اجتماع خاص بالسودان يبدد الرهانات العسكرية للبرهان

ملامح رباعية جديدة تتشكل بدلاً من الآلية الرباعية القديمة.
الخميس 2024/11/28
طموحات لا تتوافق وواقع الميدان

برزت تحركات عربية ودولية تستهدف كسر الجمود الراهن في عملية السلام بالسودان، ويعتقد متابعون أنه يمكن لتلك التحركات أن تحقق اختراقا في ظل صعوبة الحسم عسكريا لكلا الطرفين المتحاربين، وأيضا الانقسام الحاصل في حزب المؤتمر الوطني المنحل والذي قد يخلق واقعا جديدا ينهي الحرب.

روما/ القاهرة - وفر التئام اجتماع رباعي ضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة بشأن الأزمة السودانية في إيطاليا، طوقا جديدا للضغط على الحركة الإسلامية التي توجه بوصلة القرار داخل الجيش السوداني لإطالة أمد الصراع والرهان على الحسم العسكري، بعد أن تراجعت وتيرة التحركات الدولية الساعية لوقف الحرب والبحث عن تسوية سياسية مناسبة.

وشارك وزراء خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، ومصر بدر عبدالعاطي، والسعودية فيصل بن فرحان ووزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم إبراهيم الهاشمي، في اجتماع عقد، مساء الاثنين، بمدينة فيوجي الإيطالية على هامش الاجتماع الوزاري الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع.

وتناول الاجتماع تطورات الأزمة السودانية وضرورة توحيد الجهود للتوصل لوقف فوري لإطلاق النار، والعمل على التهدئة وتعزيز الجهود الإنسانية، وتنفيذ الالتزامات الواردة في إعلان جدة بشأن حماية المدنيين، ودعم عملية سياسية تضمن استقرار السودان والحفاظ على سيادته ووحدة وسلامة أراضيه.

صلاح حليمة: المشاركة المصرية في الرباعية الجديدة مهمة وحيوية
صلاح حليمة: المشاركة المصرية في الرباعية الجديدة مهمة وحيوية

بدا لافتا أن ملامح رباعية جديدة تتشكل في السودان بدلاً من الآلية الرباعية القديمة التي تضم (السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا) وتأسست قبل اندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، وهدفت لتجسير الهوة بين المكون العسكري والقوى المدنية الشريكة في الحكم آنذاك.

وأصبحت مصر ضلعا في الآلية بما فرضته تطورات الحرب الحالية مع قدرتها في التأثير على الجيش السوداني، وبعد أن أصبح حضورها واضحا في الحرب باعتبارها المتضرر الأكبر من استمرارها ومع استضافتها مئات الآلاف من اللاجئين، وقدرتها على تجميع القوى السياسية التي شاركت في اجتماع بالقاهرة في يونيو الماضي.

ويعول متابعون على قدرة الرباعية الجديدة فرملة الحرب الحالية ودفع الطرفين نحو طاولة مفاوضات جديدة، وفقا لأسس مقبولة من الجانبين، على أن تتضمن مساراً سياسيا يشكل نواة يسير عليها السودان عقب التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، لأن الدول الأربع لديها مصلحة لإنهاء الصراع والبحث عن أفق سياسي جيد.

وتتوافق الدول الأربع، مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، على أهمية البناء على التطورات السياسية عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في العام 2019 وعدم السماح للحركة الإسلامية كي تستفيد من تدخلها المباشر في استمرار الحرب.

وتزامن انعقاد الاجتماع الرباعي في إيطاليا مع تصعيد أطلقه قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال مشاركته في مؤتمر قضايا المرأة بشرق السودان، رفض من خلاله أي تسوية أو تفاوض مع الدعم السريع.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إن التحرك لبدء مسار سياسي هدف رئيسي للدول الساعية لوقف الحرب بعد أن تركزت كافة المبادرات السابقة على وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، وأن اللقاء الذي عقده مؤخراً المبعوث الأميركي إلى السودان توم بريللو مع الجنرال البرهان في بورتسودان نقطة تحول نحو اقتناع واشنطن بأهمية التحرك نحو المسار السياسي.

الأطراف التي تحاول إنهاء الحرب لابد أن تضع في أذهانها الطموح الشخصي لقائد الجيش الذي يسعى للحفاظ على موقعه على رأس السلطة

وأوضح حليمة في تصريح لـ”العرب” أن وجود دول لها علاقات جيدة مع قوات الدعم السريع والجيش يسهل عملية الضغط على الطرفين حال كان هناك توافق بشأن الحل، وسط توقعات أن تكون مسألة تشكيل سلطة انتقالية لإدارة البلاد عقب وقف الحرب، والتطرق إلى خطوات إعادة الإعمار، حاضرة ضمن برنامج العمل الذي سيتم طرحه على الأطراف المتحاربة.

وشدد على أن المشاركة المصرية في الرباعية الجديدة مهم وحيوي، لارتباط الأمن القومي في البلدين ببعضهما، والأواصر الثقافية والاجتماعية ورابطة مياة النيل، كما أن هذا التواجد ينتج عن تطور مهم يحدث في منطقة البحر الأحمر التي يتشارك فيها البلدان ويدور حولها صراع إقليمي ودولي، ويعد ذلك أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتحريك جمود الحل السياسي لسد الثغرات أمام روسيا والصين.

واعتبر حليمة في حديثه لـ”العرب” أن الجيش السوداني من الصعب أن يرفض تسوية سياسية، وإن جاءت تصريحات البرهان العلنية عكس ذلك، لأنه يدرك عدم وجود أمل في تحقيق حسم نهائي لصالحه اعتماداً على الحل العسكري فقط، وأن التطورات العسكرية تدفعه للضغط على الدعم السريع لمحاولة دمجها بالجيش وفقا لرؤيته.

ويسير الحراك الدولي بشأن السودان على أشواك عدة، لأن المجموعات المسلحة التابعة للحركة الإسلامية التي تقاتل مع الجيش تجد نفسها في وضعية عسكرية جيدة مع تقدمها في ولاية سنار وسيطرتها على مدينة سنجة وتسويقها للإعداد إلى عملية عسكرية مماثلة في ولاية الجزيرة، ما يعني أن فرملة هذه التوجهات واستبدالها بالمفاوضات قد يكون صعبا.

محمد الهادي محمود: الانقسام الذي وقع في حزب المؤتمر الوطني يخدم إنهاء الحرب
محمد الهادي محمود: الانقسام الذي وقع في حزب المؤتمر الوطني يخدم إنهاء الحرب

وترى قوات الدعم السريع التي قبلت في السابق الجلوس على طاولة مفاوضات بغية التسوية، أنها لن تقبل المشاركة في مباحثات تضعها في خانة الطرف الضعيف.

أكد عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) محمد الهادي محمود لــ”العرب” أن انعقاد اجتماع رباعي بشأن السودان في إيطاليا يعبر عن اهتمام بوقف الحرب، وسبقته تحركات عديدة لبعض دول الجوار، غير أن إحداث التغيير المطلوب على الأرض مازال صعبا نتيجة لعدم اكتمال خطوات وضع رؤية موحدة للقوى المدنية لمرحلة ما بعد وقف الحرب، وعدم قدرة الإدارة الأميركية الحالية إحداث تأثير قوي، ما يجعل السودانيين ينتظرون قدوم إدارة بدأت بالفعل استلام الملفات.

وتختتم، الأربعاء، المائدة المستديرة التي جمعت القوى السياسية والمدنية السودانية في مدينة جنيف السويسرية، برعاية منظمة “بروميديشن” الفرنسية، وتأتي استكمالا لاجتماعات سابقة عقدت في القاهرة وجنيف أيضا، وتهدف لتحقيق توافق على وقف الحرب عبر التفاوض وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وتشارك في الاجتماعات “تقدم”، ومكونات من “الكتلة الديمقراطية” الموالية للجيش، وحركات مسلحة تابعة للكتلة، مع إعلان بعض الأطراف مقاطعة هذه الاجتماعات.

وأوضح الهادي محمود أن الوصول إلى نقاط اتفاق بشأن إدارة المرحلة الانتقالية ما بعد الحرب، وتحركات الدول الأربع التي لها ارتباط كبير بالشأن السوداني يشكل بادرة لتحريك الجمود الحالي، شريطة قدرة هذه الأطراف الضغط على الجيش وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار، وأن الانقسام الأخير الذي وقع في حزب المؤتمر الوطني (المنحل) يخدم إنهاء الحرب وسيكون له من تأثير على الواقع العسكري.

وذكر في حديثه لـ”العرب” أن الأطراف التي تحاول إنهاء الحرب لابد أن تضع في أذهانها الطموح الشخصي لقائد الجيش الذي يسعى ليحافظ على موقعه على رأس السلطة، وإن ساهم ذلك في تفتيت الجيش وإضعافه.

2