احتجاج المحامين يضع الحكومة المصرية في مواجهة تصعيد سياسي

السلطات المصرية تصر على إخضاع المحامين لنظام الفاتورة الضريبية الإلكترونية.
السبت 2022/12/03
رقمنة قطاع الضرائب تصطدم بلاءات المحامين

القاهرة - تسبب إصرار الحكومة المصرية على إخضاع المحامين لنظام الفاتورة الضريبية الإلكترونية في كسر حاجز الصمت بالشارع، بعد أن خرجت احتجاجات أمام مقر نقابتهم بوسط القاهرة طالبت وزارة المالية بالتراجع عن تطبيقها وسط توقع بانتقال السلوك الاحتجاجي لنقابات مهنية أخرى لديها اعتراضات عديدة على تطبيقها مع انتهاء مهلة التسجيل منتصف ديسمبر الجاري.

وتظاهر المئات من المحامين الخميس تعبيرا عن رفضهم لما وصفوه بـ”التسجيل القسري” للأعضاء على الفاتورة الإلكترونية، وكل ما يترتب عليها من آثار سلبية، ورددوا هتافات ضد الحكومة وطالبوا رئيس الدولة بالتدخل لحل قضيتهم.

مجدي سخي: تم فرض القرارات دون نقاش بشأن إمكانية تنفيذها
مجدي سخي: تم فرض القرارات دون نقاش بشأن إمكانية تنفيذها

وقالت الحكومة إن تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية يستهدف المساعدة في التحول الرقمي للتعاملات التجارية، والتحقق من صحة بيانات مصدر الفاتورة ومتلقيها ومحتوياتها شكلا وموضوعا، والقضاء على السوق الموازي والاقتصاد غير الرسمي وتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة بين الشركات العاملة في السوق.

لكن بعض النقابات، منها نقابتا المحامين والأطباء، ترى أن الحكومة تجبرالأعضاء على دفع كلفة التحول الرقمي، بما قيمته خمسة آلاف جنيه للعضو الواحد (نحو مئتي دولار) بجانب استحقاقات ضريبة مدفوعة، وهو أمر لا يمكن تحمله.

ودخل نواب في البرلمان على خط الأزمة لنزع فتيلها، حيث تقدم النائب ضياءالدين داود بطلب إحاطة بشأن “عدم مشروعية إخضاع رسالة المحاماة للفاتورة الإلكترونية”، بعد ساعات قليلة من التظاهرة التي أحدثت ما يشبه الصدمة لدى دوائر عدة رأت أن الشارع المصري غير مستعد لحراك احتجاجي حاليا.

واعتبر داود أن القرار يفتعل أزمة مع فئات مجتمعية، وأصبحت “صناعة حكومية بامتياز”، وطالب بمثول وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب كممثلين للحكومة أمام البرلمان، في حضور من يمثل نقابة المحامين للاستماع إلى رأيهم.

وينعكس تجاهل الحكومة لاعتراض عبرت عنه نقابة المحامين رفضا للخضوع للفاتورة الإلكترونية والإصرار على تطبيقها في ظل أزمات اقتصادية على جموع المواطنين وبينهم 700 ألف شخص من المسجلين بجداول نقابة المحامين، ويقود إلى مواجهة تصعيد قد يجري توظيفه سياسيا ضد الحكومة.

ويقول مراقبون إن انتظار الحكومة لحين حدوث سلوك احتجاجي خطأ وقد يسهم في إضعاف موقفها، ويشي أن تدخلها لإنهاء الأزمات يرتبط بمدى تحرك الشارع، ما يضاعف الضغوط عليها، ويدفع إلى تكرار ما حدث مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي حاصرته احتجاجات فئوية عديدة في سنواته الأخيرة.

هل الشارع المصري مستعد لحراك احتجاجي جديد
هل الشارع المصري مستعد لحراك جديد

وأكد وكيل نقابة المحامين مجدي سخي أن الاحتجاجات من شأنها تحرك مسألة تشكيل لجنة مشتركة بين نقابة المحامين ومصلحة الضرائب التابعة لوزارة المالية لدراسة الأزمة والوصول إلى حل يضمن عدم إلحاق ضرر بالمحامين، وأن الحكومة منحت مهلة إضافية لهم إلى حين إنهاء المشكلة التي سوف تؤدي إلى صعوبات عدة، لأن رد فعل وزارة المالية يشير إلى أنها ليست جادة في الوصول إلى حل سريع.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القرار لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع، فهناك عدد كبير من المسجلين في كشوف النقابة لا يمارسون المهنة، والبعض الآخر ليس لديه الحق في أن يرفع دعاوى قضائية باسمه ويعملون كموظفين لدى مكاتب المحاماة، وأن اعتراض النقابة يتمثل في استحالة خضوع كافة المحامين لنظام الفاتورة.

وشدد على أن الحكومة فرضت قراراتها دون مشاورات بشأن إمكانية تنفيذها، وأن المحامين يلتزمون بدفع الضرائب المستحقة عليهم والاعتراض على إصرارها فرض أعباء إضافية عليهم، في حين أن النقابة تقوم بأدوار من المفترض أن تقدمها الحكومة مثل توفير معاشات لأعضائها وتوفير خدمة طبية جيدة بأسعار زهيدة، بالتالي فاتجاه الحكومة نحو مضاعفة الأعباء التي تتحملها النقابة والأعضاء أمر غير مقبول.

وتفرض وزارة المالية غرامة قدرها 20 ألف جنيه (نحو 800 دولار) في حال لم يسجل من تشملهم الفاتورة الضريبية الإلكترونية منتصف ديسمبر، ما يمثل إجحافا مع وجود بطاقة ضريبية للأعضاء العاملين في مهن المحاماة والطب والهندسة.

أمينة شفيق: غياب الحوار تسبب في أزمة بين الحكومة والنقابات المهنية
أمينة شفيق: غياب الحوار تسبب في أزمة بين الحكومة والنقابات المهنية

ودائما ما يدخل المحامون في نزاعات قضائية مع الحكومة بشأن رسوم تفرضها دوائر الاستئناف بفرض رسوم إضافية عليهم، لكن القضاء يحكم غالبا لصالح المحامين، وهي إجراءات يعتبرونها تعطل من سير العدالة، وطالبوا سابقا بعقد مؤتمر للعدالة تحضره الحكومة ممثلة في وزارة العدل والقضاة والمحامين.

وعقد مجلس نقابة المحامين المصرية اجتماعا الاثنين الماضي، قرر رفض التسجيل بالفاتورة الإلكترونية، وعدم الالتزام بالفترة المحددة للتسجيل بموجب اتفاق مع وزارة المالية، واعتبار النقابة العامة والنقابات الفرعية فى حالة انعقاد كامل حتى انتهاء الأزمة، وتم إرجاء خطوات التصعيد لحين الانتهاء من أعمال اللجنة المُشكّلة لحل الأزمة مع مصلحة الضرائب.

ويخشى متابعون أن يأخذ السلوك الاحتجاجي للمحامين منحى تصعيديا لاحقا، مثلما ذهبت النقابة الفرعية بمحافظة بورسعيد (شمال) التي أغلقت جميع مكاتب المحامين بالمحافظة الخميس، وقررت عدم التعامل مع خزائن المحاكم في ذلك اليوم.

وأوضحت النقابية المخضرمة أمينة شفيق أن غياب الحوار تسبب في أزمة بين الحكومة والنقابات المهنية، وتداركها يتطلب الإسراع بعقد مشاورات تفضي إلى نتائج إيجابية حتى لا يتم استغلال المشكلة سياسيا وتجد الحكومة نفسها أمام إعادة مشاهد تقوم فيها النقابات المهنية بالنفخ السياسي في قضاياها.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة لن يكون بإمكانها تحصيل أموال من أعضاء النقابات المهنية سوى بالإقناع والحوار الجاد، وبحاجة مُلحة لتعيد روابط الصلة مع مجالس النقابات التي جرى تطهيرها من عمليات التسييس والأخونة، وأن النقابات بحاجة للحكومة للحفاظ على مصالح أعضائها، كذلك الحال بالنسبة إلى الحكومة التي لديها الحق في الحصول على عوائدها من الضرائب.

2