اتهام الأحزاب بمسؤولية تصنيف تونس على القائمة السوداء

السبت 2018/02/10
المسؤولية على عاتق الجميع

تونس - تعيش الساحة السياسية التونسية منذ أيام على وقع زلزال إدراجها على قائمة سوداء جديدة من قبل البرلمان الأوروبي الذي صنّفها ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد أقل من شهر تقريبا على تصنيف البلد في شهر يناير الماضي ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك وسحب تونس من القائمة المذكورة بعد تحرّك الحكومة التونسية وضغطها على بلدان الاتحاد الأوروبي.

وبعد أن اصطدمت تونس بتصنيف الاتحاد الأوروبي لها ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، عجّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإقالة محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري في خطوة وصفها الكثير من المحللين بأنها مرتبكة ولن تكون قادرة على حلّ إشكالات هشاشة المؤسسات المالية والبنكية في تونس.

وتلاقفت كل الأحزاب التونسية بلا استثناء تقريبا الحدث للإدلاء بمواقفها وتصوراتها، فالحزبان الحاكمان، نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية، أدانا خطوة الاتحاد الأوروبي ولكنهما حاولا في بياناتهما التخفيف من حدة الأزمة، فيما انتهجب أحزاب المعارضة خطا آخر حيث حمّلت أحزاب الحكم وكل الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 مسؤولية إدراج تونس ضمن قائمة سوداء لعدم قدرتها أولا على حل الجمعيات المتهمة بتمويل الإرهاب ولعجزها ثانيا عن ضرب رؤوس وأباطرة الفساد.

واعتبر مراقبون في تونس أن كل الأحزاب وخاصة منها الحاكمة مسؤولة عن تكرّر إدراج تونس ضمن قوائم سوداء لتمويل الإرهاب أو غسيل الأموال بل ويرى عدد منهم أن الأحزاب متورّطة ومنخرطة أيضا في تفشي الجريمتين في البلاد طيلة سبع سنوات.

وعلى عكس بقية الأطراف المشاركة في الحكم والموقعة على وثيقة أولويات الحكومة (اتفاق قرطاج) جاء رد الاتحاد العام التونسي للشغل على تصنيف تونس في قائمة سوداء جديدة وعلى لسان أمينه العام نورالدين الطبوبي عنيفا بقوله صراحة “مَن يتحمّل مسؤولية تصنيف تونس كملاذ ضريبي وإدراجها بالقائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟ هل هو الاتحاد والأُجراء أم الأحزاب التي يموّلها المال الفاسد؟”.

نور الدين الطبوبي: من يتحمل المسؤولية هل هو الاتحاد أم الأحزاب التي يمولها المال الفاسد

وتُتهم بعض الأحزاب التونسية منذ الانتخابات الأولى التي عرفتها البلاد عقب الثورة وتحديدا في أكتوبر 2011 بالمشاركة في جرائم تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب عبر تلقيها أموالا ضخمة ومشبوهة من عدة جهات ودول وخاصة منها الداعمة للإرهاب.

وقالت فضيلة القرقوري، القاضية بدائرة المحاسبات (أعلى هيكل قضائي مختص في المراقبة المالية بتونس) لـ”العرب”، إن جل الأحزاب السياسية التونسية حكما ومعارضة تتميز بعدم الشفافية لدى تقديمها تقارير لدائرة المحاسبات حول تمويلاتها المادية.

وأضافت أن دائرة المحاسبات رصدت العديد من الإخلالات في علاقة بتقارير الأحزاب حول مصادر تمويلها، مشيرة إلى أن جلّ الأحزاب في البلاد تعتقد أن مجرّد إيداع التقرير المالي لدى دائرة المحاسبات يعني أنها طبّقت القانون وتخلّصت من التهم والشكوك المثارة حول مصادر تمويلها.

وأكّدت القرقوري أن جل تقارير الأحزاب المالية المودعة بدائرة المحاسبات تعتبر منقوصة وغير متطابقة مع القانون وذلك لسببين أولهما عدم الانتظام في التصريح بالموارد المالية من خلال تقديم تقارير غير سنوية وعادة ما تشمل ثلاث أو أربع سنوات، وثانيهما الإخلالات التي تسجّلها الدائرة في علاقة بالقوائم المالية التي تنشرها الأحزاب.

وتتّهم أكبر الأحزاب في تونس منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وعلى رأسها حركة النهضة بتلقي تمويلات مالية مشبوهة أو بالتورط في غسيل الأموال عبر جهات أجنبية أو جمعيات متّهمة بدعم وإسناد جماعات إرهابية.

وقالت القرقوري لـ“العرب” إن دائرة المحاسبات أكّدت في تقرير سنوي سابق لها وجود العديد من الإخلالات في مصادر تمويل الأحزاب خاصة خلال الحملات الانتخابية، مشيرة إلى أن التقارير المالية لحزبي الحكم نداء تونس والنهضة ليست شفافة بالقدر الكافي وتشوبها العديد من التجاوزات ككل الأحزاب.

وعرّجت القاضية بدائرة المحاسبات على عدم التزام جل الجمعيات بالتصريح بمصادر تمويلها رغم ارتفاع عددها الذي تجاوز العشرين ألف جمعية ورغم ما تشوبها من اتهامات بتلقي تمويلات مشبوهة. وشددت على ضرورة تطوير المنظومة القانونية بالبلاد في ما يتعلّق بشفافية التمويلات وذلك بفرض وتشديد العقوبات على كل من يخالف القواعد القانونية للتمويل بحسب قولها.

وتأتي الانتقادات للأحزاب التونسية واتهامها بلعب دور كبير في غسيل الأموال بعد نصف شهر تقريبا من تحركات قادتها منظمات المجتمع المدني بالبلاد بعنوان معركة الشفافية المالية مع الأحزاب التي ترفض تقديم كشوفات حول مصادر تمويلها.

ونظمت جمعية فورزا تونس في 31 يناير الماضي وقفة احتجاجية صامتة أمام مقر حركة النهضة، في إطار حملة “فقنا بيكم” (تفطّنا إليكم)، لمطالبة الأحزاب السياسية التونسية بالكشف عن مصادر تمويلها.

أمّا في ما يتعلّق بملف الجمعيات وخاصة منها الناشطة بتعلة تقديم أعمال خيرية والتي أغرقت البلاد في مستنقع الإرهاب خلال السنوات الأولى للثورة، فقد اعتبر مراقبون أن تعامل الدولة معه كان متساهلا وغير فعّال رغم أن رئيس الحكومة كان قد أعطى كل الجمعيات في تونس منذ يونيو 2017 مهلة بشهر لنشر المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وذكر مصادرها وقيمتها وموضوعها.

وكان المهدي بن غربية، وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، أكّد في منتصف شهر يناير 2018 أن بتونس جمعيات تورط أعضاؤها في دعم الإرهاب مما استوجب تجميد نشاطها أو حلّها بمقتضى قرار قضائي وفق مرسوم الجمعيات بتونس.

وكانت السلطات التونسية أكّدت سابقا وجود 395 جمعية متهمة بشبهة التورط مع تنظيمات إرهابية وأنه تم تصنيف 157 جمعية وفق انتماء أعضائها ونشاطاتها وارتباطاتها المالية كتنظيمات إرهابية.

4