احترامي للحرامي

أغلب من يزعمون نظافة اليد والنضال في مواجهة الفساد هم أولئك الذين لم يجدوا في بدايات تجاربهم منفذا لنهب نصيب من المال العام.
الأحد 2023/12/10
في دائرة الضوء

بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد الذي يوافق التاسع من ديسمبر من كل عام، خامرتني عدة أفكار، من بينها أن أكثر الناس تمسكا بشعارات الحرب على الفساد هم الفاسدون أنفسهم، وفي مناسبات عدة رأينا شخصيات تدّعي النزاهة والطهارة والوطنية غير القابلة للتشكيك فيها، وما إن تتولى مسؤولية رسمية في هياكل ذات علاقة بملاحقة اللصوص ومحاربة الرشوة والمحسوبية والمحافظة على أملاك الدولة واسترجاع الثروات المنهوبة حتى تخوض معركة العمل على نيل نصيبها من كعكة المال العام، كمن يرغب في إفطار حدّ الإشباع بعد صيام طويل.

وفي هذه الحالة، يتبيّن، أن أغلب من يزعمون نظافة اليد والنضال في مواجهة الفساد هم أولئك الذين لم يجدوا في بدايات تجاربهم منفذا لنهب نصيب من المال العام، وقد انكشفت تلك الحقيقة بالدليل والبرهان بعد احتلال العراق في العام 2003، ثم بعد ما سمّي بثورات الربيع العربي، حيث تأكدت الشعوب المغلوبة على أمرها أن الأنظمة السابقة كانت محترمة ونزيهة مقارنة بأسراب الجراد التي خلفتها في مواقع السلطة، فأتت على الأخضر واليابس، وكأنها تثأر لنفسها من الدولة والمجتمع ومن الجوع والفقر والعوز، وتراهن على أن تحقق في أشهر ما لم يحققه غيرها في عقود.

ثم إن الفساد الذي يقال إنه رياضة وطنية واسعة الانتشار في بلداننا العربية، وفي أغلب دول العالم، إن لم تكن في كلها، هو دافع أساسي من دوافع ممارسة السياسة والمنافسة على مقاليد السلطة وبالتالي على كسب النفوذ المالي والاقتصادي، وقد رأينا حكاما فاسدين في أغلب الدول الغربية، وبعضهم يذهب للتدخل في شؤون دول أخرى ليمارس فيها ألعاب النصب والنهب والاستغلال والابتزاز على نطاق واسع، وقد رأينا في نوفمبر الماضي كيف استقال رئيس الوزراء البرتغالي الاشتراكي أنطونيو كوستا على إثر فضيحة فساد تتعلق بعقود في مجال الطاقة أدت إلى توجيه التهم لأحد وزرائه ومدير مكتبه، وكيف طلبت النيابة العامة في فرنسا في الأول من ديسمبر الجاري توقيع عقوبة السجن عاما مع وقف التنفيذ على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في محاكمة الاستئناف بتهمة تجاوز سقف الإنفاق خلال حملته الرئاسية عام 2012، على أن يمثل لاحقا أمام القضاء للاشتباه في حصوله على تمويل من ليبيا لحملته الرئاسية لعام 2007، ثم كيف قال رئيس السلطة القضائية بمجلس النواب الأميركي جيم جوردان إن الجمهوريين الذين يقودون التحقيق في قضية عزل الرئيس جو بايدن ينظرون في اتهامات محتملة بالرشوة وإساءة استخدام السلطة والعرقلة، على الرغم من أن الاتهامات تستند في جانب كبير إلى ادعاءات تم فضحها بالفعل حول تعاملات بايدن في أوكرانيا ظهرت خلال معركة الرئيس السابق عزل دونالد ترامب.

بل إن حرب غزة التي لا تزال منذ أكثر من شهرين تحصد أرواح الآلاف من المدنيين وتهدم البنى التحتية وتنشر الخراب والدمار في كل مكان تعود في جانب مهم من أسبابها الأساسية إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كسب الوقت لترقيع عذريته واكتساب طهورية زائفة بعد ثبوت تورطه في الفساد وقرب محاكمته في ما يعرف باسم "الملف 1000" الذي اتهم فيه بالاحتيال وخيانة الأمانة، جراء تلقيه هدايا فاخرة من السيجار والشمبانيا والمجوهرات بقيمة 700 ألف شيكل (180 ألف يورو) بين الأعوام 2007 و2016 من أثرياء، مقابل خدمات مالية أو شخصية، بمن فيهم صديقه المنتج الإسرائيلي في هوليوود أرنون ميلتشين.

وعموما، وكما قال الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد في قصيدته التي تحولت إلى أغنية غنتها آمال ماهر "احترامي.. للحرامي/صاحب المجد العصامي/صبر مع حنكة وحيطة/وابتدأ بسرقة بسيطة/ وبعدها سرقة بسيطة/وبعدها تَعدى محيطه/وصار في الصف الأمامي"… ومن الصعب أن يكون هناك من يتمركز في الصف الأمامي دون أن تكون له علاقة بالفساد أو بالفاسدين.

18