اتفاق يلزم النفط الليبية بإحالة الإيرادات إلى المصرف المركزي

طرابلس - اتّفق محافظ البنك المركزي الليبي ورئيسا ديوان المحاسبة ومؤسسة النفط على التزام المؤسسة بإحالة الإيرادات إلى المركزي في موعدها بشكل منتظم، لضمان استقرار التدفقات المالية بعد فترة من عدم الاستقرار أثرت على إنتاج النفط في بلد منقسم بين فصائل في الشرق والغرب.
وتم الاتفاق على تشكيل لجنة لمراجعة العمليات المالية المتعلقة بالمبادلات النفطية لعام 2024، بالإضافة إلى وضع خطة عمل مشتركة لعام 2025 تهدف إلى تحسين وتوحيد آليات العمل المتعلقة بتصدير النفط وتوريد المحروقات لتحقيق كفاءة أكبر في العمليات المستقبلية.
وتُعد مسألة التوزيع العادل لإيرادات النفط من أبرز الأزمات في ليبيا، إذ تتصارع الحكومة المعينة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد مع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة للسيطرة على تلك الإيرادات.
ولطالما مثّلت عائدات النفط شريان الحياة للاقتصاد الليبي، إلا أن الضبابية التي تكتنف مصير تلك العائدات باتت مصدر قلق متزايد. لذلك بدأت لجنة التخطيط والمالية والموازنة بمجلس النواب تحقيقا دقيقا في آليات تحويل الأموال بين المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي، الأسبوع الماضي.
من جهة أخرى، طالبت اللجنة السياسية النقدية بمصرف ليبيا المركزي كافة الأطراف بالإسراع في إقرار ميزانية موحدة لإيجاد حل جذري لمشكلات التمويل الفوضوي في بلد يعاني من الانقسام المؤسسي.
وقال محللون إن التأخر في إحالة عائدات النفط يعكس تحديات أعمق تتعلق بالحوكمة والسيطرة على الموارد، ففي غياب ميزانية موحدة تصبح العائدات عرضة للاستخدام السياسي، وهو ما قد يفسر الدعوات المتكررة من قبل مصرف ليبيا المركزي إلى ضمان إحالة العائدات بانتظام.
وفي وقت سابق من الثلاثاء، طالب النائب العام الصديق الصور بوقف أسلوب تبادل النفط الخام بالمحروقات بحسب تعبيره، وذلك خلال خطاب رسمي موجه إلى رئيس لجنة إدارة المؤسسة الوطنية للنفط وأعضاء لجنة الإدارة.
ويأتي الاتفاق بعد أقل من أسبوع على إقالة رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة من منصبه وتكليف آخر، وهو ما طرح بعض الأسئلة حول دلالة وتداعيات الخطوة، إذ إن بن قدارة معروف بكفاءته وخبرته المشهود لها.
◙ التأخر في إحالة عائدات النفط يعكس تحديات تتعلق بالسيطرة على الموارد ويصبح عرضة للاستخدام السياسي
ورأى البعض أن الإقالة تعكس التوجه نحو إعادة تشكيل إدارة قطاع النفط، رغم أن مؤسسة النفط بررت بأنها استقالة نتيجة لظروف صحية طارئة، حالت دون تمكن بن قدارة من أداء مهامه ومسؤولياته بالشكل الأمثل.
ويواجه قطاع النفط مشاكل وضغوطا سواء داخليا، حيث تهدّد التعطيلات المتكرّرة التي تنفذّها مجموعات قبلية تطالب بحصة من الإيرادات، الإنتاج والتصدير، إضافة إلى نقص الموارد المخصصة للصيانة والتطوير، أو خارجيا مرتبطة بتقلّبات الأسعار في السوق العالمية، بينما مواجهة الأزمة تتطلب إرادة سياسية وإجراءات فورية لإعادة هيكلة النظام المالي والاقتصادي.
وفي منتصف الشهر الماضي كانت المؤسسة قد أعلنت حالة القوة القاهرة بعد تعرض عدد من خزانات مصفاة الزاوية (غرب طرابلس) لأضرار بالغة، بسبب اشتباكات بين مجموعات مسلحة في محيطها. ومن آن إلى آخر، تعلن مؤسسة النفط حالة “القوة القاهرة” في أحد حقول النفط المنتشرة في مناطق مختلفة ومتمركزة في شرق البلاد، وغالبا بسبب مطالب احتجاجية متشابهة.
وحالة القوة القاهرة هي ظرف غير متوقع وغير قابل للسيطرة عليه، مثل الكوارث الطبيعية (الزلازل، الفيضانات)، الحروب، الاضطرابات المدنية، أو في هذه الحالة: الاشتباكات المسلحة. وعندما تحدث مثل هذه الأحداث، فإنها تعطل الأنشطة الطبيعية وتمنع الأفراد والشركات من الوفاء بالتزاماتهم العادية.
وحذر مختصون من أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات فورية لمعالجة الملف، فقد تتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد. فالنفط، الذي يمثل المصدر الأساسي للعملة الصعبة، يجب أن يدار بآليات شفافة لضمان توزيع عادل للعائدات بين الليبيين، بعيدا عن أي صراعات سياسية أو مصالح فردية.
وفي تقرير للعام 2023، كشف ديوان المحاسبة أن الإنفاق بمقايضة النفط الخام مقابل المحروقات بلغ 41.2 مليار دينار، بينما أكد رئيس مؤسسة النفط السابق فرحات بن قدارة أن سداد المحروقات لا يتم عبر مبادلة النفط، بل بآلية حساب مقاصة لتسوية قيمة المحروقات مع الجهات التي تستورد النفط الليبي.
وذكرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا في بيان “الأسباب” التي تقف وراء تراجع الإيرادات من تصدير النفط خلال عام 2024 في البلد الغني بالذهب الأسود، ومن بينها “تحصيل إتاوات”، وتراجع إنتاج النفط نتيجة إغلاق حقول نفطية.
وأوضحت المؤسسة أن الأسباب تشمل “تحصيل إتاوات خلال 2023 عن سنوات سابقة، وتراجع إنتاج النفط نتيجة إغلاقات الحقول النفطية، وانخفاض متوسط أسعار خام ‘برنت’، وزيادة قيمة توريدات المحروقات من الخارج”.
وتابع بيان المؤسسة أن من بين الأسباب “زيادة قيمة توريدات المحروقات من الخارج بقيمة 500 مليون دولار تقريبا، نتيجة لزيادة الطلب من قبل كبار المستهلكين، إضافة إلى التوقفات المتكررة لمصفاة الزاوية، مما تطلب تغطية العجز في التكرير المحلي من مصادر بديلة في الخارج”.
◙ النفط الذي يمثل المصدر الأساسي للعملة الصعبة يجب أن يدار بآليات شفافة لضمان توزيع عادل للعائدات بين الليبيين
وانخفضت إيرادات النفط في ليبيا في العام 2024 بنحو 23 في المئة، مسجلة 15.50 مليار دولار بعدما كانت في حدود 20.45 مليارا في 2023، وفق ما كشفه مصرف ليبيا المركزي الاثنين.
وجاء بيان مؤسسة النفط الليبية بعد دعوة لجنة السياسات النقدية بمصرف ليبيا المركزي جميع الأطراف إلى ضرورة الإسراع بإقرار ميزانية موحدة متوازنة للعام 2025، وتوريد الإيرادات النفطية بشكل دوري إلى المصرف، والعمل على ضمان استقلالية ومهنية المصرف في كل ما يتعلق بمسارات السياسة النقدية.
وكان مصرف ليبيا المركزي قد أعلن وجود عجز بين ما يتم إنجازه من توفير متطلبات التوريد بالدولار منذ بداية العام الحالي التي بلغت أكثر من مليار و300 مليون دولار، وبين إيرادات النفط الموردة للمصرف، التي بلغت 500 مليون دولار، بعجز فاق أكثر من 800 مليون دولار.
وأظهرت بيانات نشرتها مؤسسة النفط الليبية أن إجمالي الإيرادات المحصلة خلال العام 2024 بلغ 26 مليارا و120 مليون دولار، مقارنة بـ31 مليارا و132 مليون دولار عام 2023، بانخفاض قدره 5 مليارات و12 مليون دولار.
أما المبالغ المخصومة من الإيرادات، فبلغت 10 مليارات و233 مليون دولار عام 2024، مقارنة بـ8 مليارات و798 مليون دولار عام 2023، وبذلك ارتفعت الخصومات بنحو مليار و435 مليون دولار خلال 2024.
ومنذ سقوط معمر القذافي في ثورة شعبية عام 2011، تأثر إنتاج النفط في ليبيا مرارا بسبب قيام جماعات بإغلاق المنشآت، وذلك بهدف طلب منافع مادية في بعض الأحيان، وكوسيلة أيضا لتحقيق بعض الغايات السياسية في أحيان أخرى.
يشار إلى أن سعر صرف الدينار الليبي قد شهد تراجعا جديدا أمام الدولار بعد هذه البيانات، ليسجل سعر 6.7 دينار للدولار بالمقارنة مع السعر الرسمي الذي يصل إلى 6 دنانير.