اتهام الدبيبة بالتورط في اشتباكات بنغازي يزيد من تأزيم الأوضاع في ليبيا

بدأت السلطات في شرق ليبيا تحقيقات بشأن الأحداث المسلحة التي عاشتها مدينة بنغازي الجمعة الماضية وسط اتهامات لحكومة طرابلس بالوقوف وراءها. ويقول مراقبون إن ثبوت تورط سلطات طرابلس سيزيد الأوضاع السياسية تأزما.
بنغازي ( ليبيا) - يواجه المشهد السياسي العام في ليبيا تحديا جديدا بعد أحداث الجمعة الماضية التي شهدتها مدينة بنغازي وأدت إلى توتر أمني واجتماعي بالمنطقة الشرقية؛ حيث بدأت الأصوات ترتفع منادية بتوجيه اتهامات مباشرة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بالتورط في الأحداث من خلال دعم وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي الذي يقف وراءها.
وتخشى أوساط ليبية مطلعة أن يؤثر موقف الدبيبة من أحداث بنغازي سلبا على الاتصالات الجارية منذ أشهر بينه وبين قيادة الجيش الوطني الليبي، لاسيما من خلال اللقاءات الدورية بين المستشار السياسي لحكومة الوحدة إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر الممثل الشخصي لوالده المشير خليفة حفتر، وعلى محاولات تقريب المسافات بين مختلف الفرقاء السياسيين للبحث عن رؤية موحدة لتجاوز العراقيل والاتجاه نحو تحديد موعد لتنظيم الانتخابات خلال النصف الأول من العام القادم.
وكان الدبيبة طلب الاثنين من النائب العام إجراء تحقيق عاجل في الأحداث المسلحة التي تجري في مدينة بنغازي منذ الجمعة الماضية، وقال “لقد تلقينا تقارير تفيد بوقوع مواجهات مسلحة في بنغازي وانقطاع شبكات الاتصالات تماماً، ما أدى إلى عزل المدينة عن باقي العالم".
ورد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان أسامة حماد على تصريحات الدبيبة بالقول "تابعنا تصريحات رئيس الحكومة الأسبق والمقال في طرابلس حول ما زعم أنها اشتباكات مسلحة في بنغازي”، وأضاف أن” التقارير التي استند عليها يبدو أنها من منصات التواصل الاجتماعي وبعض النشطاء أصحاب التوجهات المعروفة جمعها له من يعملون معه على عجل، وهي ضمن الحملة المستمرة لزعزعة الاستقرار والأمن في مناطقنا الآمنة بفضل الله والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية".
وتابع حماد “للأسف يبدو أن هذه المنظومة الحاكمة المتشبثة بالسلطة لديها مشكلة في اللحمة الوطنية بين الليبيين ومصرة دائما على إدخال البلاد في أزمات مسلحة، لكن نحن لها بالمرصاد دائماً، وغير راضية أيضا عن مشاهد الوحدة الوطنية بعد كارثة درنة وتحاول ضرب النسيج الاجتماعي بكل السبل الممكنة مالياً وإعلامياً وعسكرياً”. ووصف مسلحي المهدي البرغثي بالعصابة المارقة التي جاءت بتمويل مباشر من عناصر تتبع الحكومة في طرابلس.
ويعتبر هذا الموقف الرسمي الأكثر حدة في توجيه أصابع الاتهام إلى الدبيبة شخصيا وإلى حكومته والتيار السياسي الذي تمثله في دوائر القرار التنفيذي بالعاصمة طرابلس والمنطقة الغربية، فيما لا تزال القيادة العامة للجيش تكتفي بالصمت ومتابعة ما يجري على الأرض دون الكشف عن موقفها مما جرى في بنغازي وعن مصير المهدي البرغثي المتهم الأول بالوقوف وراء الأحداث.
وأكدت مصادر أمنية أن عناصر لواء طارق بن زياد بقيادة صدام حفتر قامت باعتقال البرغثي مع عدد من مساعديه للتحقيق معه في الاتهامات التي تلاحقه وآخرها التسلل مع عدد من المسلحين من خارج بنغازي وتحريك خلايا نائمة في المدينة والتخطيط لتنفيذ انقلاب داخل القيادة العامة للجيش يستهدف الإطاحة بالمشير حفتر بدعم مباشر من بعض القوى القبلية وخاصة منها قبيلة العواقير التي ينتمي إليها.
وخاطب رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، محمد عمر بعيو، الدبيبة بالقول "إن النائب العام لو كان يستطيع التحقيق في الارتكابات الجرمية والمخالفات القانونية والانتهاكات الحقوقية وإزهاق الأرواح ونهب المال العام والفساد المتوحش لكنت أول من يمثل أمامه"، لافتا إلى أن "النائب العام لا يستطيع لأنه سلطة اتهام لا سلطة تنفيذ وهو لا يملك الأرتال والسلاح". واختتم "أما بنغازي فستظل آمنة رغم مؤامرات المتآمرين".
وبحسب الناشط محمد قشوط تكفل الدبيبة بتوفير الدعم المالي لمخطط البرغثي وللجماعة المسلحة التي أرسلها المفتي المعزول من قبل مجلس النواب منذ العام 2014 صادق الغرياني ولا يزال معتمدا من قبل الحكومات المتلاحقة في طرابلس وآخرها حكومة الوحدة الوطنية التي يشملها بالكثير من دعمه ومساندته، سواء من خلال دار الإفتاء التي يشرف عليها أو عبر وسائل الإعلام التي تدور في فلكه وأبرزها قناة "التناصح" التي يديرها نجله سهيل الغرياني من إسطنبول التركية.
وكشفت مصادر متطابقة عن نجاح السلطات العسكرية والأمنية ببنغازي في اعتقال أحد أهم المطلوبين لديها وهو الإرهابي محمد صالح يونس المغربي، عضو مجلس شورى بنغازي، وابن أخ علي يونس المغربي أمير تنظيم داعش في منطقة النوفلية الذي قتل بضربة أميركية سنة 2017، والمتورط في مذبحة قاعدة براك الشاطئ، والمحسوب على تيار الغرياني.
وأكدت المصادر أن خطة البرغثي تم الإعداد لها بشكل دقيق، وأن الكشف المبكر عنها هو الذي أعطى لقيادة الجيش فرصة إجهاضها بسرعة قبل أن تكتمل جميع خيوطها، وخاصة من حيث تجميع المسلحين من مختلف مناطق شرق البلاد والتنسيق مع بعض القوى العسكرية والأمنية التي يرجح البعض أنها غير راضية عن سير إدارة الأوضاع، لاسيما في ظل سيطرة أسرة حفتر على جميع المسارات العسكرية والسياسية والمالية والاقتصادية في برقة.
ومما يشير إلى خطورة المخطط ما ورد على لسان وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المنبثقة عن مجلس النواب فرج قعيم من أن خلايا إرهابية قطعت الاتصالات عن مدينة بنغازي، وهو ما يفسره مراقبون بأنها كانت تمتلك اتصالات بديلة عن الشبكة العامة.
وبين قعيم في تسجيل مصور أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تصدت الجمعة الماضية لخلايا إرهابية حاولت زعزعة الاستقرار في المنطقة الشرقية بعدما دخلت إلى مدينة بنغازي مع قياداتها بطريقة غير شرعية.
وقال إن الخلايا الإرهابية سلكت خلال أيام الطرق الصحراوية لتجنب البوابات ونقاط التفتيش وأدخلت معها أسلحة خفيفة ومتوسطة وقامت بقطع الاتصالات عن طريق تخريب كوابل الألياف البصرية للشبكات في عدة أماكن من بنغازي وهو ما أثر بشكل كبير على المواطن، مؤكدا أن الشركة القابضة للاتصالات تقوم على مدار الساعة بمعالجة ما تم تخريبه وإعادة الاتصالات.
◙ الحديث عن تورط دول إقليمية يعني التنسيق المباشر مع حكومة الدبيبة حيث أن الطرف الداعم للبرغثي لا يمكن أن يكون من خارج دائرة تبني خيارات الإسلام السياسي
ولعل أخطر ما جاء في بيان قعيم أن التحقيقات كشفت أن بعض الدول الأجنبية تعمل على أجندة تهدف إلى عدم استقرار ليبيا واستعانت بعدد من الأشخاص الليبيين ومدتهم بالمال ليتورطوا معها في تنفيذ أجندتها الهادفة إلى زعزعة الأمن وتفكيك ليبيا، لافتا إلى القبض على هذه المجموعات المخربة ومن تعاون معها وسيتم عرض نتائج التحقيقات عند الانتهاء منها.
ومما يزيد من دعم هذا التوجه قوله إن "هذه الزعزعة سببها مجموعة إخوانية لا تمثل الشعب الليبي في شيء”، وهو ما يوجه أصابع الاتهام نحو عواصم معروفة بدعمها السياسي والإعلامي والمالي لجماعة الإخوان سواء في ليبيا أو في المنطقة ككل.
ويقول محللون إن الحديث عن تورط دول إقليمية يعني التنسيق المباشر مع حكومة الدبيبة، حيث أن الطرف الداعم للبرغثي لا يمكن أن يكون من خارج دائرة تبني خيارات الإسلام السياسي أو مساندة السلطات القائمة في طرابلس على حساب سلطات المنطقة الشرقية. ويشير المحللون إلى أن ذلك يعيد البلاد إلى حالة الاستقطاب والانقسام الحادين، ويدفع نحو تعميق الفجوة بين شرق ليبيا وغربها، بخاصة في حالة الكشف عن تورط مباشر لحكومة الوحدة، بالتنسيق مع قوى إقليمية، في تحريك بعض الجماعات المتشددة للعمل على العودة بالمنطقة الشرقية إلى مربع الفوضى والانفلات.