اتفاق الحبوب الأوكراني لم يخفف أزمة الغذاء العالمية

أغلب الشحنات ذهبت إلى الدول الميسورة… ماذا عن الدول النامية؟
الجمعة 2022/09/09
اتفاق تهدد روسيا بتقويضه

تثير وجهة شحنات الحبوب الأوكرانية موجة من الجدل، إذ أن أغلبها توجه إلى الدول الميسورة وهو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توصيف الأمر بالخيانة. ورغم انفراج أزمة محاصرة الموانئ الأوكرانية لم تساهم الإمدادات في تخفيف أزمة الغذاء العالمية.

كييف - أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء فكرة تتعلق بإعادة فتح موضوع الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وقال إن موسكو والعالم النامي “تعرضوا للخداع”.

وكان الاتفاق، الذي أُبرم في يوليو وأُنشئ بموجبه ممر عبور بحري آمن، يهدف إلى تخفيف حدة نقص الغذاء على مستوى العالم، نظرا إلى أن عملاء أوكرانيا من بينهم بعض أفقر دول العالم.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الاتفاق سيخفف وطأة الأوضاع الصعبة في دول نامية “على حافة الإفلاس والأشخاص الأشد ضعفا على شفا المجاعة”. ورغم ذلك، قام الاتفاق من البداية على أساس تسهيل الشحنات التجارية.

وانصب التركيز بطبيعة الحال في المراحل الأولى أيضا على تحريك السفن التي ظلت عالقة في الموانئ الأوكرانية لعدة أشهر، وكان معظمها محملا بالذرة ووجهتها الأخيرة في دول متقدمة مثل إسبانيا لاستخدامها علفا للحيوانات أو وقودا حيويا.

وكان الجزء الأكبر من محصول القمح للعام الماضي في أوكرانيا، الذي يتم حصاده قبل محصول الذرة، قد شُحن بالفعل عندما دخلت القوات الروسية البلاد.

سيتعين شحن كميات أكبر بكثير عبر الممر المائي الأوكراني حتى يكون لها تأثير واضح على إمدادات الغذاء العالمية

وتعتمد دول نامية مثل الصومال وإريتريا بشكل كبير على واردات القمح من كل من روسيا وأوكرانيا.

وأقام الاتفاق ممرا آمنا لشحن الصادرات من ثلاثة موانئ أوكرانية. وكان التركيز في البداية على السماح بمغادرة السفن المحاصرة منذ بدء الغزو في فبراير.

وتم شحن حوالي 2.07 مليون طن من المنتجات الزراعية حتى الآن، معظمها من الذرة، لكن الشحنات احتوت أيضا على كميات من فول الصويا وزيت دوار الشمس والعلف المصنوع من طحين دوار الشمس والشعير. ووصلت شحنات القمح إلى ما يزيد قليلا عن نصف مليون طن.

وتعكس هذه الأرقام دور عنصر التوقيت، إذ بدأ الغزو الروسي بعد أن كان قد تم بالفعل تصدير كمية كبيرة من محصول قمح العام الماضي في فبراير، ذلك لأن حصاده يسبق حصاد الذرة بعدة أشهر وبالتالي يتم شحنه في وقت مبكر.

وهناك ما يقدر بثلاثة ملايين طن من الحبوب في الموانئ يجب نقلها أولا. ومن المحتمل أن يستغرق النقل حتى منتصف سبتمبر تقريبا.

وقال وزير الزراعة الأوكراني ميكولا سولسكي الأسبوع الماضي إن الصادرات الزراعية قد تزيد إلى ما بين ستة ملايين و6.5 مليون طن في أكتوبر، أي ضعف الحجم المسجل في يوليو.

ومع ذلك، لا يزال عدد السفن الكبيرة القادمة للحفاظ على الوتيرة اللازمة لنقل الكمية المطلوبة قليلا جدا. كما أن استبعاد ميكولايف، ثاني أكبر ميناء لنقل الحبوب في البلاد، بحسب بيانات الشحن لعام 2021، يحول عملية التصدير إلى تحد ويضع في طريقها العراقيل.

ولعب انخفاض حجم الشحن من أوكرانيا بشكل حاد دورا في رفع أسعار الغذاء العالمية في وقت يتزايد فيه الجوع في العالم. كما ساهمت جائحة كوفيد – 19 والصدمات المناخية في تضخم أسعار الغذاء.

وسيتعين شحن كميات أكبر بكثير عبر الممر المائي حتى يكون لها تأثير واضح على الإمدادات العالمية.

ولدى أوكرانيا حوالي 20 مليون طن من الحبوب متبقية من محصول العام الماضي المتراكم في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى محصول القمح لهذا العام، الذي يقدر بنحو 20 مليون طن أخرى.

وتتمتع الموانئ الثلاثة المشمولة بالاتفاق، وهي أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني، بقدرة شحن مجمعة تبلغ حوالي ثلاثة ملايين طن شهريا. ويتوقع البعض أن هذا المستوى من التصدير يمكن أن يتحقق في أكتوبر.

ومع ذلك، سيحتاج نقل مثل هذه الكمية الضخمة من الحبوب إلى عدد كبير من السفن وقد يخشى بعض مالكي السفن من دخول منطقة حرب، خاصة مع التهديد الذي تشكله الألغام وارتفاع تكلفة التأمين.

وارتفعت أسعار القمح في مجلس شيكاغو للتجارة ارتفاعا حادا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا لكنها تراجعت بالفعل إلى مستويات ما قبل الغزو بحلول أوائل يوليو قبل أسابيع من الاتفاق على إقامة الممر البحري.

وتشمل العوامل الرئيسية التي أدت إلى انخفاض أسعار القمح في شيكاغو إنتاج روسيا، المصدر الرئيسي، كمية قياسية من محصول هذا العام، وتوقعات اقتصادية عالمية قاتمة وارتفاع الدولار.

ومع ذلك، اعتبر المحللون إمكانية زيادة التصدير من أوكرانيا عاملا لخفض الأسعار بالسوق على الرغم من أنه قد تم شحن حوالي 500 ألف طن من القمح فقط عبر الممر حتى الآن. وصدرت أوكرانيا حوالي 18 مليون طن سنويا في المواسم الأخيرة.

وجهة الحبوب الأوكرانية غير معلومة
وجهة الحبوب الأوكرانية غير معلومة

ولا تزال أسعار المواد الغذائية الأساسية المعتمدة على القمح مثل الخبز والمعكرونة أعلى بكثير من مستويات ما قبل الغزو في العديد من الدول النامية على الرغم من انخفاض العقود الآجلة في شيكاغو بسبب ضعف العملات المحلية وارتفاع أسعار الطاقة مما أدى إلى ارتفاع التكاليف مثل النقل والتعبئة والتغليف.

وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بزرع العديد من الألغام البحرية التي تطفو حاليا حول البحر الأسود. وتشكل هذه الألغام تهديدا كبيرا. وقال أحد أفراد طاقم السفينة رازوني، التي ترفع علم سيراليون، إنها “الشيء الوحيد الذي يخشاه”.

وانجرفت الألغام بعيدا عن شواطئ أوكرانيا واستقرت في نهاية المطاف في مياه رومانيا وبلغاريا وتركيا حيث أبطلت فرق الغطس العسكرية هناك مفعولها.

وقد يستغرق إزالتها شهورا ولم يكن هناك وقت كاف للقيام بذلك قبل دخول اتفاق الحبوب حيز التنفيذ.

أنطونيو غوتيريش يؤكد أن الاتفاق سيخفف وطأة الأوضاع الصعبة في دول نامية على حافة الإفلاس والأشخاص الأشد ضعفا على شفا المجاعة

ونشر مركز التنسيق المشترك، الذي يتخذ من إسطنبول مقرا له ويشرف على تنفيذ الاتفاق ويديره مسؤولون من تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، الشهر الماضي إجراءات طال انتظارها بخصوص قناة الشحن، والتي تهدف إلى تهدئة مخاوف شركات التأمين ومالكي السفن.

وقالت شركات التأمين في وقت سابق إنها مستعدة لتوفير غطاء مالي إذا كانت هناك ترتيبات على مرافقة قوات البحرية الدولية للسفن وإستراتيجية واضحة للتعامل مع الألغام البحرية.

وفي إحدى الخطوات الأولى بعد اتفاق الثاني والعشرين من يوليو، وضعت شركات لويدز أوف لندن وأسكوت ومارش تأمينا على الشحن البحري للحبوب والمنتجات الغذائية، التي تخرج من موانئ البحر الأسود الأوكرانية، بتغطية مالية قدرها 50 مليون دولار لكل رحلة في ظل الحرب.

ومن المرجح أن تظل التكلفة الإجمالية للتأمين على السفن باهظة. ويشمل التأمين شرائح منفصلة من التغطية والإبحار في الموانئ الأوكرانية.

وطبقت أوكرانيا في سبتمبر مرسوما يسمح للبحارة بمغادرة البلاد على الرغم من قيود الحرب في خطوة تهدف إلى تحرير هذه القوة العاملة المهمة في مجالي تصدير الحبوب الأوكرانية وصناعة الشحن العالمية على النطاق الأوسع.

وكان حوالي 2000 بحار من جميع أنحاء العالم عالقين في الموانئ الأوكرانية في بداية الصراع. وانخفض هذا العدد وفقا لتقديرات غرفة الشحن الدولية إلى حوالي 420 بحارا.

5