاجات تهدف إلى وقف إفراز هرمونات الأستروجين. ويعمل العلاج الجديد من خلال التأثير على أنزيمات تلعب دور المحرك والمعطل لدورة الخلية.
وأوضحت هورفيتس “يمكن التوصل إلى استجابة أفضل (..) أو حتى القضاء على السرطان من خلال إضافة هذه المثبطات لدورة الخلية”.
وهذا العلاج أقل سمية من العلاج الكيميائي التقليدي لأنه يستهدف بالتحديد الخلايا السرطانية ويمنعها من التكاثر. واستندت التجربة السريرية على مجموعة من النساء دون سن التاسعة والخمسين كن يعانين من المرض في مرحلة متقدمة من المرض (المرحلة الرابعة) من دون حصولهن من قبل على علاج ضد الهرمونات.
وأوضحت هورفيتس “الأمر يتعلق بنساء شخصت إصابتهن في مرحلة متقدمة لأنه ليس لدينا بروتوكولات رصد للمرض ممتازة لدى النساء الأصغر سنا”.
وقال هارولد بورنستين وهو متخصص في علم الأورام لم يشارك في هذه الأبحاث “إنها دراسة مهمة” لأنها تظهر أن ضبط دورة الخلية “ينعكس تحسنا ملحوظا” في نسبة البقاء على قيد الحياة. ويعمل هارولد بورنستين في معهد “دانا-فاربر كانسر إنستيتوت” الأميركي في بوسطن.
ويعطى العلاج على شكل حبوب مدة 21 يوما يليها توقف من سبعة أيام لجعل الجسم يتعافى إذ أن ثلثي المريضات عانين من تراجع معتدل أو حاد في مستوى الكريات البيض.
وتبلغ كلفة علاج المرض لمدة 28 يوما 12553 دولارا وفق ما قالت جايمي بينيت الناطقة باسم مختبرات “نوفارتيس” التي تسوق العلاج تحت اسم “كيسكالي”.
ويتوقع أن تسجل حوالي 268 ألف حالة جيدة في الولايات المتحدة في 2019 بينما مجموع عدد السكان 320 مليون نسمة. والنوع المتقدم من هذا المرض هو السبب الأول لوفيات النساء الناجمة عن سرطان لدى النساء بين سن العشرين والتاسعة والخمسين.
والمرحلة المتقدمة من سرطان الثدي أقل انتشارا لدى النساء قبل انقطاع الطمث، إلا أنها شهدت ارتفاعا بنسبة 2 بالمئة بين 1978 و2008 في صفوف الأميركيات بين سن العشرين والتاسعة والثلاثين، على ما أظهرت دراسة سابقة.
سرطان البروستاتا
تستمر الخيارات في التوسع بالنسبة إلى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذي انتشر خارج الغدة. ويعد العلاج القياسي لهذا النوع هو الذي يكون عن طريق الأدوية التي تمنع هرمون التستوستيرون الذكوري، الذي يساعد على نمو هذه السرطانات، بالإضافة إلى العلاج الكيميائي أو دواء جديد يسمى “زيتيغا”. والآن، أثبت دواءان آخران قدرتهما على إطالة البقاء على قيد الحياة عند تناولهما مثل العلاج الكيميائي و”زيتيغا” لدى الرجال الذين كانوا يتلقون العلاج الهرموني المعتاد.
وقد اختبرت إحدى الدراسات عقار “إكستاندي”، الذي تنتجه شركتا “فايزر” و”أستيلاس فارما”، مع حوالي ألف رجل، نصفهم أيضا يحصلون على العلاج الكيميائي. وبعد ثلاث سنوات، بقي 80 بالمئة ممن تلقوا هذا العقار على قيد الحياة لفترة أطول، مقارنة بـ72 بالمئة من الرجال الذين تلقوا العلاجات الأخرى بمفردهم.
وقد شملت الدراسة الأخرى حوالي ألف رجل تلقوا العلاج الهرموني مع أو دون عقار “يانسن إرليدا”. وبعد مرور عامين، ظل 82 بالمئة بين أولئك الذين تناولوا “إرليدا” لفترة أطول، بينما ظل فقط 74 بالمئة على قيد الحياة بين هؤلاء الذين لم يتناولوا العقار.
وقال الدكتور إيثان باش، أخصائي البروستاتا في مركز لينبرغر الشامل للسرطان في جامعة نورث كارولينا، إنه يوجد الآن أمام الرجال خيار لأربعة عقاقير تقدم فوائد مماثلة، ولم تقارن أي دراسات حتى الآن ببعضها البعض.
وقال إن التكلفة والآثار الجانبية قد تساعد المرضى على اتخاذ القرار. وقد يتسبب العلاج الكيميائي في حدوث تنميل ووخز في اليدين والقدمين وقد لا يكون مفيدا للرجال المصابين بمرض السكري والذين يكونون بالفعل أكثر عرضة لهذه المشكلة.