اتفاقات تشكيل الحكومات المحلية العراقية تنهار تباعا والمحافظات تغرق مجددا في فوضى صراع المناصب

صراعات في نينوى وكركوك وديالى وذي قار تشل حكوماتها وتصرفها عن مهامها الخدمية والتنموية.
الخميس 2024/11/07
عاصمة الغضب الشعبي من عاصفة إلى أخرى

الصراعات على مناصب الحكومات المحلية للمحافظات العراقية، والتي عادت إلى الظهور مجدّدا بعد أن كانت قد أخمدت بشكل مؤقت باتفاقات هشة على تقاسم تلك المناصب، باتت مؤشرا على تشوهات النموذج "الديمقراطي" المطبّق في العراق وما يسببه من اختناقات سياسية تشل هياكل الدولة وتعطّل مصالح مواطنيها بعد كل مناسبة انتخابية.

بغداد- عادت الحكومات المحلية المكلفة بإدارة شؤون المحافظات العراقية لتغرق مجدّدا في فوضى الصراع على المناصب وذلك قبل مرور بضعة أشهر على تشكيلها الذي كان قد تأخر أصلا بعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات في شهر ديسمبر من العام الماضي بسبب الصراعات ذاتها.

ويأتي اشتعال الصراعات على مناصب تلك الحكومات المُدرّة لمنافع مادية كبيرة ومكاسب سياسية مجزية لمن يشغلها، من جديد بعد هدوء نسبي ومؤقّت بفعل اتفاقات هشّة بين القوى التي شاركت في الانتخابات على تقاسم تلك المناصب في ضوء مبدأ المحاصصة المعتمد في العملية السياسية العراقية والذي يمثّل أساس ديمقراطية الفساد وتعطيل مصالح الدولة وسكانها.

كما يظهر التنافس الشرس على المناصب والمواقع القيادية في مجالس المحافظات أنّ تلك المناصب مطلوبة لذاتها من قبل الشخصيات والقوى السياسية، بعيدا عن الشعارات التي رُفعت خلال الانتخابات بشأن رغبة المشاركين فيها في خدمة أبناء الجهات والدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروف عيشهم والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم، وهي أمور معطلة ومتروكة بسبب تفرّغ أعضاء الحكومات المحلية للصراع ضدّ منافسيهم الطامحين لإزاحتهم والحلول محلّهم.

◄ عمر الكروي لا يزال يتمسّك بشرعية شغله لمنصب رئيس مجلس محافظة ديالى
◄ عمر الكروي لا يزال يتمسّك بشرعية شغله لمنصب رئيس مجلس محافظة ديالى

ومن نينوى شمالا إلى ذي قار جنوبا مرورا بكركوك وديالى عاد ملف تركيبة مجالس المحافظات ليفتح على مصراعيه في المنابر الإعلامية والسياسية، وصولا إلى القضاء.
وردّت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، شكاوى ضد مجلس محافظة كركوك متعلّقة بتشكيل الحكومة المحلية ومصادقة رئاسة الجمهورية عليها.

ونقلت وسائل إعلام محلية، الأربعاء، عن مصدر قضائي قوله إنّ المحكمة ردت خمس شكاوى قدمها رئيس الحكومة المحلية السابق لكركوك وعضو مجلسها الحالي راكان الجبوري ورئيس الجبهة التركمانية حسن توران وعضو المجلس سوسن جدوع ضد مجلس المحافظة ورئاسة الجمهورية.

ويأتي ذلك بينما لم يمض على تشكيل حكومة كركوك المحلية أكثر من ثلاثة أشهر بعد أن تأخر تشكيلها لثمانية أشهر عقب إجراء انتخابات مجالس المحافظات بسبب الخلافات الحادّة بين القوى الكردية والعربية والتركمانية الفائزة بمقاعد في مجلس المحافظة، حول الأحقية في شغل المناصب القيادية بتلك الحكومة وخصوصا منصب المحافظ.

ويعتبر الصراع على قيادة محافظة كركوك نموذجا عن درجة تعقيد ترتيبات تقاسم السلطة في العراق الذي يتألف من فسيفساء من المجموعات العرقية والطوائف المختلفة الممثلة في عملية سياسية تقوم على المحاصصة وتقاسم المواقع في السلطة على اختلاف درجاتها، باعتبارها مغانم.

وأبرزت عملية تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات العراقية في ضوء النتائج المتحقّقة في الانتخابات مساوئ نظام المحاصصة المتّبع في العملية السياسية بالعراق والذي يهدف في ظاهره إلى تحقيق قدر من العدالة بين القوى السياسية والمكوّنات الطائفية والعرقية بالبلاد، لكنّه أفضى عمليا إلى حياة سياسية مشوّهة كثيرا ما تنتهي إلى انسدادات وتعطيل لمؤسسات الدولة ومصالح المواطنين.

وأصبح تعطّل تشكيل البرلمانات والحكومات واختيار قياداتها ظاهرة مألوفة يشهدها العراق بعد كل انتخابات يجري تنظيمها، بينما تحوّل القضاء إلى طرف رئيسي معوّل عليه لفض الاشتباكات وتنفيس الاختناقات السياسية التي كان يفترض أن تكون صناديق الاقتراع حاجزا أمام حدوثها.

ولم تكن محافظة نينوى بشمال العراق أفضل حالا من جارتها كركوك في عدم استقرار سلطاتها المحلية إذ شهدت صراعات سبقت تشكيل حكومتها وتواصلت بعدها.

◄ صراعات دون مواربة على المناصب المطلوبة لذاتها بعيدا عن أي شعارات يرفعها السياسيون في المناسبات الانتخابية

وفي وقت سابق فجّرت قوى تابعة للإطار التنسيقي الحاكم في العراق وأخرى متحالفة معها، صراعا جديدا على المناصب الإدارية في نينوى، عندما استخدمت كتلتها في مجلس المحافظة لإدخال تغييرات على الوحدات الإدارية للأقضية والنواحي بإقالة كبار المسؤولين فيها والمنتمين إلى قوى سياسية بعينها وتعيين آخرين من قوى حليفة.

وجاءت تلك التغييرات على حساب قوى منافسة لقوى الإطار بينما صبّت في المقابل في مصلحة قوى منضوية ضمنه أو حليفة له.

وأثارت تلك التغييرات حفيظة القوى المتضررة منها، وأدت إلى شلل الحكومة المحلية عندما لجأت تلك القوى إلى مقاطعة أشغال مجلس المحافظة واجتماعاته.

واستدعى الأمر مجدّدا تدخّل القضاء لفض الاشتباك، ونظرت محكمة القضاء الإداري أواخر أكتوبر الماضي في شكوى تقدم بها رؤساء الوحدات الإدارية المقالون من مناصبهم ضدّ مجلس المحافظة، وقضت بردّها، وما تزال القضية معلّقة بسبب إصرار القوى المتخاصمة على مواقفها وتهديدها بالمزيد من التصعيد.

وفي محافظة ديالى شمالي العاصمة بغداد أصدرت المحكمة ذاتها مطلع الأسبوع الجاري أمرا ولائيا بإيقاف قرار إقالة عمر الكروي من منصب رئيس مجلس المحافظة.

وكان مجلس المحافظة قد صوت على إقالة رئيسه وذلك عقب جلسة استجواب طارئة له. وتمّ إثر ذلك انتخاب نزار اللهيبي رئيسا جديدا خلفا للكروي.

ووقفت وراء قرار الإقالة أسباب سياسية محضة وصراعات على مناصب مديري وحدات إدارية تابعة للحكومة المحلية، مثّلت امتدادا للصراعات الشرسة التي كانت قد دارت حول تشكيل تلك الحكومة وانتهت باتفاقات هشّة بين القوى السياسية سرعان ما بدأت تتلاشى.

◄ المحكمة ردت خمس شكاوى قدمها راكان الجبوري وحسن توران وسوسن جدوع ضد مجلس المحافظة ورئاسة الجمهورية
◄ المحكمة ردت خمس شكاوى قدمها راكان الجبوري وحسن توران وسوسن جدوع ضد مجلس المحافظة ورئاسة الجمهورية

ولم تتمكّن ديالى بدورها من تشكيل حكومتها المحلية سوى مطلع أغسطس الماضي وذلك بسبب الصراعات بين قوى سياسية كبيرة ووازنة على مناصبها القيادية. ودار الصراع بالأساس بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، وشاركت فيه إلى جانبها قوى أخرى شيعية وسنيّة.

وطالبت بدر بالاحتفاظ بمنصب المحافظ الذي كانت تديره بالوكالة عن طريق مثنى التميمي، بينما أقام ائتلاف دولة القانون مطالبته بالمنصب، رغم أنّه لا يمتلك أي عضو منتخب في المحافظة، على ما يقول إنّها اتفاقات سابقة مع بدر تضمنت تنازل الائتلاف عن مناصب في حكومات محلية لمحافظات أخرى.

ولا يزال الكروي يتمسّك بشرعية شغله لمنصب رئيس مجلس محافظة ديالى. وقال لوسائل إعلام محلية “رئاستنا شرعية والقرار الذي صدر من قبل مجلس المحافظة مخالف لقانون مجالس المحافظات ولا يخضع للنظام الداخلي”، فيما قالت دريا خيرالله، عضو المجلس، “نحن مع القانون وكلنا ثقة بالقضاء الذي سيكون الفيصل في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الصحيحة”.

وبينما يمضي أعضاء الحكومة المحلية قدما في صراعاتهم المصلحية الضيّقة تواجه ديالى وضعا استثنائيا بسبب موقعها على الحدود مع إيران وكثرة التهديدات الأمنية المتربصة بها، وتعاظم المشاكل المرتبطة بالتغير المناخي وتناقص المياه الأمر الذي أثر على القطاع الزراعي الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصادها.

وفي ذي قار بجنوب العراق تواجه الحكومة المحلية بدورها حالة من عدم الاستقرار، وباتت مهدّدة بالتفكّك بعد تصاعد الصراعات مجدّدا على منصب المحافظ.

ووجّه أعضاء في البرلمان العراقي عن المحافظة طلبا إلى رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم باستبدال المحافظ مرتضى الإبراهيمي المنتمي إلى تياره وذلك بسبب تفرده باتّخاذ القرارات.

وأصدر هؤلاء النواب البالغ عددهم تسعة عشر نائبا بيانا قالوا فيه إنّهم عقدوا اجتماعا في مبنى مجلس النواب ناقشوا خلاله جملة من النقاط تخص واقع محافظة ذي قار ومنها عدم وجود أي تنسيق أو تعاون أو استجابة من المحافظ مع نواب المحافظة والتفرد باتخاذ القرارات بلا أدنى تشاور.

الصراعات على مناصب الحكومات المُدرّة لمنافع مادية كبيرة ومكاسب سياسية مجزية لمن يشغلها، تشتعل من جديد بعد هدوء نسبي

وأوضحوا أنّ طلبهم جاء استنادا إلى صلاحياتهم الدستورية والقوانين النافذة وقرارات المحكمة الاتحادية التي أشارت إلى صلاحية أعضاء مجلس النواب في المراقبة والإشراف على أداء مجالس المحافظات والحكومة المحلية، ولدورهم الرقابي على السلطات التنفيذية، و”إحساسهم العالي بالمسؤولية تجاه ما تشهده محافظة ذي قار من فوضى إدارية وسوء إدارة للملف الفني والخدمي وعدم العدالة والإدارة السيئة لملف تعيينات العقود المخصصة لأبناء المحافظة بموجب قانون الموازنة العامة للدولة ما ولد شعورا بعدم الإنصاف لدى أبناء المحافظة ولأساليب المحاباة والمجاملة”.

وكانت ذي قار التي تحوّل مركزها مدينة الناصرية خلال السنوات الأخيرة إلى عاصمة للغضب الشعبي والاحتجاجات الجماهيرية بسبب سوء أوضاع سكانها وارتفاع نسب الفقر والبطالة في صفوفهم وتردي الخدمات المقدّمة لهم من قبل الدولة، قد عاشت قبل أشهر قليلة على وقع فضيحة كان المحافظ وبعض منافسيه على المنصب طرفا فيها.

وتمثّلت الفضيحة في تورّط مسؤولين محليين في قضية ابتزاز للمحافظ الإبراهيمي باستخدام أشرطة جنسية بهدف استبعاده من منصبه، وأحيلت القضية إلى نظر التحقيق ليغيب أثرها بعد ذلك في ظل توقّعات بأنّه تم حلّها بين القوى السياسية ذات الصلة بها.

3