احتفالات باهتة في مهد الثورة: ماذا تغير في تونس

سيدي بوزيد (تونس) – بعد مرور عشر سنوات على انتفاضة 17 ديسمبر، تحيي محافظة سيدي بوزيد في وسط تونس، ذكرى احتجاجاتها الشعبية التي خرجت مطالبة بالحرية والشغل والكرامة الوطنية في أجواء باهتة ووضع عام لم يتغيّر كثيرا.
وفي 17 ديسمبر 2010، أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده بعد خلاف شديد مع الشرطة حول بضاعته وعربة الخضار التي كان يكسب رزقه بها في هذه المحافظة المهمشة داخل تونس.
وأدت الحادثة إلى اندلاع احتجاجات اجتماعية وصدامات مع الشرطة، أسفرت عن مقتل حوالي 300 شخص وهروب بن علي إلى خارج البلاد بينما امتدت الاحتجاجات لتشمل دولا مجاورة سقطت أنظمتها تباعا.
وقالت رئاسة الجمهورية إن رئيس الجمهورية قيس سعيد لن يشارك في احتفالات المحافظة، وذكرت في بلاغ على الصفحة الرسمية بفيسبوك أن سعيد "لا يمكنه أن يتحول الخميس إلى سيدي بوزيد منطلق الانفجار الثوري غير المسبوق في التاريخ، وذلك نظرا لالتزامات طارئة. ويتوجه رئيس الدولة إلى أهالي سيدي بوزيد بالتحية والإكبار ويعدهم بلقاء قريب".
ويبدو أن مظاهر الاحتفال التي كانت سائدة خلال السنوات الأولى بعد الثورة، تبددت بسبب تأزم الوضع المعيشي والاجتماعي خصوصا في المناطق الداخلية.
وفقدت اللافتة الكبيرة لصورة البوعزيزي في وسط مدينة سيدي بوزيد بريقها بمرور السنوات، وكذلك تمثال عربته.
شعارات واهية
تتزين جدران مبان في الشارع الرئيسي في وسط سيدي بوزيد بلافتات كتب عليها “عبّدنا لكم طريق الحرية، فسلكتم المنعرجات” و”العنف سلاح الجبناء” و”لا بد من تحويل الشعارات إلى فعل حقيقي”.
وكتب على تمثال العربة الذي يجسّد عربة البوعزيزي “مانيش مسامح” (لن أسامح).
ويقول جميل البوزيدي الرجل الأربعيني “نحتفل بعشر سنوات إلى الوراء، طال انتظار الطبقة السياسية، لذلك قررنا عدم انتظار أحد”.
وأصبحت ذكرى الثورة في المحافظة مناسبة لا لتخليد تاريخ وضع حد للنظام الدكتاتوري وإنما للاحتجاج ضد النظام السياسي القائم و”العاجز” عن إيجاد حلول للوضع الاقتصادي في المنطقة التي تستقبل عادة الوزراء والمسؤولين بالحجارة وعبارة “ارحل”.
لم يعلن عن زيارات رسمية لمسؤولين كبار في الدولة إلى المحافظة الخميس.
وكان قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري، انتخب رئيسا للبلاد أواخر 2019 بتأييد واسع خصوصا من فئة الشباب بعد أن دافع عن مبادئ الثورة.
وأكد سعيّد في تصريحات سابقة أنه مستعد لتقديم اعتذار الدولة “دون تأخير” لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة حكم الدكتاتورية، في خطوة مهمة في مسار المصالحة والعدالة الانتقالية.
وأعلنت بعض المنظمات غير الحكومية في سيدي بوزيد تنظيم احتفالات لإحياء الذكرى.
ويقول الباحث في العلوم السياسية حمزة المؤدب إن “الجو غير ملائم للاحتفال، لا الحكام ولا المحكومون يتوجهون نحو مناخ من الاحتفال لأن هناك حصيلة (تفيد) بأن البلاد في وضع سيئ”.
حصيلة فشل
يرى المؤدب أنه بالتأكيد “بنت البلاد ديمقراطية بصعوبة، وبالتأكيد أيضا هناك تقدم في الحريات السياسية ولكن وبعد عشر سنوات من الثورة هناك حصيلة فشل”.
وتشهد الطبقة السياسية في البلاد انقسامات منذ انتخابات 2019، بينما يزداد الوضع الاجتماعي والاقتصادي صعوبة مع تداعيات جائحة كوفيد - 19.
وتتجاوز نسبة البطالة 15 في المئة وتشمل خصوصا الشباب في المناطق الداخلية المهمشة، بينما تدهورت القدرة الشرائية بسبب التضخم. في الوقت نفسه، تحول التجاذبات السياسية دون تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى ومقاومة الفساد.
ويرى المؤدب أن “المؤشرات حمراء والتونسيين في حالة من الغضب وهذا ليس التوقيت المناسب لقيام المسؤولين بزيارات ميدانية”.
واستقبل بعض الأهالي من ولاية جندوبة (شمال غرب) رئيس الحكومة هشام المشيشي بهتاف “ارحل” خلال زيارة قام بها منذ أسبوعين بعد حادث وفاة طبيب بسبب عطب في مصعد في مستشفى المنطقة.
وتمثل تزايد الغضب الاجتماعي خلال الأسابيع الفائتة بإغلاق طرقات واعتصامات وتوقيف عمليات إنتاج في مناطق للمطالبة بتأمين وظائف والتنمية وتحسين الخدمات الحكومية.
وتتهم الطبقة السياسية في البلاد بإضاعة الوقت في مواضيع غالبا ما تكون وراءها مصالح حزبية ضيقة، حتى إن البرلمان أصبح في المدة الأخيرة مسرحا لخلافات حادة تصل أحيانا إلى حد الاشتباك بالأيدي.
ويواجه حزب النهضة الذي يحتل المرتبة الأولى في عدد المقاعد في البرلمان (54 مقعدا من أصل 217 مقعدا)، صعوبات لتثبيت غالبية مريحة أمام كتل نيابية مشتتة لتبقى تبعا لذلك حكومة المشيشي ضعيفة ودون دعم سياسي قوي لها.
ويؤكد المؤدب أن “الطبقة السياسية فشلت، وتواجه انتقادات كبيرة”. ويضيف متسائلا أنه حتى الرئيس قيس سعيّد الذي انتخب “بأمل كبير بصدد خذلان جزء كبير من الناخبين، لماذا يذهب إلى سيدي بوزيد؟”.
وهو يرى أنه “بعد عشر سنوات على الثورة، لم يعد هناك صبر للناس لسماع الخطابات (…) يريدون الإنجاز الحقيقي والآن”.
ويؤكد مراقبون أن البلاد شهدت انتشارا للفكر المتشدد وتشكلت تنظيمات جهادية مسلحة بعد الثورة أربكت الأمن العام في البلاد بهجمات استهدفت سياحا ورجال أمن وعسكريين. كما هزت الاغتيالات السياسية البلاد وفرضت السلطات حالة طوارئ لا تزال سارية إلى اليوم.
ودفعت ندرة الوظائف العديد من الشباب إلى الهجرة عبر البحر بطريقة غير قانونية باتجاه السواحل الأوروبية. وأحيانا تنتهي مغامراتهم بمأساة ويلقون حتفهم في البحر المتوسط.