اجتماع جدة يمهد لتطويق الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع

الخرطوم- جدة- يؤكد ذهاب وفدين يمثلان الجيش وقوات الدعم السريع عدم قدرة الأول على كسر إرادة الثانية وأنها قادرة على الاستمرار في القتال لمدة طويلة، حيث راهن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على كسر إرادة غريمه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في غضون أيام قليلة لكن ذلك لم يحصل.
ورحب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله السبت بوجود ممثلين من الطرفين في جدة للحوار حول الأوضاع في بلدهم، معربا عن أمله أن يقود الحوار لإنهاء الصراع وانطلاق العملية السياسية وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان.
وحوى ذهاب الوفدين إلى مدينة جدة، ولو لم يلتقيا مباشرة في الجولة الأولى من الاجتماعات، إشارة واضحة بأن الضغوط الإقليمية والدولية يمكن أن تحدث تغييرا، بعد أن تيقنت دوائر عدة أن الصراع قد يستمر فترة طويلة مع عدم وجود قوة تستطيع حسمه سريعا، وربما تمتد تداعياته إلى دول مجاورة بما يهدد الأمن والسلم الإقليميين.
◙ ما الذي يدفع البرهان إلى إرسال الإخواني دفع الله الحاج لتمثيله في مفاوضات جدة، وإرسال إشارات سلبية إلى السودانيين بأن قيادة الجيش تراهن على تحالفها مع الفلول
وأعلنت الرياض وواشنطن عن إجراء محادثات أولية لوقف إطلاق النار بين المتحاربين بجدة، في وقت تواصلت فيه جهود وسطاء من جهات مختلفة لإنهاء صراع أودى بحياة المئات وإصابة الآلاف من الأشخاص، وزاد من تدفقات اللاجئين إلى الخارج.
وتعد المبادرة السعودية – الأميركية أول محاولة جادة لمحاصرة قتال بدأ في منتصف أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، وعرّض الانتقال السياسي الهش للخطر بعد اضطرابات شهدتها البلاد عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
واتفق طرفا الصراع في السودان على قيامهما بمناقشة هدنة إنسانية في لقاءات جدة، وليس إنهاء الحرب التي تركزت غالبية تطوراتها في العاصمة الخرطوم.
ويدعم عقد اجتماعات أولية في جدة حظوظ السعودية في توسيع نطاق دورها السياسي الفترة المقبلة في التعامل مع الأزمة السودانية، ومع زيادة وتيرة التعاون والتنسيق مع واشنطن يمكن أن تلعب الرياض دورا كبيرا باعتبارها محل ثقة من الطرفين.
ويقلل دخول السعودية على خط الوساطة من حظوظ مبادرات أفريقية طرحت للتهدئة من جانب مفوضية الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي وهيئة الإيجاد، وتمنح أفقا للجنة الرباعية المشكلة من المملكة المتحدة والإمارات ومعهما الولايات المتحدة والسعودية.
ولا يعني تنامي دور اللجنة الرباعية إنهاء دور الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيجاد في الأزمة، لأن العلاقة بينهما قبل اندلاع الحرب كانت تكاملية، غير أن النتيجة لم تكن على المستوى المطلوب بحكم التعقيدات التي تكتنف الأزمات في السودان وكثافة العابثين بها ومن لديهم طموحات سياسية متضاربة.
ويمهد حدوث تفاهمات عسكرية بين وفدي البرهان وحميدتي في جدة لوقف إطلاق النار وفتح الباب لاستئناف العملية السياسية في مرحلة لاحقة على أسس دقيقة، لأن الطريقة التي أدار بها قائد الجيش الحوارات مع القوى المدنية أسهمت في الوصول إلى المأزق الحالي، والذي كان حميدتي فيه منحازا إلى تسليم السلطة من الجيش لحكومة مدنية، وتحجيم نفوذ فلول النظام السابق في أجهزة الدولة، ومن بينها الجيش.
ورحب المتحدث باسم العملية السياسية بالسودان خالد عمر السبت بمباحثات جدة، معربا عن أمله في التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار يمهد لحل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب، ويحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها ويحقق السلام والحرية والعدالة.
وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرق وقف إطلاق النار خلال الأيام الماضية، ولا أحد يملك من يثبت صحة خطابه في هذا المجال بصورة قاطعة، لوجود القوات في الخرطوم وعلى مسافات متقاربة وعدم وجود جهات رقابة محايدة، فضلا عمّا يشاع حول ارتداء عناصر مندسة الزي العسكري لأحد الطرفين لتحميل الآخر أسباب الخروقات.
وأدى الخوف من زيادة حوادث الاعتداء على بعثات أجنبية في الخرطوم إلى اتخاذ الكثير من الدول قرارا مبكرا بسحب الدبلوماسيين والعاملين في سفاراتها وجالياتها، وهو ما اعتبر إشارة على أن الصراع يمكن استمراره لفترة طويلة، وأن قدرة الجيش على كسر إرادة قوات الدعم السريع وشوكتها أصبحت بعيدة.
ويقول مراقبون إن قبول البرهان بإرسال وفد للتفاوض في جدة يحوي اعترافا ضمنيا بأن الجيش غير قادر على مواصلة حرب الاستنزاف والكر والفر التي تجيدها قوات الدعم السريع، وأن المعدات العسكرية الثقيلة التي بحوزته قد تورطه في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان إذا تمادى في استخدام سلاح الطيران داخل الخرطوم.
لكن المراقبين تساءلوا عما دفع البرهان إلى إرسال الإخواني دفع الله الحاج ليمثله في مفاوضات جدة، وهو تعيين يرسل إشارات سلبية إلى السودانيين بأن قيادة الجيش تراهن على تحالفها مع النظام السابق والحركة الإسلامية.
◙ عقد اجتماعات أولية في جدة يدعم حظوظ السعودية في توسيع نطاق دورها السياسي الفترة المقبلة في التعامل مع الأزمة السودانية
ويضيف هؤلاء أن وصول الوفدين إلى جدة، بعيدا عن النتيجة التي يمكن أن تتحقق بشأن تثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق عملية سياسية جديدة أو استكمال السابقة، سيخلق أجواء إيجابية للدخول في محادثات تتناول القضايا الشائكة التي أدت إلى الاقتتال، وهو أمر يتوقف على مدى قدرة الرياض وواشنطن على ممارسة ضغوط حقيقية على البرهان لتكون هناك مخرجات في اجتماعات جدة قابلة للتنفيذ.
وأثار غياب قوى دولية، مثل روسيا والصين، عن الصراع في السودان ومحاولات طرح مبادرات والقيام بوساطات علامات استفهام متباينة، لأن جزءا من زيادة انخراط الولايات المتحدة في الأزمة والسعي للتهدئة ووقف إطلاق النار هو قطع الطريق على توسيع نطاق دور موسكو وبكين في السودان.
ويقود تفسير هذا الغياب إلى ثقتهما في أن الصراع سوف يستمر وأن عوامل تسويته لم تنضج بعد أو أنهما تمتلكان أدوات خفية للتأثير على مجرياته قد تظهر في أيّ لحظة.
ولذلك تركتا هامشا لافتا لتحرك واشنطن هذه المرة على أمل تأكيد عدم قدرتها على فهم آليات التعاطي مع الصراعات الإقليمية المزمنة، بما يفتح الطريق أمام الصين تحديدا لطرح مقاربة توفيقية تبرر الاكتفاء بمراقبة الصراع حتى الآن.