احتجاجات تيارت على شح المياه تحرج الحكومة الجزائرية

أحرجت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها ولاية تيارت على خلفية النقص المسجل في المياه الصالحة للشرب الحكومة الجزائرية التي لطاما سوقت لخطاب متفائل يتحدث عن نجاح في تجاوز أزمة المياه في البلاد.
الجزائر - ينتظر سكان ولاية تيارت، غرب الجزائر، ما ستسفر عنه الإجراءات الاستثنائية التي أقرها مجلس الوزراء الجزائري من أجل توفير الماء الصالح للشرب، بعدما لجأوا إلى احتجاجات للتعبير عن غضبهم من عجز السلطات المحلية عن توفير هذه المادة الحيوية، وهو ما اعتبر انذارا مبكرا للحكومة، لأن ما حدث في تيارت يمكن أن يتكرر في أي ولاية أو مدينة، في ظل أزمة الجفاف التي تمر بها البلاد والمرجح أن تستفحل مع دخول فصل الصيف.
وسارع مجلس الوزراء الجزائري في اجتماعه الأخير، إلى بحث ملف احتجاجات سكان مدينة تيارت، وإطلاق مخطط استعجالي لتوفير الماء الصالح للشرب للمواطنين من خلال تعبئة الإمكانيات المادية واللوجستية لمختلف المؤسسات الحكومية والولايات المجاورة، حيث لوحظت العشرات من الشاحنات والمركبات تحمل صهاريج من الحجم الكبير لتزويد السكان بالمياه.
وأمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حكومته بتسوية مشكلة المياه في الولاية في ظرف 48 ساعة، غير أن الالتزام بالمهلة غير ممكن إلا إذا كان يتصل في خطوته الأولى بتسخير إمكانيات المؤسسات والولايات المجاورة، أما التزويد الطبيعي فيتطلب بحسب تصريحات وزراء ومسؤولين أياما وأسابيع.
وكسرت احتجاجات سكان مدينة تيارت على غياب الماء الصالح للشرب لعدة أسابيع، الخطاب المتفائل للحكومة حول التحكم في أزمة الجفاف وندرة المياه، خاصة بعد التساقط المطري الذي شهدته البلاد منذ عدة أسابيع، وشكلت رسالة قوية تنطوي على واحد من التحديات التي تواجهها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وتأثير التغيرات المناخية على توفير ماء الشرب وعلى النشاط الزراعي بشكل عام.
عبدالمجيد تبون يأمر حكومته بتسوية مشكلة المياه في ولاية تيارت في ظرف ثمان وأربعين ساعة
وباغتت الاحتجاجات الخطاب الرسمي الذي سوق للتحكم في الأزمة خلال هذه الصائفة بعد دخول محطات تحلية وآبار ارتوازية حيز الخدمة في مختلف الولايات والمدن، الأمر الذي يعري الخطاب الرسمي الشعبوي ويضع الحكومة أمام واقع أزمة الجفاف ونقص مياه الشرب، ويضغط عليها من أجل إيجاد حلول آنية لتجنب احتجاجات مماثلة تعكر عليها التحضير للانتخابات الرئاسية.
ويعتبر الغرب الجزائري والهضاب العليا الغربية، أكثر المناطق المتضررة من موجة الجفاف، مقارنة بوسط البلاد وشرقها اللذين شهدا هطولا للأمطار خلال الأسابيع الماضية، وهو ما أنجح الموسم الزراعي وخفف من أزمة شح ماء الشرب، عكس المناطق المذكورة، حيث تعيش عدة مدن وولايات كمعسكر ووهران وسيدي بلعباس على وقع أزمة مياه، يجري التغطية عليها من طرف السلطات المحلية، الأمر الذي يزيد من حالة الاحتقان الشعبي ولا يستبعد انفجار احتجاجات مماثلة.
وأفاد بيان مجلس الوزراء بأن “رئيس الجمهورية أمر وزيري الداخلية والري بوضع برنامج استعجالي واستثنائي، فور انتهاء مجلس الوزراء وخلال 48 ساعة، على أقصى تقدير، لحل مشكلة تذبذب تزويد السكان بتيارت بالماء الصالح للشرب، مع إشراك المجتمع المدني ومنتخبي الولاية في وضع هذا البرنامج الاستعجالي”.
وذكر البيان “أمر الرئيس تبون بإنجاز مشروع لتحويل المياه انطلاقا من منطقة شط الشرقي على مسافة 42 كلم، حيث الأشغال جارية وأُسديت تعليمات رئيس الجمهورية من أجل تدعيم الورشات والانتهاء من المشروع في أجل أقصاه 20 يوما، وإنجاز مشروع تحويل مياه جوفية بمنطقة أجَرْماية من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب للجهة الشرقية لولاية تيارت”.
احتجاجات سكان مدينة تيارت على غياب الماء الصالح للشرب لعدة أسابيع كسرت الخطاب المتفائل للحكومة حول التحكم في أزمة الجفاف وندرة المياه
وتابع “تقرر إنجاز 8500 متر طولي من الآبار بما فيها التجهيز والربط بالكهرباء على مستوى ولاية تيارت، و4000 متر طولي لآبار استكشافية عميقة في (الرشّايقة، والرّحوية، وسيدي بختي، ومْشَرّع الصْفا)، من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب، على مستوى البلديات التي تسجل عجزا في التموين”.
وطمأن وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية إبراهيم مراد سكان الولاية بأن “وضعية توفير الماء بمركز الولاية ستتحسن في غضون أسبوعين أي بحلول عيد الأضحى بفضل الإجراءات العملية التي سيتم اتخاذها، وأن رئيس الجمهورية يولي أهمية قصوى لتلبية انشغالات المواطنين، ولهذا أوفدنا لتدعيم المجهودات التي تقوم بها السلطات المحلية في الميدان”.
ولفت المتحدث إلى أن “هذه الوضعية ستتحسن في البداية ليتم مستقبلا القضاء نهائيا على أزمة الماء بولاية تيارت من خلال تعميق آبار حوض عين دزاريت، والانطلاق في مشروع جلب المياه انطلاقا من الحوض الجوفي عجرماية ببلدية زمالة عبدالقادر بناء على توجيهات رئيس الجمهورية الأحد أثناء اجتماع مجلس الوزراء”.
وتقع الجزائر على غرار باقي دول شمال أفريقيا، ضمن نطاق مهدد بالجفاف، والذي تضرر مبكرا من تأثيرات التغير المناخي، ولذلك باتت حكومات المنطقة مجبرة على البحث عن بدائل جديدة، تجلت في أولى خطواتها في الاتفاق المبرم مؤخرا بين الجزائر وتونس وليبيا حول استغلال المياه الجوفية في الشريط الحدودي المشترك بينها.
غير أن المعطى الديموغرافي والرقعة الجغرافية يضغطان على الجزائر بشكل أكبر من أجل توفير المياه للسكان وتنشيط القطاع الزراعي، وهو ما يتطلب ضخ إمكانيات مالية ومادية ضخمة لتحقيق المبتغى، فطموحها للوصول إلى توفير كمية أربعة ملايين متر مكعب يوميا من مياه التحلية في غضون العام الجاري، يبقى بعيدا عن الحاجيات الأساسية للبلاد المقدرة بعشرة ملايين متر مكعب.
ووجد هرم السلطة الذي يستعد للذهاب إلى انتخابات رئاسية تضمن ولاية ثانية للرئيس تبون، بمشاركة واسعة وبخطاب دعائي متفائل، نفسه في مواجهة حقائق مفاجئة أفرزها نمط إدارة الشأن العام بالتغطية على الحاجيات والانشغالات المتنامية للمجتمع، ورفع تقارير مغلوطة للسلطات العليا، كثيرا ما يتبين زيفها، الأمر الذي عمق أزمة الثقة بين الشارع والسلطات العمومية.