اتساع رهانات المستثمرين مع تسيد الدولار للأسواق

اتسعت رهانات المستثمرين على تواصل تسيد الدولار للأسواق بفعل سياسات الإدارة الجديدة التضخمية المواتية للنمو، بعدما دفعت عودة الرئيس دونالد ترامب الوشيكة وتلاشي آمال خفض الفائدة بشكل كبير العملة الأميركية إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات.
نيويورك – ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية بعشرة في المئة من أدنى مستوياته في أواخر سبتمبر الماضي ليسجل أعلى مستوى في أكثر من عامين.
وجاءت أغلب المكاسب منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية مطلع نوفمبر الماضي، حيث سارع المستثمرون إلى إعداد محافظهم لسياسات الإدارة الجديدة في التجارة والرسوم الجمركية.
ويتوقع على نطاق واسع أن تقدم تلك المحافظ دعما للدولار في الأمد القريب بينما تضغط على الاقتصادات والعملات الأخرى.
وقد تدفع الرسوم الجمركية مع ما تسببه من ضغوط تضخمية محتملة الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) إلى الحذر في خفض الفائدة، رغم أن التوترات التجارية تزيد قتامة توقعات النمو الاقتصادي العالمي وتدفع المزيد من المستثمرين نحو الدولار كملاذ آمن.
وكلما ظلت أسعار الفائدة الأميركية أعلى من العائدات في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، زادت جاذبية الدولار للمستثمرين.
ولسنوات حافظ الاقتصاد الأميركي القوي والتضخم المستمر على الفائدة أعلى بكثير من تلك الموجودة في الدول المتقدمة الأخرى، ما جعل الأصول القائمة على الدولار أكثر جاذبية وأبقى عليها مرتفعة حتى بعد أن بلغت العملة أعلى مستوى لها في عقدين في 2022.
ويبدو مسار الدولار أمرا مهما للمستثمرين بسبب الدور المركزي له في التمويل العالمي. وقد يؤدي ضعفه إلى جعل منتجات المصدرين الأميركيين أكثر قدرة على المنافسة في الخارج وخفض التكاليف للشركات متعددة الجنسيات التي تحول الأرباح الأجنبية إلى دولارات.
وفي حين عبر ترامب في الكثير من الأحيان عن قلقه من أن قوة الدولار المفرطة تضعف القدرة التنافسية للصادرات الأميركية وتضر بالتصنيع والوظائف في الولايات المتحدة، فإن الأسواق غالبا ما تنظر إلى سياساته على أنها تعزز الدولار.
وخلال ولايته الأولى ارتفع الدولار بنحو 13 في المئة من فبراير 2018 إلى فبراير 2020 عندما فرض رسوما على عدة دول، منها الصين والمكسيك.
وفي إشارة أخرى إلى أهمية السياسات المتعلقة بالدولار للإدارة القادمة، قال سكوت بيسنت، الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخزانة، الأربعاء إنه “سيضمن بقاء الدولار عملة الاحتياطي في العالم.”
ويبدو أن المتعاملين في العقود الآجلة للعملات في وضع يسمح لهم بتحمل المزيد من قوة الدولار مع ارتفاع صافي الرهانات عليه إلى أعلى مستوى في ست سنوات عند 34.28 دولار، وفقا لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة وهي هيئة مستقلة تابعة للحكومة الأميركية.
وذكرت وحدة الأبحاث العالمية في بنك أوف أميركا أنه مقابل سلة مرجحة من عدة عملات، كان الدولار هو الأكثر مبالغة في قيمته منذ 55 عاما.
وعادة ما يجذب مثل هذا الارتفاع الكبير المتشائمين بشأن الدولار الذين يتوقعون تصحيحا، لكن قلة من المتعاملين يعتقدون حاليا أنه من الحكمة مجابهة صعود الدولار.
10
في المئة نسبة ارتفاع قيمة العملة الأميركية من أدنى مستوياتها في سبتمبر 2024
وقال برايان روز، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في يو.بي.أس غلوبال ويلث مانجمنت، لرويترز “مازلنا نرى الدولار مبالغا في قيمته، ولكن على الأقل في الأمد القريب، من الصعب وجود محفزات من شأنها أن تضعف الدولار.”
ويعتقد المتعاملون أن تنصيب ترامب الاثنين المقبل هو أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع هبوط قيمة الدولار. وفي حين ارتفع بسبب التوقعات بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق، إلا أن تفاصيلها لا تزال غير واضحة.
وقال جون فيليس رئيس قطاع العملات الأجنبية والإستراتيجية الكلية للأميركتين في بي.أن.واي ماركتس “لا نعرف كيف ستكون مدى قوتها أو كثافتها أو مداها أو ارتفاعها.”
وقد يؤدي الوضوح على هذه الجبهات إلى تعزيز الدولار بشكل أكبر، وهو ما يجعل الرهان على تراجع الدولار أمرا محفوفا بالمخاطر.
ورأى المتعاملون مدى حساسية الدولار للأخبار المتعلقة بالرسوم الجمركية هذا الشهر، عندما انخفض بنحو واحد في المئة بعد تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” يشير إلى أن مساعدي الرئيس المنتخب كانوا يفكرون في خطط لرسوم محدودة، لكن العملة انتعشت بسرعة بعد أن نفى ترامب القصة.
وإذا استمرت حالة الغموض بشأن الرسوم الجمركية، فسوف يجد المتعاملون صعوبة في التخلي عن رهاناتهم على صعود الدولار. وقال تيري ويزمان خبير أسعار الصرف العالمية في ماكواري “أعتقد أن الناس ينتظرون، على الأقل الإعلانات السياسية المهمة، قبل إتمام صفقات.”
والاثنين ذكر محللو بنك غولدمان ساكس، الذين توقعوا ارتفاع الدولار 5 في المئة أخرى هذا العام، أنه قد يرتفع أكثر إذا استمر أداء الاقتصاد الأميركي أفضل من أقرانه رغم زيادة الرسوم، وإذا بدأت الأسواق في توقع زيادة الفائدة الأميركية وليس خفضها.
وأظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي الشهر الماضي أن برنامج حملة ترامب الانتخابية، والمتمثل في فرض رسوم جمركية قوية وترحيل بعض المهاجرين، أثار بالفعل مخاوف بين صناع السياسات بشأن التضخم.
وقال ويزمان لرويترز “هناك تحول واضح في النبرة القادمة من مجلس الاحتياطي الاتحادي نحو المزيد من تشديد السياسة النقدية.”
وفي الوقت الحالي يحظى الدولار بدعم جيد من موجة من المحفزات الإيجابية، منها التحسن الكبير في آفاق النمو في الولايات المتحدة وتوقعات خفض مجلس الاحتياطي لأسعار الفائدة.
وأظهرت بيانات حديثة أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة تسارع بشكل غير متوقع في ديسمبر الماضي، ما عزز النهج الحذر الذي يتبناه مجلس الاحتياطي تجاه خفض أسعار الفائدة هذا العام.
لكن بيانات التضخم الصادرة الأربعاء الماضي قدمت دلائل على تراجع ضغوط الأسعار الأساسية، وهو ما دفع الأسواق المالية إلى الرهان على خفض أسعار الفائدة في يونيو.
وقال آرون هيرد مدير محافظ العملات في ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز “الولايات المتحدة تتفوق من حيث العائدات المرتفعة والنمو الأفضل.”
وارتفعت عائدات أدوات الدين الأميركية في الأسابيع القليلة الماضية مع ارتفاع السندات لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى في 14 شهرا.
وجاء ذلك على خلفية البيانات الاقتصادية القوية والتوقعات بأن المركزي الأميركي انتهى تقريبا من خفض أسعار الفائدة مع استعداده لتطبيق سياسات ترامب.
وفي حين أن هيرد شكل مراكز استثمار تراهن على تراجع الدولار في فترة زمنية تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، فإنه لا يستبعد المزيد من المكاسب قريبة الأجل للعملة الأميركية. وقال “لا تزال هناك فرص قليلة لارتفاع الدولار.”