اتفاقات أبراهام تفقد الأردن دوره الوظيفي في المنطقة

يشدّد المسؤولون الأردنيون في كل إطلالاتهم على ربط السلام الشامل في المنطقة بحل القضية الفلسطينية عند التطرق لتطبيع العلاقات الإسرائيلية الخليجية، وهذا ينطوي وفق الكثيرين على ازدواجية، ذلك أن المملكة الأردنية كانت ثاني دولة عربية تُقدم على هذا الخيار ومنذ تسعينات القرن الماضي.
عمان – بدت عمان قلقة ومتحفظة على مسار التطبيع بين الدول الخليجية وإسرائيل، رغم أنها حرصت على عدم التصريح بموقف واضح وصريح تجاه ما يحدث، وهو أمر مفهوم لجهة أن المملكة لا تريد أن تغضب محيطها الخليجي وحليفها الأميركي، وهي تتحاشى أن تدلي برأي رسمي قد يكلّفها الكثير.
ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والإمارات في أغسطس، واستتبعه إعلان آخر الجمعة الماضية عن تطبيع إسرائيلي مع البحرين، ليتوج الأمر الثلاثاء بتوقيع رسمي على معاهدي سلام عرفت بمعاهدتي “أبراهام” نسبة للنبي إبراهيم في البيت الأبيض، حرص المسؤولون الأردنيون على إصدار مواقف لم تخل من دبلوماسية ومراوغة.
لكن تهكم الأمير علي بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني في تغريدة له بموقع تويتر على إحدى الصور التي يظهر فيها ممثلو الأطراف الأربعة الموقعة على اتفاقيتي “أبراهام”، وهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيرا خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد وعبداللطيف الزياني وهم متلاصقون ولا يرتدون كمامات، يشي بالكثير.
وكان الأمير أرفق الصورة بعبارة مكتوب عليها “تهاني.. أحبّ الأقنعة والتباعد الاجتماعي، يا له من تصرف مسؤول بشكل لا يصدق”. وسبق وأن أثار الأمير علي بن الحسين جدلا واسعا إثر تغريدة نشرها على حسابه الموثق في تويتر، وشارك فيها مقالا يهاجم قرار تطبيع الإمارات العلاقات مع إسرائيل.
ويرى مراقبون أن ردود فعل الأمير علي “التويترية” المتكررة، والتي تناسى فيها أن والده الملك الراحل الحسين بن طلال كان ثاني زعيم عربي يبرم اتفاق سلام مع إسرائيل بعد الزعيم المصري الراحل أنور السادات، تعكس في واقع الأمر موقف أصحاب القرار في المملكة من مسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي.
ويعد الأردن ثاني دولة عربية أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل في العام 1994 بوادي عربة بعد مصر، وكان سبق الاتفاق مفاوضات سرّية دامت لسنوات.
ومنذ توقيع الاتفاق شهدت العلاقات الأردنية الإسرائيلية نقلة نوعية، ويتدفق اليوم الغاز الإسرائيلي على الأردن رغم الممانعة الشعبية.
وكانت عمان على مدار سنوات همزة الوصل بين إسرائيل وباقي الدول العربية حيث لعبت دور الوسيط الموثوق فيه، وهذا عزز ثقلها السياسي في المنطقة، ولكن مع صعود التيار اليميني للسلطة في إسرائيل وانفتاح عدة دول في المنطقة على الدولة العبرية بدأت عمان تستشعر خطر تراجع دورها.
وبتوقيع كل من الإمارات والبحرين رسميا على اتفاقات مع إسرائيل فإن دور المملكة سيشهد المزيد من الانحسار، وهذا ستكون له مخلفات كبيرة لاسيما على وضعها الداخلي، حيث أنها لطالما استفادت من لعب دور الوسيط بين إسرائيل والمحيط العربي للحصول على مساعدات ودعم مالي سخي.
وتواجه المملكة الأردنية اليوم أزمة اقتصادية خانقة، تعجز عن الفكاك منها على ضوء تراجع سخاء الدول الخليجية الحليفة، وهو ما حدا برئيس الوزراء عمر الرزاز الخميس إلى الحديث عن “الفطام الاقتصادي” وكيفية تحويله إلى فرصة لتحقيق الاستقلال السياسي.
ويرى مراقبون أنه إلى جانب ما قد يفقده الأردن على الصعيد السياسي، فإن هناك قلقا من أن يأتي حل القضية الفلسطينية مستقبلا على حسابه. وهذا ربما ما يفسر تركيز المسؤولين الأردنيين على ربط السلام الشامل في المنطقة العربية بحل القضية الفلسطينية، وآخر تلك التصريحات لرئيس الوزراء الرزاز، الذي شدد في حديث لإذاعتي “حسنى” و”جي بي سي”، على أنه “لا سلام عادلا وشاملا في ظل استمرار إجراءات إسرائيل الأحادية”.
ويقول سياسي عربي إن الحديث عن مخاوف أردنية من تسوية فلسطينية على حسابه ينطوي على مبالغة، ذلك أن أي دولة عربية لن تقبل ذلك، وما التصريحات الأردنية المركزة على ربط مسار السلام بالملف الفلسطيني سوى محاولة لذر الرماد على العيون، فهي لا تستطيع التعبير صراحة عن تحفظاتها من هذا المسار.
وأكد رئيس الوزراء الأردني على موقف بلاده الثابت تجاه القضية الفلسطينية، واعتبر “لن نصل إلى السلام العادل والشامل إذا استمرت إسرائيل بإجراءاتها الأحادية، والتي تقوّض حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس”.
وسبق وأن ربط وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نجاح مسار التطبيع مع إسرائيل بتصرفات الأخيرة، حيث قال في بيان إن “التغيير المطلوب والقادر على تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة يجب أن يأتي من إسرائيل”.
وأوضح الصفدي “إذا تعاملت إسرائيل مع (اتفاقات السلام) كحافز لإنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من حزيران 1967، ستتقدم المنطقة نحو تحقيق السلام العادل، لكن إن لم تقم إسرائيل بذلك ستعمق الصراع الذي سينفجر تهديدا لأمن المنطقة برمتها”.
وفي حديثه الذي نقلته وكالة الأنباء “بترا”، أكد الرزاز على أن “السلام الشامل والعادل لن يتحقق إلا بتلبية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”. وتابع “الأردن لن يغير موقفه تجاه القضية الفلسطينية، ولا يزال مؤمنا بالسلام العادل والشامل لكل المنطقة، ولكن له شروطه الواضحة التي لن يحيد عنها بأي حال من الأحوال”.
ولفت إلى أن “المملكة تسعى دائما إلى وحدة الصف العربي في ما يتعلق بكل التحديات الإقليمية والخارجية سواء بعلاقاتها مع دول الخليج أو العراق أو مصر”.
ومنذ بداية العام الجاري، يواجه الفلسطينيون تحديات متعددة، تمثلت في “صفقة القرن” الأميركية، ثم المخطط الإسرائيلي لضم نحو ثلث أراضي الضفة الغربية، والذي سيعني حكما إنهاء خيار حل الدولتين لصالح مقاربة دولة لشعبين.