احتكار الأغذية يثير مخاوف خصخصة المجمعات الاستهلاكية في مصر

إسناد تشغيل منافذ السلع الغذائية الحكومية إلى القطاع الخاص.
الخميس 2023/12/28
مواسم التخفيضات اقتربت من النهاية

أدى إعلان وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية عن خصخصة المجمعات الاستهلاكية إلى مخاوف خطيرة بشأن إمكانية احتكار السلع الغذائية الأساسية من القطاع الخاص وهيمنته عليها، ورغم تحذيرات الخبراء بشأن القرار، إلا أن خطة الحكومة ستمضي في طريقها.

القاهرة - وسعت الحكومة المصرية انسحابها من القطاعات الحيوية لصالح القطاع الخاص وتخطط للتخلي عن توفير السلع الغذائية الأساسية واللحوم عبر منافذها المنتشرة بمختلف أنحاء البلاد بداعي توسيع قاعدة المشاركة مع المستثمرين.

وتمهد الخطوة الجديدة لتقليص دور الدولة في الاقتصاد خلال السنوات المقبلة، وترك الأسواق وتداول السلع للشركات الخاصة، فضلا عن جعل الفقراء فريسة لمجموعة من المستثمرين لا يبحثون سوى عن الربح.

وتهدف الحكومة من الخطوة إلى زيادة مبيعات الشركة القابضة للصناعات الغذائية سواء بالنسبة للسلاسل التجارية أو عبر تصديرها، لتحقيق أرباح أكثر، تمهيدا لبيع حصص من الأصول للقطاع الخاص تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي.

وقرر وزير التموين علي مصيلحي عرض مجموعة كبيرة من المجمعات الاستهلاكية للقطاع الخاص، وهي خطوة اعتبرها تعزز تشغيل وتطوير الأصول التابعة لوزارته وتتماشى مع توجهات الدولة الرامية إلى توسيع قاعدة الشراكة مع القطاع الخاص.

عبدالعزيز السيد: المجمعات الاستهلاكية تعتبر رمانة الميزان في الأسواق
عبدالعزيز السيد: المجمعات الاستهلاكية تعتبر رمانة الميزان في الأسواق

وقال مصيلحي إن “القطاع الخاص يتمتع بخبرات كبيرة وقدرة على تحقيق المزيد من الإيرادات والعوائد، فضلا عن العمل على خفض الأسعار”، وهي تصريحات ترفضها شريحة من المواطنين معتبرة أنها تنم عن الفشل الحكومي في إدارة تلك المجمعات.

وتكمن أهمية هذه المجمعات في أن معظمها يوفر السلع الغذائية والأنواع المختلفة من اللحوم بتخفيضات عن متاجر التجزئة والسلاسل التجارية الخاصة تعدت نحو 30 في المئة مؤخرا، وهي تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة لوزارة التموين.

ونظرا لطبيعة القطاع الذي ترتفع فيه احتمالات تحقيق الأرباح، تلقى جهاز تنمية التجارة الداخلية عروضا من سلاسل التجزئة الخاصة لإدارة وتشغيل 17 منفذا تابعا لشركات المجمعات الاستهلاكية التي تدور في فلك القابضة للصناعات الغذائية.

ومن أبرز السلاسل الأجنبية التي تتنافس للاستحواذ على المجمعات، كارفور وكازيون ولولو ماركت، أما المحلية التي لا تضم مساهمين أجانب في ملكيتها فتضم مجموعة منصور للتجزئة المالكة لسلاسل مترو وخير زمان والفار ماركت.

وأكد رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية إبراهيم عشماوي وجود 9 عروض من سلاسل كبرى تتنافس وسيتم البت فيها قريبا، وأن العقود ستكون للإدارة والتشغيل بنظام حق الانتفاع لمدة 12 عاما.

وبرر طرح بعض منافذ القابضة للصناعات الغذائية للقطاع الخاص، بأنها ضمن خطة مصر للتخارج من قطاع التجزئة وأن الجهاز يدرس العروض حاليا، وثمة مرحلة ثانية من خصخصة المجمعات سيتم البدء فيها بعد إنهاء كافة التعاقدات الخاصة بالمرحلة الأولى.

ولدى القاهرة ما يقرب من ألف منفذ تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وهناك توجه لزيادة الشراكة مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، وفق عشماوي.

ورفض عضو الغرفة التجارية للقاهرة عبدالعزيز السيد خطة الدولة الحالية، لأنها بمثابة تخل من الحكومة عن المواطنين وخاصة الطبقات الفقيرة، فالمجمعات رمانة الميزان، في إشارة إلى أنها أساس التوازن بالأسواق.

وقال لـ"العرب" إن "خصخصة المجمعات الاستهلاكية تهدم العدالة والتوازن في المجتمع بالمناطق الشعبية والأقاليم البعيدة عن محافظة القاهرة".

ويمكن للحكومة خصخصة المجمعات التي تقع مقراتها في الأحياء غير الشعبية وهي بالفعل التي تهتم بها وتوفر كافة السلع خلالها، مثل المتواجدة بمناطق الزمالك والمهندسين ووسط البلد وغيرها، لأن الشريحة القاطنة بتلك المناطق لا تعتمد في الشراء على تلك المنافذ.

◙ 9 عروض تقدمت بها سلاسل تجزئة وتعمل وزارة التموين على النظر فيها قبل قبولها

وأوضح السيد أنه لا ملجأ للمواطنين الفقراء في ظل التضخم الجامح سوى هذه المجمعات، بالتالي بيعها يعني شهادة وفاة لهم، لأن سلاسل التجزئة الخاصة لن تبيع بنفس الأسعار.

وحذر الحكومة من التمادي في بيع المنافذ التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدنية لأفراد المجتمع، لأن السلاسل التجارية الخاصة عبارة عن مجموعة من المستثمرين ولا ترأف بالمواطنين.

ورغم تعالي التحذيرات بشأن بيع المجمعات الاستهلاكية، لكن الحكومة لن تكترث بنبض الشارع، لأنها تبرر ذلك بأنها تفسح المجال أمام القطاع الخاص في إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادي والهيكلي مع صندوق النقد.

وتسعى الحكومة لتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتسّرع الخطى للإعلان عن أي إجراءات في سبيل ذلك، لتقرب تنفيذ مراجعة صندوق النقد لبرنامجها للإصلاح والذي تأجل مرتين العام الماضي، أملا في تلقي شريحة جديدة من قرض متفق عليه مطلع العام المقبل.

وقال الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب لـ"العرب" إن "الغالبية العظمى من المجمعات الاستهلاكية لا تعمل بكفاءة حاليا، ولذلك تتخلى الدولة عن تشغيلها لصالح القطاع الخاص، ربما يكون أكثر نفعا مع العروض والتخفيضات التي يصعب إغفالها عند تشغيل المنافذ".

وأكد أنه ربما تكون هناك حالة من الغضب من المواطنين في بداية تشغيل تلك المنافذ، لكن تعدد المتاجر العاملة في البلاد يمنح فرصة أكبر من المنافسة وتقديم العروض للمواطنين.

ويمكن للحكومة إذا كانت جادة في دعم الطبقات الفقيرة أن تعوض تنازلها عن بيع السلع بالمجمعات الاستهلاكية بزيادة الكميات المبيعة من السلع الأساسية عبر بطاقات التموين.

عبدالنبي عبدالمطلب: المنافذ لا تدار بكفاءة وبيعها يسمح بتخفيضات على السلع
عبدالنبي عبدالمطلب: المنافذ لا تدار بكفاءة وبيعها يسمح بتخفيضات على السلع

وثمة خيار آخر يتمثل في تحول الدعم إلى نقدي مع زيادته وفقا لمعدلات التضخم، بحيث يسمح للمواطنين شراء السلع من مختلف السلاسل التجارية.

كما يمكن للحكومة أن توسع المبادرات التي تطلقها في الأعياد والمناسبات بحيث توسع دائرة بيع السلع في مختلف الأحياء والمحافظات عبر توفير أماكن للقطاع الخاص مجانا مقابل إطلاق تخفيضات وعروض ترضي المواطنين على السلع.

ويرى خبراء أن المجمعات الاستهلاكية أصبحت غير مؤثرة في الأسواق خلال الفترة الأخيرة، لأن الحكومة أهملتها مع ارتفاع الأسعار بالبلاد، لذلك اختفت العروض على معظم السلع في المناطق البعيدة عن محافظة القاهرة.

ولم تشهد الفترات الماضية سوى عروض على اللحوم الحمراء فقط، ومن ثم خصخصتها حاليا خطوة مهمة بدلا من إهمالها وتركها معطلة.

ومع قرب انتهاء المرحلة الأولى من خصخصة المجمعات الاستهلاكية تبدأ المرحلة الثانية قريبا، إذ جرت مخاطبة مجموعة كبيرة من السلاسل التجارية.

وتسلمت وزارة التموين نحو 151 طلبا من هذه السلاسل للمشاركة في إدارة تلك المجمعات، وفق تصريحات مصيلحي.

اقرأ أيضا: 

موانئ أبوظبي تبرم عقد امتياز لإدارة محطة سفاجا المصرية

11