اتفاقيات وتعهدات عراقية بحماية حدود إيران في زيارة بزشكيان إلى بغداد

الظروف العراقية الحافة بزيارة الرئيس الإيراني الجديد إلى العراق وما يميّزها من ضعف في حكومة السوداني ناجم عن اشتداد الصراعات بين أركانها تفتح المجال لبزشكيان للحصول على مكاسب كبيرة من الزيارة لتكون أولى مساهماته في جهود الإبقاء على الساحة العراقية مجالا حيويا لبلاده ومسرحا لصراعاتها.
بغداد - بدأ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأربعاء زيارة إلى العراق هي الأولى له خارج حدود بلاده منذ انتخابه في يوليو الماضي.
وجاء اختيار الوجهة العراقية كمظهر على مواصلة تركيز السياسة الإيرانية في عهد الرئيس الجديد على توطيد النفوذ داخل الساحة العراقية التي تحولت إلى مجال حيوي لإيران اقتصاديا وماليا، كما باتت مسرحا لخوض صراعاتها وتصفية حساباتها ضدّ كبار أعدائها ومنافسيها على النفوذ في المنطقة.
واعتُبرت الزيارة من قبل مختصّي الشؤون الإيرانية والعراقية منطلقا عمليا لجهود حكومة بزشكيان للحفاظ على العراق متنفسا اقتصاديا لإيران ومنفذا للتهرّب من العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى جعل أراضيه قاعدة متقدمة لمواجهة الحركات المسلّحة المعارضة لنظامها.
ويرى هؤلاء المختصّون أنّ حالة التوتّر السياسي التي تميّز الوضع الداخلي في العراق بسبب اشتداد الصراعات بين أبرز القوى المشكّلة للسلطة بما في ذلك القوى الحليفة لإيران، تساهم في إضعاف موقف السوداني وتفتح الطريق لطهران لتمرير مطالبها التي قد ينطوي بعضها على حرج لبغداد وخصوصا ما يتعلّق منها بعدم الالتزام بالعقوبات المذكورة.
وفي مظهر على التوترات الجارية في العراق والتي يُعزى الكثير منها إلى الصراعات الإقليمية والدولية على النفوذ داخل أراضيه، حطّت طائرة بزشكيان في مطار بغداد الدولي بعد ساعات قليلة من سماع دوي انفجار في قاعدة بالمطار يشغّلها مستشارون للتحالف الدولي، حسبما أفادت القوات الأمنية العراقية، فيما تحدث مسؤول أمني عن سقوط صاروخين على القاعدة.
وكان مدخل المطار نفسه قد شهد قبل أكثر من أربع سنوات مقتل القائد الكبير في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى جانب القيادي في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية أميركية لخصت حدّة الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة داخل الأراضي العراقية.
وتوجه بزشكيان بعد استقباله من قبل رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى موقع مقتل سليماني والمهندس حيث وضع إكليلا من الزهور في الموقع.
وتستمر زيارة بزشكيان إلى العراق ثلاثة أيام يعقد خلالها بالإضافة إلى الاجتماعات الرسمية، لقاءات مع إيرانيين في العراق ومع رجال أعمال، ويزور مدن النجف وكربلاء والبصرة وكذلك إقليم كردستان الذي تربطه بطهران علاقات متوترة على وجه العموم بسبب اتهامات طهران لسلطاته بإيواء قوى معادية لها وفتحها المجال لأنشطة استخبارية مضادة لأمنها، وتوجيه الحرس الثوري الإيراني بناء على تلك الاتهامات لضربات على مواقع داخل الإقليم.
ورغم حالة عدم الثقة التي تمّيز العلاقة بين طهران وأربيل مركز كردستان العراق وموطن نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيس لسلطات الإقليم فإن إيران لا تيأس من محاولة ترويض قيادات الحزب الذين تحوّلوا إلى حلفاء لتركيا المنافسة بدورها على النفوذ في العراق.
واستقبلت طهران في مايو الماضي القيادي الكبير في الحزب نيجيرفان بارزاني الذي يشغل منصب رئيس للإقليم، فيما أعلن القنصل الإيراني في أربيل نصرالله رشنودي أن زيارة بزشكيان إلى مركز الإقليم تأتي تلبية لدعوة من بارزاني.
وقال بزشكيان قبل مغادرته طهران إن “هذه الرحلة ستكون جيدة وفعالة من أجل خلق وتعميق العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية مع الدول الإسلامية بدءا بالعراق، حتى نتمكن من حل الكثير من المشاكل التي قد تكون قائمة”.
وعلى صعيد عملي شهد اليوم الأول من زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق توقيع أربع مذكرات تفاهم في مجالات التربية والإعلام والاتصالات والزراعة والمناطق الحرة.
ووصف السوداني تلك المذكّرات بأنّها ستمثل إلى جانب مذكرات موقعة سابقا “خارطة عمل واعدة للمضي في تعزيز التعاون المشترك بين البلدين”، مؤكدا أنه “كلما اتسعت هذه الشراكات، فإنها تنعكس إيجابا على مستوى الاستقرار الإقليمي”.
وقال بزشكيان من جهته إنه بحث مع السوداني “مشاريع إستراتيجية على المدى البعيد ستؤدي إلى تعاون أكبر بين البلدين”.
وتوقع المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن تكون الزيارة “مهمة جدا” لكلا البلدَين كـ”مؤشر على أن التقارب باق على نفس المستوى وأن الطرفين يتبادلان نفس المزاج في تحسين العلاقات وإنه لن يتغير في ظل وجود رئيس إيراني إصلاحي”.
وكان بزشكيان تعهد بإعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة في إطار سعيه إلى تخفيف عزلة إيران الدولية وتخفيف تأثير العقوبات الغربية على اقتصاد الجمهورية الإسلامية.
وذكّر البيدر بأن “إيران بحاجة إلى السوق العراقية لتصدير بضائعها وأيضا بحاجة إلى استيراد العراق من الجانب الإيراني حتى في مجال الطاقة”.
ويهيمن حلفاء إيران العراقيون على البرلمان وكان لهم دور أساسي في اختيار رئيس الحكومة الحالي. ويزور سنويا ملايين الحجاج الإيرانيين مدينتَي النجف وكربلاء العراقيتين المقدستين.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن حجم التجارة غير النفطية بين إيران والعراق بلغ حوالي خمسة مليارات دولار بين مارس 2024 ويوليو 2024.
وتصدّر إيران كذلك ملايين الأمتار المكعبة من الغاز يوميا إلى العراق لتشغيل محطات الطاقة. وهناك متأخرات في الدفع على العراق مقابل هذه الواردات التي تغطي 30 في المئة من احتياجاته من الكهرباء، تقدّر بمليارات الدولارات.
وفي سبتمبر 2023 أطلق البلدان مشروع ربط البصرة – الشلامجة للسكك الحديد وهو خط سيربط المدينة الساحلية الكبيرة في أقصى جنوب العراق بمعبر الشلامجة الحدودي على مسافة أكثر من 32 كيلومترا.
حالة التوتّر السياسي التي تميّز الوضع الداخلي في العراق تساهم في إضعاف موقف السوداني وتفتح الطريق لطهران لتمرير مطالبها
وجاءت زيارة بزشكيان إلى العراق وسط اضطرابات في الشرق الأوسط أثارتها الحرب التي اندلعت في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي وقامت على إثرها المجموعات المسلحة التابعة لما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويضم إلى جانب جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني عددا كبيرا من الميليشيات العراقية، بتوجيه ضربات لإسرائيل وللقوات الأميركية المتواجدة في سوريا والعراق الأمر الذي وضع الأخير على حافة التورّط في صراع خطير.
وتحاول الحكومة العراقية الحالية على غرار سابقاتها الحفاظ على توازن دقيق بين العلاقات المتينة مع إيران من جهة، والعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة من جهة مقابلة.
وقال رئيس الوزراء العراقي خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده الأربعاء مع الرئيس الإيراني إن بغداد وطهران ترفضان توسيع الصراع الدائر في غزة.
كما أكّد أيضا موقف حكومته “المبدئي والدستوري والقانوني بعدم السماح لأي جهة بارتكاب عدوان أو عمل مسلح أو تهديد عابر للحدود ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتخذ منطلقا من الأراضي العراقية”.
ويشير ذلك إلى التعاون الأمني المتنامي بين الطرفين في مواجهة الحركات المسلحة المعارضة للنظام الإيراني والناشطة منذ عقود في مناطق بإقليم كردستان العراق.
وفي مارس 2023 وقّع العراق وإيران اتفاقا أمنيا بعد أشهر قليلة على تنفيذ طهران ضربات ضد مجموعات كردية معارضة في شمال العراق. ومنذ ذلك الحين اتفق البلدان على نزع سلاح المجموعات المتمرّدة الكردية الإيرانية وإبعادها عن الحدود المشتركة.
وجدّد الرئيس الإيراني، الأربعاء، تأكيد الحاجة إلى تفعيل الاتفاقيات الأمنية مع العراق بشكل كامل “لردع الإرهابيين والأعداء” الذين يريدون استهداف الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتابع خلال المؤتمرالصحفي المشترك مع السوداني “نحن بحاجة إلى اتفاقات أمنية وتعاون لصد هؤلاء وكي نتعاون في ما بيننا لمحاربة الإرهاب الداعشي والتهريب”. ورأى أن الاتفاقيات التي أبرمت حتى الآن “حققت نتائج جيدة ولمواصلة الطريق فإننا بحاجة إلى تشخيص نقاط الضعف في الاتفاقيات السابقة وإزالتها”.