احتقان في تونس إثر مقتل بائع سلع مهربة على يد الجمارك

تونس - قتل شاب تونسي يدعى محسن الزياني الأربعاء بطلق ناري من عنصر أمني خلال مصادرة سلع مهربة في منطقة “الباساج” وسط العاصمة التونسية، ما يطرح أسئلة حول التعامل الأمني مع ظاهرة التهريب والمهربين، في خضم انتقادات حقوقية وسعي الدولة لمواجهة الظاهرة التي أضرت بالاقتصاد الوطني بكل قوة.
وشهدت المنطقة إطلاق نار خلال مناوشات بين عناصر من الجمارك وباعة متجولين، أصيب على إثرها بائع أثناء محاولة مصادرة سلعه من السجائر المهربة، وفق ما ذكرت
تقارير إعلامية.
وأظهرت مقاطع فيديو من موقع الحادث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الرجل المصاب ممددا على الأرض، بينما يحاول المحيطون به إسعافه.
ونقل المصاب بعد ذلك إلى قسم الطوارئ بمستشفى شارل نيكول، حيث تجمع محتجون بعد تردد أنباء عن وفاته للتنديد بالحادثة، فيما شهدت بعض المناطق في العاصمة أعمال عنف محدودة.
الجمارك تعرضت لانتقادات من قبل بعض الحقوقيين بسبب استعمال الرصاص الحي والعنف المفرط في منطقة مأهولة
وتعرضت قوات الجمارك والأجهزة الأمنية لانتقادات واسعة من قبل بعض الحقوقيين، بسبب التعامل الأمني العنيف واستعمال الرصاص الحي ضد شخص أعزل في وسط العاصمة، ومع تجمهر عدد من المواطنين.
وقالت المحامية سنية الدهماني في تصريح لإذاعة ” أي.أف.أم” الخاصة إن الحادث خطير للغاية كونه جد في وسط العاصمة ومع تواجد مدنيين، مشيرة إلى أن القانون يضمن عملية التدرج في استعمال القوة.
وأضافت “القانون يفرض على القوات الحاملة للسلاح استعمال العصي ثم الغاز المسيل للدموع ثم المياه الساخنة ثم إطلاق النار في الهواء ثم في الأرجل، وفي حالة حدوث خطر على الأرواح والممتلكات من قبل مهاجمين يسمح القانون باستعمال الرصاص مباشرة”.
ونقلت إذاعة “موزاييك أف.أم” الخاصة عن مصدر قضائي قوله إن النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة أذنت للإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بالبحث حول ملابسات وفاة الشاب.
وقالت الإذاعة إن عنصرا من الجمارك أصيب في الحادث، وإنه يخضع حاليا للإسعافات في العناية المركزة.
وأصدرت الإدارة العامة للجمارك التونسية الخميس بيانا لتوضيح ملابسات الحادثة، جاء فيه أن “مصالح الحرس الجمركي بتونس تحصلت على معلومات حول تواجد سيارة محملة بكمية كبيرة من السجائر المهربة في جهة الباساج، فتمّ توجيه دورية على متن سيارة نظامية على عين المكان حيث تمّ ضبط السيارة المشبوهة وسائقها، وتمت مباشرة إجراءات حجزها، إلا أن مجموعة كبيرة من المهربين تجمهرت على عين المكان واعتدت على الدورية بالعنف وبالمقذوفات لمساعدة سيارة التهريب على الفرار”.
وقال جهاز الجمارك إن “الاعتداء نتجت عنه إصابة أحد رجال الدورية إصابة بالغة على مستوى الرأس، سقط على إثرها أرضا، وحاول سائق سيارة التهريب دهسه، ممّا أجبر أحد زملائه على إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء وعلى عجلات السيارة أصاب أحدها السائق”.
وكشف جهاز الجمارك أنه تم الاحتفاظ “برجال الدورية على ذمة الأبحاث في انتظار صدور نتائج الاختبار الباليستي وتقرير الطبّ الشرعي”.
ويعاني الاقتصاد التونسي من التداعيات السلبية لتفشي ظاهرة التهريب، حيث تشير تقارير إلى أن حجم التهريب يمثل أكثر من نصف المعاملات التجارية لتونس مع ليبيا، فيما يدر ذلك أموالا طائلة على كبار المهربين.
ورغم الدعوات المستمرة إلى مواجهة الظاهرة من خلال حلول اقتصادية عبر الدفع بالتجارة الحرة على الحدود مع ليبيا والجزائر وفتح المجال للشباب العاطل عن العمل للتجارة تحت رقابة الدولة، لكن السلطات لا تزال متمسكة بالخيارات الأمنية التي سبق وبرهنت على فشلها.
واستغلت بعض القوى السياسية المعارضة للرئيس قيس سعيّد الحادثة لتحميله المسؤولية، حيث أصدر حزب العمال بيان احتجاج على وفاة الشاب، منددا باستخدام الرصاص الحي ضد الباعة المتجولين بشوارع العاصمة التونسية.
ورغم أن الملف أعمق من مجرد تحميل السلطة السياسية المسؤولية عن تجاوز فردي، لكن حزب العمال اختار التصعيد ضد الرئيس شخصيا، ما يشير إلى تأثير الصراع السياسي على الوضع الداخلي في تونس.
ودخلت بدورها حركة النهضة الإسلامية على وقع الأزمة، حيث قال القيادي في الحركة ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبدالسلام إن الرئيس سعيّد يتحمل مسؤولية استعمال القوة ضد الشاب محسن الزياني.
وشهدت تونس في 2010 إقدام الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده احتجاجا على مصادرة بضاعته، ما أدى إلى اندلاع ثورة أسقطت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.