اتساع التصعيد في الشارع السوداني يعقّد مبادرة الحل الأممية

عدم وجود اتجاهات حاسمة داخل الأطراف المتصارعة للحل السياسي يضاعف من التطورات في الشارع.
الأربعاء 2022/01/19
مطالب الشارع تعقّد مبادرات الوصول إلى حلول

الخرطوم – تسارعت تطورات الأحداث في الشارع السوداني عقب مقتل سبعة متظاهرين خلال مليونية الاثنين، وأعلنت قوى ثورية وتجمعات مهنية الدخول في عصيان مدني الثلاثاء لمدة يومين كإجراء تصعيدي جديد اعتراضا على الإفراط في استخدام العنف ضد المواطنين.

وأدت هذه التطورات إلى اتساع نطاق الغضب الشعبي الذي يمكن أن ينعكس سلبا على موقف قوى الحرية والتغيير التي قررت التعاطي بإيجابية مع المبادرة الأممية أخيرا.

وحاول مجلس السيادة الانتقالي التخفيف من حدة التوتر بإعلانه الثلاثاء عن تشكيل لجنة تقصي حقائق بعضوية الأجهزة النظامية والنيابة العامة حول أحداث الاثنين وحدد فترة زمنية تصل إلى 72 ساعة للانتهاء من مهمتها.

وتصطدم العملية السياسية التي قررت الأمم المتحدة إطلاقها في السودان لحلحلة الأزمة بسرعة تطور الأحداث على الأرض بشكل يفوق تحركات البعثة الأممية.

الواثق البرير: سنعيد تقييم موقفنا من المبادرة الأممية على إثر البطش

ويرى مراقبون أن عدم وجود اتجاهات حاسمة داخل الأطراف المتصارعة للحل السياسي يضاعف من التطورات في الشارع، فهناك مجموعات محسوبة على قوى الثورة ترى إمكانية إزاحة المكون العسكري بشكل تام من السلطة عبر مواصلة المسيرات والمظاهرات التي لم تتوقف منذ الانقلاب على السلطة في أكتوبر الماضي، ولذلك ترفض التفاوض مع المكون العسكري بكل السبل.

وتراهن أطراف محسوبة على المكون العسكري على نجاح القبضة الأمنية لتطويق الاحتجاجات وحسم الأوضاع لصالحها.

وظهرت الحركة الإسلامية كطرف ثالث غير مباشر، حيث تحاول توظيف الصدام بين القوى المدنية والجيش واستنزاف المكونين في شد وجذب طويلين بما يصب في صالحها.

وترى دوائر أمنية أن هناك فرصة للتعاون مع تنظيم الإخوان الذي تواجدت عناصره بصورة لافتة في الشارع في الأيام الماضية لوأد المسيرات المليونية المتتالية، ما يقود إلى توسيع الهوة بين الفرقاء السودانيين ويضع المزيد من العراقيل أمام الجهود الدولية.

ويرى متابعون أن قرار مجلس الدفاع والأمن القومي بتشكيل قوة خاصة لمكافحة الإرهاب ومجابهة التهديدات المحتملة هو جملة من الإجراءات التي تدعم استخدام ما يسمى بـ”القوة القانونية” لأجهزة نظامية بينها جهاز المخابرات على أن التعامل الأمني مع تعقيدات المشهد الراهن سيكون حاضراً الفترة المقبلة.

وتأتي هذه التطورات في وقت انعقد فيه مؤتمر أصدقاء السودان الثلاثاء في الرياض لدعم دور بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) للحوار بين الأطراف السودانية بمشاركة المجموعة الأوروبية ممثلة في بريطانيا وفرنسا والنرويج والسويد، وحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فاي.

وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير إن تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) يعيد تقييم موقفه من المبادرة الأممية على إثر البطش والقتل والتنكيل الذي تعرض له المتظاهرون، وأن الشارع أضحى الآن أكثر رغبة لإحداث تغيير حقيقي في شكل السلطة.

وأضاف لـ”العرب” أن الجهود الأممية الحالية تشكل الفرصة الأخيرة لإمكانية الوصول إلى حل عبر المفاوضات السلمية، متّهما المكون العسكري باستخدام عصا الأمن وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين لقطع الطريق أمام المبادرة الأممية.

وأدانت الأمم المتحدة “استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين”، وشددت على ضرورة وجود “أجواء تفضي إلى المشاورات الجارية في الشارع وداخل القاعة”، ووصفت ما يجري في الشارع والمستشفيات وبعض المناطق الأخرى بـ”الأحداث المقلقة”.

وأكد البرير لـ”العرب” أن الاستخدام المفرط للعنف ضد المتظاهرين ستكون له عواقب وخيمة على المستويين الداخلي والإقليمي، ويقوض محاولات الوصول إلى الاستقرار، ما يجعل هناك حاجة إلى تدخلات أكثر جدية من الأطراف الداعمة للمكون العسكري لإثنائه عن السير في هذا الطريق.

تماضر الطيب: فرص نجاح المبادرة الأممية تضاءلت بعد التصعيد الأمني

ويشير متابعون إلى أن الوساطة الأممية بمفردها لن تقود إلى حلول نهائية يقبل بها الجميع طالما لم يتوافر بعد الدعم الدولي اللازم لإنهاء الفوضى الحالية.

ويبدو أن الاتجاه نحو الحلول الأمنية لن يحقق نتائج إيجابية في السودان، وكل من يراهنون على هذا التوجه يفتقرون إلى الرؤية الثاقبة لمتطلبات شعب لا يزال يبحث عن تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تتواءم مع أهداف الثورة.

وتراجعت على نحو ملحوظ الثلاثاء إمكانية بناء مفاوضات الأمم المتحدة بين الأطراف السودانية على أساس العودة إلى ما قبل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وارتفعت الأصوات المنادية بتشكيل حكومة مدنية كاملة بعيداً عن وجود العسكريين في السلطة، وهو أمر قد يكون قابلا للتحقق مع توالي الضغوط الدولية وفي ظل تصاعد حدة الغضب في الشارع.

وأكدت أستاذة العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب لـ”العرب” أن فرص نجاح المبادرة الأممية تضاءلت بعد أن واجهتها عقبات عديدة عند طرحها، وتوالي التصعيد الأمني واستخدام العنف ضد المتظاهرين يجعلها غير مقبولة من قطاعات شعبية عريضة ترفض الحوار مع المكون العسكري.

وأضافت أن الجناح العسكري يواجه تحديات كبيرة في إقناع القوى الفاعلة في الشارع بالحوار بعد أن رفضت كافة المحاولات التي قامت بها قوى مدنية عندما نشبت الأزمة بينهما في مطلع أكتوبر الماضي. وسبق أن رفضت القوى الفاعلة في الشارع مبادرات تقدمت بها الأمم المتحدة والمبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي في ذلك الحين جيفري فيلتمان، وسيتحمل نتيجة هذا المأزق من يتواجدون على رأس السلطة جراء انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة.

وأشارت تماضر الطيب إلى أن القوى المدنية التي تعاطت بإيجابية في بداية الأمر مع الطرح الأممي ستجد نفسها أمام مأزق الاستمرار في هذا الموقف أو التراجع إذا استمر العنف في الشارع، لافتة إلى أن غياب تفاعل المكون العسكري مع تأزم المشهد واعتماده على الحل الأمني يقوض الوصول إلى حل سياسي في المستقبل القريب.

ويدعم تمسك كل طرف بمواقفه الذهاب باتجاه الفوضى وقد يكون من الصعب العودة إلى المسار السياسي مرة أخرى في ظل هذه الأجواء، وهو ما يعني أن كافة الأطراف سوف تكون خاسرة، وهي الزاوية التي يمكن أن تستثمرها الجهود الدولية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، على أمل أن توجد نقاط التقاء رشيدة بين المكونات المختلفة.

2