اتحاد الفنانين التونسيين يدعو لتقييم جدي لواقع الثقافة في تونس

تونس - تعيش تونس وضعا ضبابيا في ما يتعلق بالمشهد الثقافي، وتبدي السلطة استياء من انحداره وفق تقييماتها لكنها لا تطرح حلولا جذرية من شأنها إصلاح الخلل والاستجابة لمطالب المثقفين والعاملين في القطاع إلى جانب تقييم جدي لواقع الفنان التونسي والتحديات الكبرى التي يواجهها.
ومنذ نحو أربعة أشهر وتونس من غير وزير أو وزيرة للثقافة، حيث أسند رئيس الجمهورية قيس سعيد هذه الحقيبة الوزارية إلى وزير التعليم منصف بوكثير ليقودها بالنيابة بعد إقالته للوزيرة السابقة حياة قطاط القرمازي، ما انجر عنه العمل وفق عقلية تسيير الأعمال وغياب المبادرات والمشروع الثقافي الذي نادت به كل النخب التونسية، وزاد من ضبابية المشهد في القطاع الذي لم ينجح وزراء سابقون في حل مشاكله، كيف إذن بوزير مشتت بين حقيبتين وزاريتين.
وفي هذا الصدد، عبر الاتحاد العام للفنانين التونسيين عن عميق انشغاله من حالة التوتر التي يعيشها المشهد الثقافي، وتعدد الإشكاليات المطروحة على جميع القطاعات الفنية والثقافية عموما، والمتراكمة منذ فترة طويلة.
الاتحاد طالب السلطة بالتحرّك والقطع مع الحلول الترقيعية التي عمقت أزمة الفنان وأثرت بالسلب على إشعاع أهم المهرجانات
وفي بيان رسمي أصدره مساء الخميس، طالب الاتحاد “سلطة الإشراف بالتحرّك العاجل لمعالجة جذرية والقطع مع الحلول الترقيعية التي عمقت أزمة الفنان التونسي وأثرت بالسلب على إشعاع أهم التظاهرات والمهرجانات المشكّلة لصورة تونس الرياديّة”.
كما لاحظ الاتحاد العام للفنانين التونسيين “عودة بعض الممارسات الخطيرة التي لا نستنتج من ورائها إلاّ محاولة ضرب أعلام الفكر والفن والرجوع إلى مربع الوصاية الأخلاقية”.
وشدد الاتحاد على أن “الحق في الثقافة وحرية التعبير من أوكد المبادئ الدستورية التي يجب أن يبنى عليها العقل الثقافي التونسي تسييرا وإبداعا، وكل نكوص عن ذلك يؤدي إلى زعزعة مسار تجربتنا الديمقراطية. فقد لعب المثقفون والمبدعون في جميع مراحل تاريخ تونس الحديث الأدوار الأولى في تحديث المجتمع وبناء الفكر التحرّري، كما شكلت المؤسسات الثقافية منذ نشأتها فضاء لتثمين وتشجيع المنجز الفني التونسي، غير أن ما نشاهده اليوم من ارتداد بعضها عن القيام بهذه المسؤولية الوطنية جعلها ساحة للأعمال المبتذلة والرديئة ووضع المسؤولين عليها في شبهة الانتهازية والمصلحية الضيّقة”.
ويعيش التونسيون علاقة جدلية متناقضة مع الثقافة، فهم مصنفون ضمن أكثر الشعوب العربية ثقافة، إلا أنه بدأ في السنوات الأخيرة يتعامل معها كأنها ضمن الرفاهيات، ويبدي عزوفا عن الإقبال عليها، حيث كشف استطلاع لمؤسسة إمرود كونسيلتينغ صدر في مارس الماضي أن هناك خللا كبيرا في علاقة التونسيين بالثقافة والتراث رغم ما تزخر به تونس من معالم تاريخية ومتاحف وآثار وما تقدمه من تظاهرات ثقافية.
وكشفت الأرقام التي قدمها الاستطلاع أن 94 في المئة من المستجوبين ليسوا منخرطين في مجموعة أو في ناد ثقافي، و81 في المئة لم يحضروا منذ سنة أي تظاهرة ثقافية أو فنية، و70 في المئة لم يزوروا أي مهرجان أو موقع أثري ولا معلما تاريخيا أو متحفا خلال السنة الأخيرة.
وفي هذا السياق، أكد بيان الاتحاد العام للفنانين التونسيين أن “فتح ملف الثقافة من الأولويات المطروحة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها بلادنا وكلّ تراخ أو تهميش ستكون عواقبه قاسية على بقية المجالات الاجتماعية والسياسية وغيرها… فالثقافة هي أساس بناء التجارب الحضارية المتقدّمة فهي القوّة الناعمة التي تشكّل الوعي الجمعي وتنمّي فيه مبادئ التعايش السليم وتزرع فيه روح الانتماء”.
وفي هذا الإطار دعا الاتحاد العام للفنانين التونسيين سلطة الإشراف إلى تقييم جدّي للواقع الثقافي، وتفعيل المجلس الأعلى للثقافة وإعطائه الصبغة التقريرية لا الاستشارية. كما دعا إلى ضرورة مراجعة منظومة دعم المشاريع والمهرجانات الفنية، وإعطاء اللجان الفنية الصبغة التقريرية، وإلى ضرورة مراجعة التعيينات على مستوى المؤسسات والإدارات ذات الخصوصية الفنية بما يتماشى والخيارات الوطنية من حيث الشروط الموضوعية.
كما طالب الاتحاد بضرورة مراجعة تعيينات مديري المهرجانات الكبرى، داعيا كافة الفاعلين الثقافيين من هياكل مهنية فنية والمثقفين إلى تقريب الرؤى والتوجه لصياغة مقترح مشروع ثقافي تونسي يكون قاطرة التنمية الفكرية للمجتمع وصدا منيعا لكل محاولات الرجوع إلى الوراء.
التونسيون يعيشون علاقة جدلية متناقضة مع الثقافة، فهم مصنفون ضمن أكثر الشعوب العربية ثقافة، إلا أنه بدأ في السنوات الأخيرة يتعامل معها كأنها ضمن الرفاهيات
وجاء بيان الاتحاد العام للفنانين التونسيين بعد لغط كبير وقع الأسبوع الماضي، تسببت به حفلة للمغني اللبناني راغب علامة ضمن المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون أقيم تحت شعار دعم الفلسطينيين، على مسرح قرطاج الأثري وتخللته سلوكيات لمعجبات على المسرح أثارت انتقادات عبر الشبكات الاجتماعية
وأخرجت هذه السلوكيات الرئيس التونسي قيس سعيّد من صمته، ليشدد على أن بعض المهرجانات الفنية في بلاده لا “ترتقي بالذوق العام”، مؤكدا أن المهرجانات الثقافية يجب أن تساهم في إرساء “ثقافة وطنية”.
ولم يعجب هذا الرأي أهل القطاع حيث انقسموا بين من يرى أن الوضع طبيعي ولا غرابة فيه وبين من اتبع الآراء المتشددة التي تدعو إلى إعادة التقييم ووضع ضوابط مشددة على الفعل الثقافي والفني في تونس.
وتجدر الإشارة إلى أن الجدل حول وضع الثقافة والفن في تونس يتجدد من صائفة إلى أخرى، حيث تثير المهرجانات الصيفية منذ أعوام آراء متناقضة حول برمجتها والأسماء المشاركة فيها والموازنات العمومية المرصودة لها.