اتفاق الجيش والمدنيين يئد خطط قوى الشد إلى الوراء في السودان

حزمة مساعدات مشتركة أقرتها الإمارات والسعودية للسودان، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لدعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوداني.
الاثنين 2019/04/29
في الطريق الصحيح

الاتفاق المبدئي بين المجلس العسكري الانتقالي وقادة الحراك الشعبي في السودان الممثلين في تحالف “قوى الحرية والتغيير” بشأن تشكيل مجلس سيادي مشترك يؤسس لمرحلة جديدة ينشد فيها السودانيون الاستقرار وطي صفحة حكم كتم أنسهم على مدى 30 سنة.

الخرطوم- توصل قادة الحراك الشعبي في السودان والمجلس العسكري الذي يتولى قيادة البلاد إلى اتفاق بشأن تشكيل مجلس سيادي مشترك يضم مدنيين وعسكريين، في خطوة تشكل اختراقا نوعيا للأزمة المندلعة منذ إزاحة الرئيس عمر البشير عن السلطة، وهي خطوة من شأنها أن تقطع الطريق على مساعي النظام المنهار وبعض القوى الإقليمية لنسف الإنجازات التي تحققت، وقلب المعادلة لصالحهم.

وجاء الاتفاق المهم تلبية لمطالب الآلاف من المتظاهرين المعتصمين منذ ثلاثة أسابيع أمام مقرّ القيادة العامّة للقوّات المسلّحة السودانيّة في الخرطوم للمطالبة بنقل السلطة إلى إدارة مدنيّة. وباتوا حالياً ينتظرون التشكيل الفعلي للمجلس المشترك الذي أُعلن عنه السبت، قبل اتخاذ قرار بشأن مصير اعتصامهم.

ويندرج هذا الاعتصام في إطار الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في 19 ديسمبر ضد قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف. إلا أنها سرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات غير مسبوقة ضد البشير دفعت الجيش إلى الاستجابة لها وعزله عن السلطة في سيناريو شبيه بإسقاط حكم جعفر نميري (-1985 1971).

وبعد رحيل البشير الذي حكم السودان ثلاثين عاما بقبضة من حديد، واصل المتظاهرون الضغط لحض المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلّم زمام الحكم في البلاد، على التخلي عن السلطة لفائدة المدنيين ومحاكمة البشير والمسؤولين الرئيسيين في نظامه.

وقال ممثل المحتجّين أحمد الربيع الذي شارك في الاجتماع الأول للجنة المشتركة التي تضمّ ممثلين عن الطرفين، “اتّفقنا على مجلس سيادي مشترك بين المدنيّين والعسكريّين”، وتنسف استجابة المجلس العسكري لمطالب قادة الحراك الاتهامات التي تروج لانقلاب وعدم وجود نية للجيش في تسليم السلطة.

محمد سيف السويدي: العلاقات بين الإمارات والسودان نموذج يحتذى به للعلاقات بين الأشقاء
محمد سيف السويدي: العلاقات بين الإمارات والسودان نموذج يحتذى به للعلاقات بين الأشقاء

وسيشكل هذا المجلس المشترك الذي سيحلّ محل المجلس العسكري برئاسة الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، السلطة العليا للبلاد وسيكون مكلفاً بتشكيل حكومة مدنية انتقالية جديدة لإدارة الشؤون الجارية وتمهيد الطريق لأول انتخابات بعد البشير. وأضاف الربيع “الآن المشاورات جارية لتحديد نسب (مشاركة) المدنيّين والعسكريّين في المجلس”.

ويقول مراقبون إن الاتفاق يعد اختراقا جوهريا، ويعكس مدى وعي المجلس العسكري بالمخاطر التي تتهدد البلاد في حال استمرت الأزمة، خاصة مع وجود قوى الشد العكسي المدعومة من جهات إقليمية تعتبر ما يحدث في السودان تهديدا لمصالحها الاستراتيجية.

وقد لوحظت في الأيام الأخيرة حملة إعلامية ضخمة قادتها وسائل إعلام قطرية وتركية هدفها إشاعة أجواء من التشكيك والريبة تجاه المجلس العسكري. ويرى المراقبون أن تلك الحملة متوقعة فسقوط نظام البشير وإبداء المجلس العسكري نية في تصويب مسار الأمور وإعادة النظر في الاتفاقيات المجحفة التي تنتقص من سيادة البلاد، وتحجيم الإسلاميين كل ذلك يدفع قطر وتركيا إلى الاستنفار ومحاولة خلخلة الوضع.

وقال أحد المتظاهرين -محمد ندجي- الأحد “أنا سعيد بنتائج المحادثات” التي جرت بين تحالف “الحرية والتغيير” والمجلس العسكري، مضيفاً “لكن ننتظر إعلان تشكيل المجلس”. واعتبر متظاهر آخر -محمد أمين- أن “ما حصل هو خطوة في اتجاه إنشاء سلطة مدنية”. وتابع “عندما تُشكل حكومة مدنية، يمكننا إذاً القول إننا على الطريق الصحيح”.

ورأت متظاهرة -سوسن بشير- أن “الاتفاق خطوة في اتجاه استقرار البلاد”. وقالت “لكننا لن نفضّ الاعتصام قبل إنشاء حكومة مدنية”. وبحسب ناشطين، سيضم المجلس 15 عضواً، هم ثمانية مدنيين وسبعة جنرالات.

وكانت الدول الغربية والأفريقية دعت إلى نقل السلطة من المجلس العسكري الانتقالي الذي كان من المفترض أن يحكم لمدة عامين، إلى إدارة مدنيّة. واعتبر المعارض السوداني البارز الصادق المهدي السبت أن الإطاحة بالبشير وتوقيفه من جانب الجيش لم يكونا “انقلاباً” محذّراً من أن “النظام المخلوع قد يحاول القيام بانقلاب”.

ودعا أيضاً إلى انضمام السودان “فوراً” إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي توقيف بحق البشير لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم بحق الإنسانية في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2008. ولطالما نفى البشير هذه الاتهامات.

وإضافة إلى الأزمة السياسية، يواجه السودان الذي يعدّ حوالي أربعين مليون نسمة وقد حُرم من ثلاثة أرباع احتياطه النفطي منذ استقلال جنوب السودان في 2011، أزمة اقتصادية ويعاني خصوصاً من نقص حاد في العملات الأجنبية.

وفي خطوة لدعم الاستقرار في هذا البلد العربي، وقع صندوق أبوظبي للتنمية الأحد اتفاقية مع بنك السودان المركزي، يتم بموجبها إيداع 250 مليون دولار، أي ما يعادل 918 مليون درهم، وذلك بهدف دعم السياسة المالية للبنك وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي في السودان.

وتأتي الوديعة كجزء من حزمة مساعدات مشتركة أقرتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للسودان، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لدعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوداني.

سيشكل المجلس المشترك الذي سيحلّ محل المجلس العسكري السلطة العليا للبلاد وسيكون مكلفاً بتشكيل حكومة مدنية انتقالية جديدة لإدارة الشؤون الجارية وتمهيد الطريق لأول انتخابات بعد البشير

ووفقا لوكالة أنباء الإمارات (وام)، فقد وقع الاتفاقية عن جانب الصندوق محمد سيف السويدي مدير عام صندوق أبوظبي للتنمية، وعن الجانب السوداني آمنة ميرغني حسن التوم مدير عام الأسواق المالية في بنك السودان المركزي، وذلك بحضور خليفة القبيسي نائب مدير عام الصندوق وعدد من المسؤولين في كلا الجانبين.

ولفت السويدي إلى أن “العلاقات بين دولة الإمارات والسودان تعتبر نموذجاً يحتذى به للعلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة”. من جانبها، أشادت التوم بالدعم الذي تقدمه الإمارات للشعب السوداني، مؤكدةً تقدير السودان للجهود التي تبذلها دولة الإمارات في سبيل مساعدة السودان على النهوض بالاقتصاد وتجاوز التحديات المالية والاقتصادية.

وصندوق أبوظبي للتنمية هو مؤسسة تابعة لحكومة أبوظبي ويتولى مسؤولية تقديم المساعدات الخارجية. وقد بدأ نشاطه التنموي في السودان منذ عام 1976، حيث مول الصندوق العديد من المشاريع التنموية في قطاعات أساسية مثل الصناعة والطاقة والنقل والمواصلات والمياه والري وغيرها.

وكانت السعودية والإمارات أعلنتا قبل أسبوع تقديم حزمة مشتركة من المساعدات للسودان، بإجمالي ثلاثة مليارات دولا: تتضمن 500 مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني لتعزيز مركزه المالي، وتخفيف الضغوط على الجنيه السوداني. كما تتضمن المساعدات توفير مواد غذائية وأدوية ومشتقات نفطية لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوداني.

2