احتجاز محافظ السويداء للإفراج عن سجين يكشف حجم الفوضى الأمنية بسوريا

دمشق – احتجزت مجموعة مسلحة محافظ السويداء، مصطفى البكور، رهينة لفترة وجيزة في مبنى المحافظة الأربعاء وطالبت بالإفراج عن سجين، وفق وزارة الإعلام السورية، في حادثة تكشف عن حجم الفوضى الأمنية المتفاقمة في البلاد.
ورغم إطلاق سراح المحافظ، فإن الحادثة أثارت مخاوف جدية بشأن قدرة الدولة على بسط سيطرتها، خاصة في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية التي ظلت بمنأى نسبي عن صراعات الحرب.
وذكرت الوزارة في بيان أن مسلحين اقتحموا المبنى الحكومي تحت تهديد السلاح وأغلقوا أبوابه واحتجزوا المحافظ مصطفى البكور مع موظفين ورجال أمن.
وتحت ضغط السلاح وخطورة الموقف تم الإفراج عن السجين المدان بسرقة مركبات في وقت لاحق، وذلك حفاظا على سلامة الرهائن. هذه الخطوة، وإن كانت تهدف لحماية الأرواح، إلا أنها تسلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني وضرورة الرضوخ لمطالب المسلحين.
وفي تصريحات لقناة "الإخبارية" الرسمية، أكد المحافظ مصطفى البكور تدخل "فصائل السويداء الوطنية"، موضحا أن "لواء الجبل" تمكن من طرد المجموعة المسلحة، فيما تولت حركة "رجال الكرامة" تأمين خروجه بسلام من المكان بعد احتدام الموقف.
وشدد البكور على أن "فرض القانون وحماية الأمن في محافظة السويداء هو خيار لا رجعة عنه"، مؤكداً أن الدولة "ستعمل يداً بيد مع كل الوطنيين الغيورين من أبنائها لضمان استقرارها، ولن تتهاون في مواجهة أي محاولة لزعزعة الأمن أو المساس بمؤسسات الدولة، كما لن تسمح لأي كان أن يشرعن العنف أو الفوضى تحت أي ذريعة".
وأشار محافظ السويداء إلى أن وفدا من الأهالي والمجتمع المحلي ومشايخ العقل زاروا مقر المحافظة، وقدموا اعتذارا له على خلفية الاعتداء، وأكدوا وقوفهم إلى جانبه.
وعلى إثر الحادثة، أصدرت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا بياناً، دعت فيه الفصائل المحلية لدعم الضابطة العدلية وإيقاف التجاوزات.
وقال البيان إنه "بناء على الاتفاق الذي توصلت إليه مرجعيات ومشايخ ووجهاء السويداء في اجتماع الأول من مايو، والقاضي بتفعيل دور الضابطة العدلية والشرطة من أبناء المحافظة، ونظرا لتكرار التجاوزات من بعض الأفراد بحق عناصر الضابطة العدلية والمؤسسات الشرطية، وما نتج عنها من فوضى وحالة عشوائية، تم تفويض الفصائل المحلية والأهلية في السويداء لدعم مهام الضابطة العدلية والمؤسسات الشرطية والقضائية، بهدف تعزيز هيبة القانون وردع أي تجاوزات مسيئة".
ودعا البيان جميع الفصائل والمجموعات الأهلية لضرورة التعاون الكامل مع الضابطة العدلية والأجهزة الشرطية، محذرا من أي اعتداء على هذه المؤسسات أو على أفرادها المكلّفين بمهامهم القانونية، ومؤكدا على أن "تحقيق الأمن والاستقرار بات أولوية قصوى تتطلب تضافر جميع الجهود والفعاليات المجتمعية".
ودعت مشيخة العقل كل الوحدات الشرطية وعناصرها من أبناء المحافظة إلى "مباشرة مهامهم على الأرض بشكل فعّال وجاد، لتطبيق القانون وبسط الأمن"، مؤكدة دعمها "لهذا الدور انطلاقا من إيماننا العميق بأهميته في ترسيخ الاستقرار على مستوى المحافظة".
والسويداء ذات أغلبية درزية وتقع في جنوب غرب سوريا. ويمثل الدروز أقلية دينية ناطقة بالعربية ويتواجدون في سوريا ولبنان وإسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة، وتجمعهم في كثير من الأحيان روابط قرابة.
ويأتي هذا الحادث بعد توترات سابقة شهدتها السويداء بين فصائل محلية وأخرى موالية للدولة، أبرزها على خلفية تسجيل صوتي منسوب لشيخ درزي يسيء للنبي محمد، والذي نُفي لاحقا.
ويرى مراقبون أن الرضوخ لمطالب المسلحين والإفراج عن السجين في حادثة السويداء قد لا يكون مجرد دليل على ضعف الدولة، بل تكتيكا براغماتيا من الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع لتجنب تصعيد أمني جديد.
فالسويداء، بتركيبتها السكانية الدرزية وخصوصيتها التاريخية، تعتبر منطقة حساسة للغاية. أي محاولة لفرض الحل الأمني بالقوة قد تؤدي إلى مواجهات واسعة النطاق لا تستطيع الحكومة الجديدة تحمل تبعاتها في هذه المرحلة، خاصة وهي تسعى لترسيخ سلطتها بعد تغيير النظام. وهذا النهج يهدف إلى احتواء الموقف وتجنب إشعال فتيل صراع جديد قد يمتد تأثيره إلى مناطق أخرى.
وتلعب مراقبة المجتمع الدولي دورا محوريًا في قرارات الحكومة الجديدة، بعد الاشتباكات المسلحة التي شهدتها أشرفية صحنايا وجرمانا بين بين ما وصفتهم السلطات بـ"عصابات خارجة عن القانون" وعناصر الأمن العام أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، بمن فيهم عناصر أمنية ومدنيون، وقد تحدثت بعض الروايات عن مقتل 35 عنصر أمن في أشرفية صحنايا، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أعداد أقل.
وهناك حساسية بالغة تجاه كيفية تعامل دمشق مع الأقليات، وبالتالي، فإن أي تصرف يمكن أن يثير قلق المنظمات الدولية أو يضع الحكومة في موقف حرج بشأن قمع الأقليات أو إثارة الفوضى، يتم تجنبه بحرص.
والرضوخ في السويداء، حتى لو كان على حساب هيبة الدولة الظاهرية، قد يُنظر إليه كعلامة على الرغبة في التهدئة وإرسال إشارة إيجابية للمجتمع الدولي، خاصة وأن الحكومة تسعى لإعادة الاندماج وربما الحصول على دعم دولي مستقبلي.
كما قد ينظر إليه على أنه محاولة من السلطة في دمشق لعدم منح إسرائيل فرصة جديدة للتدخل، فبعد حوادث مثل ما جرى في أشرفية صحنايا، حيث نفذت إسرائيل غارات جوية بذريعة حماية الأقليات، تدرك دمشق أن أي تدخل أمني سوري قوي ضد جماعات مسلحة في مناطق ذات غالبية درزية قد يُستغل من قبل إسرائيل كمبرر لشن هجمات جديدة. وبالتالي، تفضل الحكومة الجديدة تهدئة الأوضاع بمرونة لتجنب توفير أي ذريعة لمثل هذه التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد الأمني في البلاد.