اتهامات للاتحاد الوطني الكردستاني بتسييس اعتصامات السليمانية

أربيل (كردستان العراق) – سلطت تطورات اعتصام المعلمين في السليمانية، الضوء على سياسية الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسعى إلى استغلالها لتصفية حساباته مع غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أكد أن هذه التظاهرات "مدفوعة سياسيا"، داعيا إلى التظاهر في بغداد، فيما رفع الرئيس العراقي دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، ورئيس مجلس النواب، ووزيرة المالية الاتحادية.
وشهدت محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، الأحد، احتجاجات واسعة، نظمها معلمون وموظفون حكوميون للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وحاول العشرات من المحتجين التوجه إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، بهدف تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة، لكن محاولتهم قوبلت بإجراءات أمنية مشددة.
ومع وصول المتظاهرين إلى المداخل الرئيسية لمدينة أربيل، فرضت القوات الأمنية الكردية طوقا مشددا، وأقامت حواجز أمنية لمنع المحتجين من الدخول إلى المدينة.
وأكد محافظ أربيل، أوميد خوشناو، أن الاحتجاجات التي تشهدها مدينة السليمانية يتم استغلالها من قبل بعض الجهات السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية، مبينا أن الإضراب يجب أن يكون موجها ضد الحكومة الاتحادية في بغداد، كونها مسؤولة عن تأخير صرف رواتب الموظفين بإقليم كردستان.
وأشار خوشناو في تصريح للصحافيين على خلفية الأزمة، إلى أن أربيل ترحبُ بالضيوف ومحبة لهم، ولكنها غير مستعدة لاستقبال مثل هكذا اشخاص، لأن الناس هنا منشغلون بمزاولة أعمالهم اليومية في الأسواق والمراكز التجارية، والدوام الرسمي يجري بشكل طبيعي في الأوساط التعليمية، والدوائر والمؤسسات الحكومية.
وكانت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان قد أصدرت بيانا قالت فيه "من الملفت للنظر أن مجموعة من الأشخاص والجهات الخارجية والداخلية في العراق يريدون استغلال هذه المطالب لأهدافهم المشبوهة، كما أن بعض الأطراف التابعة، والجهات الخارجة عن القانون، وحزب العمال الكردستاني وآخرين يستغلون هذه الفرصة وينوون استخدامها لزعزعة أمن مناطق أخرى في الإقليم، وبذلك يخلطون المطالب المشروعة للموظفين بأجنداتهم الخاصة".
وأكدت الوزارة، مع "احترام الحق في التظاهر"، أنها ستمنع "أي محاولة لزعزعة أمن إقليم كوردستان، ولن يُسمح بأي محاولة تتجاوز القوانين والتعليمات".
وتعليقا على ما جرى، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري في منشور له عبر حسابه على منصة إكس إن "حركة الاعتصام التي نظمت مؤخرا في السليمانية مسيسة بامتياز".
وأضاف أن "الأجدر بالأخوة المعتصمين أن يحولوا خيمهم واعتصاماتهم وإضرابهم عن الطعام إلى ساحة التحرير او شارع الإمام القاسم امام وزارة المالية للمطالبة بدفع استحقاقهم المالية بانتظام". مشيرا إلى حكومة الاقليم حسمت الأمر مع بغداد".
وكان مجلس النواب العراقي قد أقر في الثاني من فبراير الجاري تعديلا في الموازنة لدعم تكاليف الإنتاج لشركات نفط دولية تعمل في إقليم كردستان، في خطوة تهدف لإزالة العوائق أمام صادرات النفط من الشمال.
وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صالح عمر إن "التظاهر حق دستوري وقانوني، ولكن وفقا للسياقات القانونية، إلا أن جهات سياسية كردية تدعم الفوضى وزعزعة الاستقرار في الإقليم لأهداف الدعاية الانتخابية".
وأضاف "بعض الأحزاب التي تدعم التظاهرات هي مشاركة في حكومة الإقليم، وتنتقد حكومة كردستان، وهي تعرف بأن مشكلة الرواتب لا علاقة للإقليم بها، ولكن ما جرى من تظاهرات اتجهت لأربيل، هي مدفوعة الثمن من جهات سياسية كردية، وتقف خلفها شخصيات سياسية عراقية، هدفها زعزعة الاستقرار والعداء للحزب الديمقراطي". في إشارة إلى بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي التي تسعى إلى خنق اقتصاد الإقليم وإجباره على الركوع من خلال منع تصدير نفطه.
وشدد على أن "مشكلة الرواتب هي في بغداد، ووزارة المالية الاتحادية هي المسؤولة عن التأخير، وأربيل التزمت بكل الاتفاقات، لكن هنالك جهات سياسية لا ترغب بتوصل الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى اتفاق، وتعمل على وضع العراقيل، ولهذا فإن التظاهر يجب أن يكون في بغداد، وليس في أربيل".
وكان الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد قد رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية ضد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، ووزيرة المالية الاتحادية، طيف سامي، على خلفية تأخر صروف رواتب الموظفين وسائر متقاضي الرواتب في إقليم كردستان.
وتضمنت الدعوى 4 مطالب لرشيد في ما يخصّ رواتب موظفي إقليم كردستان، أولها "إصدار أمر ولائي عاجل، يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان بجميع فئاتهم، سواء للأشهر السابقة أو اللاحقة، مع التأكيد على عنصر الاستعجال في هذه القضية".
وثانيها "ضمان الاستمرارية، بإلزام وزارة المالية بصرف الرواتب دون توقف أو تأخير، وعدم ربطها بأي متطلبات إدارية أو فنية مثل ميزان المراجعة أو الإجراءات الرقابية الأخرى".
وثالثها "توطين الرواتب وفق تعليمات البنك المركزي العراقي، والسماح للموظفين باختيار المصرف الذي يفضلونه، بالتنسيق بين وزارة المالية الاتحادية ونظيرتها في حكومة الإقليم".
ورابع هذه المطالب في دعوى الرئيس العراقي "تعديل قانون الموازنة"، حيث طالب مجلس النواب بتعديل البند (12) الفقرة (ج) من قانون الموازنة العامة لعام 2023. وضمان تنفيذ تعهدات الإقليم بتمويل الخزينة العامة بإيراداته النفطية بشكل عادل وشفاف".
ودعا رشيد أيضاً إلى إلغاء شرط تخصيص 6 دولارات أميركية لكلفة إنتاج النفط في الإقليم، باعتباره "تعسفياً" ويضر بالمصلحة الاقتصادية للدولة.
وأصبحت الحياة في مدينة السليمانية شبه معطلة، نتيجة اتساع الإضراب العام عن الدوام في الدوائر الحكومية، والمدارس والجامعات ودوائر المرور فضلا عن المؤسسات الأخرى.
ولم يقتصر الإضراب على المدارس، بل أن الجامعات أغلبها أضربت عن الدوام، في حين انضمت المستشفيات، والمراكز الصحية، ومنها مستشفى الولادة للإضراب عن الدوام، بسبب عدم استلامهم الرواتب لثلاثة أشهر.
ويعتبر ملف رواتب موظفي الإقليم أحد أبرز المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، حيث تؤكد الحكومة العراقية ضرورة تسليم أربيل نفطها إلى بغداد وأن يتم التصدير من خلالها، بينما ترفض حكومة كردستان ذلك، ما أدى الى قطع بغداد رواتب جزء كبير من موظفي الإقليم ودفعها إلى آخرين على شكل متقطع وغير منتظم منذ عام 2014، إلى أن توقفت المرتبات نهائيا في أكتوبر 2017 مع تداعيات استفتاء الانفصال.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، ألزمت، في فبراير 2024، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان مباشرة، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير في تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.
ورغم قرار المحكمة الاتحادية إلا أن حكومة الإقليم تصر على توطين الرواتب في مشروع حسابي، الذي يضم مجموعة بنوك داخل إقليم كردستان.