اتفاق المياه مقابل الطاقة بوابة لتعاون أكبر بين الأردن وإسرائيل

رغم تشويش الإسلاميين واعتراضهم على اتفاق المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل، مضى الأردن قدما في توقيع الاتفاق مدفوعا ببراغماتية. ويرى مراقبون أن الاتفاق سيفتح مجالات أوسع للتعاون.
شرم الشيخ (مصر) - يفتح توقيع الأردن وإسرائيل الثلاثاء لاتفاق تبادل المياه مقابل الطاقة بوابة لتعاون أكبر بين البلدين، ما قد ينعكس إيجابيا على تصويب العلاقات الدبلوماسية المتوقفة منذ مدة.
ووقّعت إسرائيل والأردن الثلاثاء مذكرة تفاهم للمضي قدما في اتفاق للمياه مقابل الطاقة، رغم مساعي الإسلاميين في عمان لإجهاض الخطوة التي تحتاجها المملكة بشدة لتفادي الفقر المائي.
وقاد الإسلاميون موجة من الاحتجاجات ضد النظام الأردني وشككوا في جدوى الاتفاق وتداعياته على وفرة المياه في المملكة، إلا أن دراسة أولية أثبتت مؤخرا أن المشروع قابل للتنفيذ.
وحاول الإسلاميون استثمار الاحتقان الاجتماعي جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد للتحريض على النظام الأردني وإحراجه أكثر، من خلال تصنيف الاتفاق في خانة التطبيع والخيانة، ما دفع بالنظام إلى استمهال توقيع الاتفاق الذي ظهر إلى العلن قبل عام.
وتتمثل الفكرة التي تم الإعلان عنها لأول مرة قبل عام في أن يقدم الأردن 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية ليتم تصديرها إلى إسرائيل. وفي المقابل، ستزود إسرائيل الأردن، الذي يعاني من ندرة المياه، بمئتي مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
الأردن سيقدم 600 ميغاوات من الطاقة إلى إسرائيل، بينما ستمده إسرائيل بمئتي مليون متر مكعب من المياه
وتم توقيع مذكرة التفاهم خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب27” في مصر، وذلك في فعالية استضافتها الإمارات التي أصبحت في عام 2020 أول دولة خليجية تطبع العلاقات مع إسرائيل، وهي شريكة أيضا في المشروع.
وأعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية أن مجموعات عمل من الجانبين عقدت لقاءات منتظمة على مدار العام الماضي، لدراسة الجوانب المالية والتخطيطية والتنظيمية للمشروع.
وأشارت إلى أن توقيع مذكرة التفاهم “يعكس الرغبة المشتركة لدى البلدين في التعامل مع أزمة المناخ من خلال التعاون عبر الحدود”.
ومنطقة الشرق الأوسط شديدة التأثر بتغير المناخ، وسيكون هذا التعاون هو الأول من نوعه بين إسرائيل والأردن.
وينظر النظام الأردني إلى الاتفاق بعين براغماتية بعيدا عن شعارات التطبيع، التي دأب الإسلاميون على الاتكاء عليها كلما زادت عزلتهم وتراجعت شعبيتهم.
واعتاد الإسلاميون، منذ أن خسروا في الانتخابات التشريعية السابقة وفقدوا ثقلهم التشريعي، على استثمار الاحتقان الشعبي جراء الأزمة الاقتصادية ومحاولة كسب تأييد الشرائح الشعبية الأردنية المعادية لإسرائيل، من أجل إحراج السلطة وتأليب الرأي العام ضد خططها لتفادي نقص مائي حاد، أثر على قطاع الزراعة والحياة اليومية للمواطنين.
وفقدت جماعة الإخوان المسلمين تأثيرها التشريعي في البرلمان الأردني بعد أن منيت بهزيمة قاسية في الانتخابات الفارطة، وبالتالي باتت عمليا خارج المعادلة البرلمانية.
النظام الأردني ينظر إلى الاتفاق بعين براغماتية بعيدا عن شعارات التطبيع، التي دأب الإسلاميون على الاتكاء عليها كلما زادت عزلتهم
وأمام هذا الواقع لم يبق للجماعة، حسب مراقبين، إلا تعبئة الشارع والرهان على ثقل اجتماعي تغذيه العشائرية للظهور في موقع قوة قادرة على ضبط الوضع العام، والإيحاء بأن السلطة ستكسب الود المجتمعي إذا عولت عليها.
وقال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة خلال جلسة برلمانية إن الأردن يعاني فقرا مائيا “غير مسبوق”، مشيرا إلى أن حصة الأردني من المياه “تبلغ نحو 90 مترا مكعبا سنويا لكل الاستخدامات، بينما يبلغ خط الفقر المائي دوليا 500 متر مكعب سنويا”.
وحذر من أن “في حال استمر الوضع المائي على ما هو عليه، ستصل حصة الفرد إلى 60 مترا مكعبا سنويا بحدود عام 2040”.
وأوضح أن كل يوم تأخير عن تنفيذ حلول ومشاريع إستراتيجية ومستدامة توفر كميات إضافية وجديدة من المياه، “يهدد واقعنا ومستقبل أجيالنا”.
والأردن من أكثر الدول التي تعاني نقصا في المياه، إذ يواجه موجات جفاف شديدة. وبدأ تعاونه مع إسرائيل في هذا المجال قبل معاهدة السلام الموقّعة في 1994. وكذلك تعاني إسرائيل من الجفاف، إلا أنها تملك تكنولوجيا متقدمة في مجال تحلية مياه البحر.
ويرى خبراء أن التعاون بين إسرائيل والأردن في مجال الموارد المائية ينتعش تحت ضغط التغير المناخي الذي يتسبب في موجات جفاف تزداد حدة، ما قد يلعب دورا أيضا في تحسين العلاقات بين البلدين على أصعدة أخرى.
وتقول إريكا وينثال، الأستاذة في جامعة ديوك الأميركية المتخصصة في السياسة البيئية العالمية، إن “المياه مورد يسمح للخصوم بإيجاد طرق للتعاون”.
التعاون بين إسرائيل والأردن في مجال الموارد المائية ينتعش تحت ضغط التغير المناخي الذي يتسبب في موجات جفاف تزداد حدة
وتضيف وينثال “إذا نظرنا إلى المعطيات نلحظ تعاونا بشأن المياه أكثر من نزاعات حولها، وعند الحديث عن نزاع يكون غالبا شفاهيّا”. ويحتاج الأردن سنويا إلى قرابة 1.3 مليار متر مكعب من المياه للاستخدامات المختلفة.
ويسعى الأردن للظفر بدعم مالي دولي لمشروع الناقل الوطني للمياه “العقبة – عمان لتحلية ونقل المياه”، ما قد يساهم في الحد من الآثار السلبية لفقر المياه الذي تعانيه المملكة، ويخفف من أزمات الفلاحين والمستهلكين على حد السواء.
ويرى مراقبون أن الدعم المالي الدولي لمشروع تحلية ونقل المياه سيحل، إلى جانب الاتفاق مع إسرائيل، بدرجة كبيرة ومستدامة أزمة المياه في المملكة.
ويقول المسؤول في منظمة “إيكو بيس ميدل إيست” غير الحكومية جدعون برومبرغ إن “توافق المصالح غير المسبوق قد يساعد في تصويب العلاقات الدبلوماسية شبه المقطوعة”، معتبرا أن “ثمة فرصا قليلة لمحاولة إعادة بناء الثقة، المياه والطاقة هما من هذه الفرص القليلة”.
والعلاقات بين عمان وتل أبيب مأزومة بسبب خلافات في عدة ملفات، إلا أن إشارات إيجابية تلوح في الأفق لتبريد الخلافات في ظل قيادة إسرائيلية جديدة أبدت انفتاحها على الجار الإقليمي المهم.
وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاء واضحا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (2009 – 2021)، إلى درجة دفعت العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى وصفها خلال جلسة حوارية في الولايات المتحدة بأنها “في أسوأ حالاتها”.