اتفاقية أغادير التجارية تحتاج إلى واقع تشاركي جديد

تغيرات الاقتصاد العالمي جعلت الدول الأعضاء تبتعد عن تنفيذ الشراكة وقوضت أهداف المبادلات البينية.
الجمعة 2025/03/21
أيها الشركاء، ما سبب تخلفكم عن الركب

يؤكد خبراء أن اتفاقية أغادير التجارية التي تضم ست دول عربية تحتاج إلى واقع تشاركي جديد بالنظر إلى التغيرات الكثيرة التي طرأت على طريقة التعاملات بفعل التكنولوجيا والتوترات وتشكل التحالفات وإقامة الشراكات الشاملة، ما جعلها لا تحقق أهدافها منذ إطلاقها قبل أكثر من عقدين.

الرباط - يصطدم طموح زيادة المبادلات التجارية بين المغرب ومصر وتونس والأردن وفلسطين ولبنان بصعوبات كثيرة بعد 21 عاما من توقيع اتفاقية أغادير، ما جعلها لا تصل إلى المستوى المأمول.

ولذلك يرى خبراء ضرورة تحديث الاتفاقية بالنظر إلى التحديات والمستجدات العالمية، لأن العلاقات الاقتصادية بين الشركاء يفترض ألا تتسم بالجمود، بل بالتطور ومواكبة المتغيرات من حين لآخر.

ووقع المغرب ومصر وتونس والأردن أواخر فبراير 2004 في الرباط الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ في 2007. وكان هدفها إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر، وإقرار إعفاءات جمركية للمنتجات ذات المنشأ المحلي، وزيادة التبادل البيني ومع الاتحاد الأوروبي.

وفي 2020 انضم لبنان والسلطة الفلسطينية إلى الاتفاقية، التي تسعى أيضا إلى تعزيز ودعم التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء.

وأفاد المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب في تقرير مؤخرا بأن البلاد سجلت عجزا تجاريا حادا مع دول الاتفاقية. وخلص إلى أن سياسة الانفتاح، عبر اتفاقيات التبادل الحر، بحاجة إلى “مراجعة وتقويم وتحسين.”

محمد نظيف: بات ضروريا تحيين الاتفاقية بالنظر إلى المتغيرات العالمية
محمد نظيف: بات ضروريا تحيين الاتفاقية بالنظر إلى المتغيرات العالمية

ودعا إلى تلبية جزء كبير من الطلب المحلي عبر عرض بديل عن الواردات الضخمة، والعمل على جعل الإنتاج تنافسيا في سوق التصدير.

ووفق تقرير لمكتب الصرف نشره في يناير الماضي، ارتفعت واردات المغرب من مصر من 47.5 مليون دولار في 2023 إلى 80.4 مليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2024.

في المقابل تراجعت صادرات المغرب إلى مصر من 1.7 مليون دولار في 2023 إلى 1.1 مليون دولار خلال الفترة نفسها.

وبلغ حجم المبادلات التجارية بين المغرب والأردن 32 مليون دولار عام 2017، و31 مليون دولار عام 2018، و20 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024.

وسجل حجم المبادلات التجارية بين الأردن وتونس نحو 35 مليون دولار عام 2023، مقابل 41 مليون دولار في العام السابق، وفق إحصاءات رسمية.

وحسب تقرير مصري عن العلاقات التجارية بين دول اتفاقية أغادير صدر عام 2021، زادت قيمة صادرات البلد بين 2.8 و5.2 في المئة خلال الفترة قبل وبعد تنفيذ الاتفاقية.

وأوضح تقرير لمجلة الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعي أنه “تبين التأثير السلبي على مصر، إذ يظهر تضاؤل الصادرات لدول الاتفاقية، مقابل وجود أثر إيجابي للاتفاقية على الأردن والمغرب وتونس.”

وأكد أنه “رغم إزالة القيود الجمركية والإجراءات غير الجمركية بين مصر وباقي دول اتفاقية، إلا أن حجم التبادل التجاري بينها وهذه الدول يتسم بالتضاؤل.”

رغم إزالة القيود ظل حجم التبادل التجاري بين دول الاتفاقية متضائلا
رغم إزالة القيود ظل حجم التبادل التجاري بين دول الاتفاقية متضائلا

وأفاد بأن “إجمالي قيمة التجارة الخارجية المصرية مع باقي دول الاتفاقية بلغ نحو 1.7 مليار دولار بين 2007 و2019، ما يمثل نحو 1.92 في المئة من إجمالي قيمة التجارة الخارجية ككل، والبالغة نحو 89.3 مليار دولار خلال هذه الفترة.”

وفرض المغرب رسوما إضافية على بعض المنتجات الأجنبية لحماية السوق من الإغراق، منها الدفاتر المدرسية التونسية التي تسببت في أزمة مع البلد الجار.

ولجأت تونس إلى منظمة التجارة العالمية للتدخل، بعدما فرضت الرباط تلك الرسوم في مايو 2018 لمدة أربعة أشهر، وهو ما اعتبرته الرباط “رسما لمكافحة الإغراق على واردات الدفاتر من تونس.”

ومنذ ذلك التاريخ لا يزال المغرب يمدد تلك الرسوم، واعتبرت الحكومة في فبراير الماضي أن فرض رسوم إضافية تصل حتى 51 في المئة هو “التزام بقوانين منظمة التجارة العالمية، في مواجهة عمليات إغراق” للسوق المحلية.

ويتنافس المغرب وتونس في قطاعات اقتصادية متعددة، منها إنتاج الفوسفات، إذ يملك البلدان احتياطيات مهمة من هذه المادة. كما يتنافسان على جذب الاستثمارات الأجنبية، التي يتحكم فيها أساسا ارتباط المعاملات التجارية للبلدين بفرنسا، وبالاتحاد الأوروبي.

ولمدة طويلة لا تعقد بعض دول اتفاقية أغادير اجتماعات للجان العليا المشتركة، ما أثر سلبا على العلاقات الاقتصادية بينها، خاصة أن هذه اللجان معنية ببحث سبل تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية وإيجاد حلول للصعوبات التجارية.

ومنذ أكثر من 8 سنوات لم تُعقد أي دورة جديدة للجنة العليا المشتركة المغربية – التونسية، ففي يوليو 2017 احتضنت الرباط الدورة الـ19 لهذه اللجنة برئاسة رئيسي وزراء البلدين.

لفترة طويلة لم تعقد بعض دول اتفاقية أغادير اجتماعات للجان العليا المشتركة، ما أثر سلبا على العلاقات الاقتصادية بينها

وعلى خلفية مشكلات تجارية برزت مؤخرا بين المغرب ومصر، اتفق البلدان على آليات جديدة لتجاوزها، وذلك بعد جدل تجاري أدى إلى عرقلة دخول حاويات بضائع إلى كل منهما.

واتفقت القاهرة والرباط، في فبراير الماضي، على “وضع خط اتصال مباشر لإزالة العوائق بين البلدين من خلال تتبع الإحصائيات والعراقيل التي تحول دون تحقيق الأهداف المتفق عليها وإيجاد الحلول لإزالتها.”

ومعلقا على مؤشرات الاتفاقية، قال الخبير الاقتصادي المغربي محمد نظيف لوكالة الأناضول إن “بروز تحديات وصعوبات بين دول الاتفاقية يأتي في سياق تجاري دولي يتسم بالتطور والكثير من المستجدات.”

وأضاف أن “آخرها (المستجدات هو) الصراع التجاري بين الولايات المتحدة ودول مثل الصين وكندا، بعد صعود (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب إلى السلطة” في يناير 2025.

وأوضح أن “تطور الاقتصاد العالمي يحتم على الدول التي تربطها اتفاقيات الجلوس إلى طاولات المفاوضات لمعرفة الصعوبات الطارئة.”

ودعا نظيف إلى تحديث اتفاقية أغادير بالنظر إلى الصعوبات المطروحة والمستجدات الطارئة، فبعد مرور مدة طويلة على بدء التنفيذ، وبروز نقاط قوة وضعف، بات ضروريا تحيين الاتفاقية.

وشدد على أن إعادة النظر في الاتفاقية في صالح دولها، فالعلاقات الاقتصادية لا تتسم بالجمود فقط، بل بالتطور وبروز الكثير من المستجدات.

وقال إن “الاتفاقية تم توقيعها خلال عام 2004 في سياق دولي تجاري عرف الكثير من التغييرات، وإدخال تعديلات يمكن أن يقوي المبادلات بين دول الاتفاقية.”

وانطلاقا من المعطيات والظروف الاقتصادية الجديدة لكل بلد وتطوراته الاقتصادية والسياسية وخصوصيته، من الطبيعي أن تظهر تحديات تجارية بين دول الاتفاقية، وفق نظيف.

وختم الخبير الاقتصادي المغربي بتأكيد ضرورة سعي دول الاتفاقية إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بينها، لمواجهة التحديات المفروضة.

10