احتجاجات الجزائر تحد لرموز السلطة أكثر منها موجة "ربيع جزائري"

الجزائر - تبدو موجة الاحتجاجات التي تشهدها المدن الجزائرية ردة فعل تلقائية على تمسك السلطات بترشيح الرئيس المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة لأجل ولاية خامسة، وليس ثورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد مثلما جرى في دول عربية أخرى عام 2011.
ويقول محللون إن ما يحصل في هذا البلد الذي شهد تجربة ديمقراطية قصيرة هو نهضة سياسية تتشكل أكثر منها “ربيعا جزائريا” متأخرا.
وأحيت موجة الاحتجاجات التي تهب على الجزائر، ذكريات الانتفاضة الشعبية التي جدت في تونس في 14 يناير 2011 وأدت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن على.
وشهدت الجزائر التي لم تتأثر برياح تغيير “الربيع العربي” عام 2011، انتفاضات اجتماعية سابقة. ويُبين الباحث التونسي في العلوم السياسية حمزة المؤدب “عرفت الجزائر بشكل من الأشكال وقبل الجميع ربيعها منذ 15 عاما”.
وأقر الدستور الجديد في الجزائر وإثر الأحداث الدامية التي هزت البلاد عام 1988، التعددية الحزبية.
وساهمت مخلفات العشرية السوداء في الجزائر بين 1992 و2002 في الحد من التأثر بانتفاضات الربيع العربي عام 2011.
ويرى الباحث السياسي الجزائري الشريف إدريس أنه خلال الأيام الأخيرة “سقط جزء من حائط الخوف”.
ويتابع “يعيد الجزائريون استثمار الفضاء السياسي والعام” بعد التظاهرات المثيرة التي قام بها طلبة الثلاثاء في العاصمة الجزائر حيث يمنع التظاهر منذ 15 عاما.
واتخذت الاحتجاجات منحى وتصعيدا سياسيين لافتين مع اقتراب موعد الانتخابات واستهدفت رأس الدولة.
وكتبت الصحافية الجزائرية غانية موفق الاثنين “كنا نأمل أن يضحي الذين يحكموننا… بزعيمهم للحفاظ على أمة”.
وتعتبر تونس الدولة الوحيدة الناجية من الانتفاضات التي أطاحت منذ ثماني سنوات بأنظمة استبدادية، وشقت تونس طريقها نحو الديمقراطية بينما عمت الفوضى في دول أخرى.
ولم يتبن عدد كبير من الجزائريين المدركين لما آلت إليه الأمور في هذه الدول، شعار الثورة “الشعب يريد إسقاط النظام”.
ولاحظت المؤرخة مليكة رحال في مدونتها “ضبط النفس أمام الحماس كان لافتا”.
وتابعت “مع هذا الأمل الذي نريد مواصلته والممكن والعقلاني وبإرادة تجنب الأخطار التي نعرفها جيدا، تتجسد تجربة تاريخية”.
ويرى المؤدب في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن التشابه الرئيسي مع الانتفاضات في كل من ليبيا وسوريا واليمن وكذلك في مصر والتي اختزلت في مصطلح “الربيع العربي”، هو إعادة اكتشاف “الشعب كقوة تغيير” أمام “الاستبداد الذي خضع له”.
من جانبه يعتبر إدريس أن النظام الجزائري ليس مستبدا كما هو الحال بالنسبة لدول عربية أخرى، مبينا “هو تسلط هجين يقوم بتهميش المعارضة دون خنقها أو قمعها بشكل منظم”.
وبالنسبة إليه فإن الاحتجاجات يجب أن تسلك طريقها بين الخشية من العنف والرغبة في التغيير.
ويقول “الكل يحرص على الإبقاء على الطابع السلمي للتحركات… ولكن يبقى أن نعرف ما إذا ستتواصل وتتهيكل”.
ويشكل تعامل قوات الأمن مع المحتجين نقطة فارقة مقارنة بالقمع الذي واجهته التحركات في دول أخرى، ويؤكد المؤدب “هي إشارة إلى أن التحالف في السلطة يتصدع″.
بدوره يقول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري إنه من الصعب التنبؤ بالنهاية وإن الجزائريين “ممزقون بذكريات ربيعهم الديمقراطي الفاشل ما بين 1988 و1991″.
ويتابع “هذا سيعتمد إما على تكثيف وإما على إضعاف التعبئة في مختلف القطاعات وخاصة الاقتصادية منها”.
ويؤكد العياري أنه من أجل تجنب العنف، فإن القطيعة التي تجري المطالبة بها يجب أن “تحترم الترتيب الدستوري وأن تبقى جوهرية وتدريجية وقابلة للنقاش”.
