اتفاق سوداني-روسي على إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر

المحطة ستكون مفيدة لموسكو، خاصة بعد أن أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الشكوك حيال وضع قاعدتيها هناك ذات الأهمية في المنطقة.
الخميس 2025/02/13
السودان يفتح المجال للنفوذ الروسي

موسكو – أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف خلال زيارة إلى موسكو الأربعاء عن التوصل إلى تفاهم كامل مع موسكو بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر في السودان.

وتتطلّع موسكو منذ سنوات لإنشاء قاعدة بحرية لها قرب مدينة بورتسودان، وتجددت أهمية السعي الروسي بعد سقوط نظام الأسد في سوريا.

وقال وزير الخارجية السوداني إنّ الخرطوم وموسكو "متفقّان تماما" بشأن هذه المسألة، من دون مزيد من التفاصيل.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف "نحن متّفقون تماما بشأن هذه المسألة، ولا توجد أيّ عقبات على الإطلاق". وأكّد  أنّ "هذه أيضا مسألة سهلة".

وأشار إلى أن الاتفاق يُعد جزءاً من تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة في ظل دعم روسيا لمواقف السودان دولياً، مثل استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار بريطاني يهدف إلى “التدخل في الشؤون الداخلية للسودان". وشدد على رفض الخرطوم الدائم لأي تدخل خارجي في شؤونها.

ويتضمن الاتفاق إقامة منشأة بحرية روسية على البحر الأحمر قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكريا ومدنيا.

ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.

من جهته،  لم يعلّق لافروف على تصريح نظيره السوداني بشأن القاعدة العسكرية، لكنه أعرب عن قلقه إزاء الأزمة الإنسانية في السودان، مؤكداً استعداد بلاده للتعاون مع الأطراف الدولية لتحقيق الاستقرار، مع رفض أي تدخل خارجي في شؤون البلاد.

كما أشار إلى أن استئناف التعاون الثنائي الكامل بين البلدين مرهون بتحسين الظروف الأمنية.

وستكون مثل هذه المحطة مفيدة لروسيا، خاصة بعد أن أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الشكوك حيال وضع قاعدتيها هناك ذات الأهمية في المنطقة.

وتدخلت قوى إقليمية وعالمية متنافسة في الحرب في السودان، لأسباب منها ساحله الطويل على البحر الأحمر، فضلا عن موارده من الذهب.

واعتمد السودان عسكريا على روسيا في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي أطيح به في 2019 بعد ثلاثة عقود في السلطة اتّسمت بعزلة دولية وبعقوبات أميركية صارمة.

وفي عهد البشير أبرمت الخرطوم وموسكو اتفاقا مدّته 25 عاما يتيح لروسيا أن تبني وتشغّل قاعدة عسكرية بحرية على البحر الأحمر. لكن بعد الإطاحة بالبشير وضع الجيش السوداني هذا الاتفاق "قيد المراجعة".

ومنذ ذلك الحين ومصير هذه القاعدة غير واضح. وزاد مصير هذه القاعدة غموضا في ظلّ الحرب الأهلية المستعرة في السودان منذ 2023 والتي خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل و14 مليون نازح وفقاً للأمم المتحدة.

وعقب اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل عامين، عملت روسيا على تعزيز العلاقات مع طرفي الصراع في الحرب، بحسب تقارير.

وأشارت التقارير إلى أن مسؤولين روس قد زاروا في الأشهر القليلة الماضية مدينة بورتسودان التي تعد مركزًا للجيش خلال قتاله ضد قوات الدعم السريع.

وفي العام الماضي، قال أحد كبار القادة السودانيين إن روسيا طلبت إقامة محطة تزود بالوقود على البحر الأحمر مقابل أسلحة وذخيرة.

ولا ترغب دول، تتقدمها الولايات المتحدة، في حصول خصمها الاستراتيجي روسيا على مواطئ قدم على في البحر الأحمر بالسودان.

وكانت الولايات المتحدة اتهمت روسيا بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان. وردا على ذلك رفض السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في ديسمبر ما أسماه "الافتراءات التي تروجها الدول الغربية ووسائل إعلامها" بأن موسكو تحاول استغلال الجانبين لتحقيق ميزة من الحرب.

وحسب المحلل سياسي لؤي عبدالرحمن، فإن الولايات المتحدة جددت اهتمامها بالخرطوم خشية أن تفقدها لصالح منافسيها الصين وروسيا، لاسيما في ظل موقع السودان الاستراتيجي في أفريقيا، خاصة سواحله على البحر الأحمر.

ووفق مراقبين، صارت وجهة السودان مغايرة فلم يعد التقارب مع الولايات المتحدة هدفه الأول، ولم تستطع الأخيرة تقديم ما يقنع الخرطوم بمحاولة إرضاء واشنطن.

وخلال عامين قبل الحرب، انخرطت حكومة السودان في خطة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، في محاولة لإرضاء واشنطن وتحقيق أهداف سودانية.

كما ثبُت أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لا تمتلك ما يكفي من القوة للضغط، أو لا تريد الضغط، على طرفي الحرب لتحقيق ولو سلام مؤقت في السودان. فلم تنجح مفاوضات مدينة جدة، برعاية الولايات المتحدة والسعودية، في تحقيق أي اختراق في الأزمة السودانية، ولو وقف مؤقت لإطلاق النار.

وحاليا لم تظهر إدارة الرئيس دونالد ترامب اهتماما كبيرا بالملف السوداني وسط نهج لتقليل الانخراط الأميركي في الصراعات الدولية.

وانهارت أكثر من هدنة جرى التوصل إليها في جدة، وسط تبادل للاتهامات بخرقها بين الجيش و"الدعم السريع"، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر 2023. وتفيد مؤشرات، بحدوث تباعد بين واشنطن والخرطوم، إذ اتجهت الأخيرة إلى روسيا والصين وإيران، وحدث تبادل للزيارات بين المسؤولين.

وفي أكثر من مناسبة، شدد مسؤولون سودانيون على متانة واستراتيجية العلاقات مع الدول الثلاث، التي تمتلك ملفات خلافية عديدة مع الولايات المتحدة. وغداة اتصال وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، أدلى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بتصريح اعتبره المراقبون رسالة واضحة من الرجل الثاني في الدولة بأن الخرطوم غير راضية عن سياسات واشنطن الأخيرة تجاه السودان.

ومنذ اندلاع الحرب، تؤكد واشنطن على الحديث عن طرفي الحرب ومساواة الجيش بقوات الدعم السريع، وهو ما يرفضه البرهان، ويقول إن الجيش هو "قوات مسلحة وطنية" بينما الدعم السريع هو "قوة متمردة على الدولة". لكن لا أحد يشارك البرهان هذه الادعاءات التي في حقيقة الأمر عطلت التوصل إلى سلام حتى الآن.

ورغم التقدم العسكري للجيش السوداني في عدد من المناطق خاصة ولايتي الخرطوم والجزيرة لكن ليس من المرجح تحقيقه الحسم العسكري.