اختبار صعب للعلاقة الروسية التركية في سوريا

العلاقة بين روسيا وتركيا تتجه إلى نقطة اللاعودة خاصة بعد انخراط الجيش التركي في المعارك الجارية في إدلب لدعم الفصائل الجهادية في مواجهة تقدّم القوات الحكومية السورية التي تتضارب الأنباء بشأن سيطرتها على مدينة سراقب الاستراتجية.
دمشق - صعّدت تركيا الخميس من نبرتها تجاه روسيا مطالبة إياها بوقف هجمات الحكومة السورية في محافظة إدلب فورا، يأتي ذلك مع انخراط القوات التي استقدمتها مؤخرا في المعارك الدائرة بين الجيش السوري والفصائل المقاتلة على أكثر من جبهة في المنطقة، خاصة في ريفيْ إدلب الشرقي وحلب الغربي.
وعلى وقع التصعيد الجاري باتت العلاقة بين روسيا وتركيا تسلك منعطفا خطيرا، يشي بقرب انتهاء “زواج المصلحة” بينهما في سوريا. ويقف الجانبان على طرفيْ نقيض في المسرح السوري، حيث تدعم موسكو دمشق فيما تساند أنقرة الجماعات المعارضة والجهادية إلا أن ذلك لم يحُل دون عقد تفاهمات مؤقتة بينهما، قائمة أساسا على المقايضة.
ومع انحسار مناطق التوتر بعد استعادة الجيش السوري لأكثر من نصف مساحة البلاد، وانحسار نفوذ الفصائل المقاتلة والجهادية في إدلب وأجزاء من حلب بات من الصعب على موسكو وأنقرة تجنّب خيار المواجهة.
ويعتبر محللون أن إدلب تشكّل اختبارا مرا للجانبين الروسي والتركي وهما مضطران لخوضه، فإما أنه يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون وهذا يبدو صعبا وإما أنه سيقود لتصادم بينهما، تنتظره أطراف كثيرة.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في وقت سابق الخميس إن أنقرة تتوقع من موسكو أن توقف هجمات الجيش السوري “على الفور”، وأضاف “أبلغنا نظراءنا الروس بعزمنا”، مشيرا إلى أن أنقرة مصمّمة على وقف “المأساة الإنسانية” في إدلب التي تقول إنها أدّت لنزوح قرابة المليون شخص.

يأتي التحذير التركي لروسيا وسط تضارب في المعطيات بشأن سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب الاستراتيجية في ريف إدلب الجنوب شرقي، بعد نجاحه في محاصرتها وقطع طرق الإمداد عن الفصائل التي ما تزال تتواجد في الجزء الشمالي من المدينة.
وعجزت ثلاث نقاط مراقبة تركية استحدثها الجيش التركي مؤخرا حول سراقب، الأولى بمنطقة الصوامع، والثانية في شمالها على الطريق الدولي أم 5، وثالثة في شرقها، عن التصدّي للجيش السوري، بل باتت شبه محاصرة، مع المدينة.
وكانت القوات السورية قد نجحت الأربعاء في اقتحام المدينة الواقعة على تقاطع طريقين دوليين حيويين وهما “أم 4” و“أم 5”، قبل أن تتراجع على وقع هجوم معاكس شنّته الفصائل.
ومع تقدّم الجيش السوري صوب سراقب بعد سيطرته على مدينة معرة النعمان التي تعدّ ثاني كبرى مدن إدلب، وتقع هي الأخرى على الطريق الدولي “أم 4”، سارعت تركيا إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة مستمرة إلى حدود الأمس، مع تشييد نقاط مراقبة جديدة في محيط سراقب وأيضا بالقرب من مدينة إدلب في محاولة لمنع تقدّم الجيش أكثر.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس، باستهداف سلاح الجو السوري لمطار تفتناز العسكري شرق مدينة إدلب بعد ساعات فقط من تثبيت تركيا نقطة عسكرية لها هناك، فيما لم ترد معلومات عن خسائر بشرية.
وتبدي أنقرة جدية في وقف الاندفاعة السورية لاستعادة إدلب وضواحيها، ويقول محللون إن المنطقة تشكّل مركز نفوذ لتركيا منذ العام 2015 ولا تريد التفويت فيها للنظام السوري وروسيا دون ثمن، ومن هنا تظهر استعدادا للسير بعيدا خاصة وأن موسكو إلى الآن لا تبدي تجاوبا معها.
بالمقابل يشي نسق العمليات في إدلب وريف حلب أن هناك إصرارا روسيّا سوريّا على المضيّ قُدما في أهداف العملية، أي استعادة السيطرة على طريقي “أم 4” الذي يربط بين حلب ودمشق و“أم 5” الذي يربط بين اللاذقية والعاصمة السورية، الأمر الذي ينذر بخروج الأمور عن السيطرة.
وقالت وزارة الخارجية الروسية الخميس إن “متخصصين عسكريين” من روسيا وتركيا قضوا بشكل مأساوي، دون توضيح المزيد من التفاصيل.
ولا يعرف بعد إلى أيّ مدى ستأخذ عملية كسر العظام الجارية، ومن الطرف الذي سيرفع “الراية البيضاء”، بيد أن الثابت أن عملية العودة إلى ما قبل التصعيد الحالي غير وارد، حيث أن روسيا تعتبر أن انتزاع إدلب من الجماعات الجهادية التي تسيطر عليها أمر مفروغ منه، وأنه لا يمكن الانتقال إلى عملية سياسية دون حسم المسالة.
وفي غمرة الكباش الروسي التركي برزت في الأيام الأخيرة مواقف لافتة خاصة للولايات المتحدة، ورأت مصادر دبلوماسية أن واشنطن تسعى إلى اللعب على أوتار الخلاف الراهن بين روسيا وتركيا في محاولة لإعادة تركيا إلى حظيرة الحلف الأطلسي وإلى دائرة النفوذ الأميركي في العالم، كما تسعى، من خلال المناسبة السورية، إلى تذكير روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بالخطوط الحمراء التي يجب الالتزام بها لجهة أن أيّ مستقبل للصراع وتسويته النهائية لا يمكن أن يمرّ دون اتفاق كامل مع المنظومة الغربية بزعامة الولايات المتحدة.وقال المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري “نرى أن ليس الروس فحسب بل الإيرانيون وحزب الله يشاركون أيضا بنشاط في دعم الهجوم السوري”. وأكد أن أحد دواعي قلق واشنطن يتعلق بما إذا كان الهجوم سيقتصر على السيطرة على طريقي أم 5 وأم 4 الاستراتيجيين أم سيتعداهما قاصدا السيطرة على محافظة إدلب”.
وأثارت تصريحات جيفري تساؤلات حول مدى جدية الموقف الأميركي في التأثير على مجرى العمليات العسكرية في إدلب، خصوصا أن تهديده بفرض عقوبات أميركية جديدة ضد النظام السوري. كما تساءل المراقبون عن أثر هذه التصريحات على موقف تركيا في صراعها الحالي مع روسيا.
ويعتبر محللون أتراك أن ما ورد من البيت الأبيض لا يمكن الرهان عليه وأن لا معطيات صلبة عن موقف أميركي داعم لتركيا في سوريا على الرغم من أن بعض التصريحات. ويقول هؤلاء إن النظام التركي يستفيد من الموقف الأميركي المنتقد لموسكو ودمشق، إلا أنه يتعامل بحذر مع طبيعة هذا الدعم.