اتحاد الشغل يستخدم قانون المالية لتصفية حساباته مع قيس سعيّد

نورالدين الطبوبي يهدد بتنظيم احتجاجات حاشدة "واحتلال الشوارع" رفضا للميزانية، ويعلن العمل على إطلاق حوار مع قوى مدنية لإخراج البلاد من الأزمة.
الثلاثاء 2022/12/27
الطبوبي يدافع عن خيارات المنظمة النقابية

تونس – تعكس تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، من تهديد بتنظيم احتجاجات حاشدة "واحتلال الشوارع" قريبا لإظهار الرفض لميزانية التقشف للعام المقبل، والعمل على إطلاق حوار لإخراج البلاد من "الأزمة والمأزق"، أن المنظمة النقابية اتخذت من قانون المالية فرصة لتصفية حساباتها مع الرئيس قيس سعيّد.

وقال نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل، خلال مؤتمر من تنظيم "قسم المرأة والشباب العامل في الاتحاد" (أكبر منظمة نقابية) بمدينة الحمامات من محافظة نابل (شرق)، الاثنين "لماذا نقبل بهذا الوضع؟ لن نقبل وسنحتل الشوارع من أجل الدفاع عن خياراتنا وعن مصلحة الشعب".

ومن المتوقع أن تخفض موازنة 2023 العجز المالي إلى 5.2 في المئة العام المقبل، من توقعات بلغت 7.7 في المئة هذا العام، بدفعة من إصلاحات لا تحظى بشعبية، لكنها يمكن أن تمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ مالي.

وسترفع تونس الضرائب على شاغلي عدد من الوظائف مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين من 13 في المئة إلى 19 في المئة. وقال الطبوبي "هذه حكومة ضرائب... الحكومة تتحايل على شعبها... وقانون المالية يزيد معاناة التونسيين".

وهذا الشهر، رفعت الحكومة أسعار مياه الشرب، ومن المتوقع أن ترفع مرارا أسعار الوقود العام المقبل لخفض عجز الطاقة المتزايد.

وأثارت الميزانية الجديدة رفضا واسع النطاق بين عدد من طوائف الأعمال، وهدد المحامون في بيان بما وصفوه بالعصيان الضريبي.

ويحاول الطبوبي منذ فترة استثمار الأزمة الاقتصادية وخيارات حكومة نجلاء بودن كأوراق ضغط على الرئيس سعيّد، بعد أن تم تهميش دوره ومنظمته النقابية إثر الخامس والعشرين من يوليو الذي شهد بداية المرحلة الاستثنائية التي تعرفها تونس، عقب اتخاذ سعيد قراراته الاستثنائية تفعيلا للفصل 80 من الدستور، في خطوة باركها اتحاد الشغل ثم لوح بمواجهتها.

ويرى مراقبون أن اتحاد الشغل يحاول استغلال الأزمة التي تشهدها السلطة والمعارضة معا، للعودة وقيادة المشهد السياسي، متسائلين كيف للمنظمة الشغيلة التي تعتبر أحد المساهمين الأساسيين في تدهور الوضع الحالي أن تكون القوة المنقذة للبلاد؟ وبأي آليات وهي من المفترض أنها منظمة عمالية لا علاقة لها بالسياسة؟

ويقول المراقبون إن اتحاد الشغل يتصرف وكأنه حزب سياسي وليس منظمة تعنى بقضايا العمال، وهذا ليس بجديد حيث سبق أن حاول تجاوز دوره منذ تأسيس دولة الاستقلال، وقد نجح في ذلك نسبيا خلال السنوات العشر التي أعقبت سقوط نظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.

ويشير المراقبون إلى أن الاتحاد كان جزءا أصيلا من منظومة الحكم السابقة، ولعب أدوارا كبيرة في صياغة التوافقات السياسية العرجاء التي انتهت إلى تقاسم مصالح ونفوذ بين القوى السياسية المختلفة.

ويلفت المراقبون إلى أن اتحاد الشغل ساهم أيضا في تشكيل الحكومات المتعاقبة التي فشلت فشلا ذريعا في إدارة الوضع الاقتصادي، وفي تحقيق الإصلاحات المطلوبة، واليوم يحاول الاتحاد أن يتملص من مسؤوليته عن وصول الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى هذا المنزلق الخطير، ويقدم نفسه على أنه قوة بديلة.

وقال الطبوبي الذي خلع عباءة النقابي ليرتدي ثوب السياسي إن "الاتحاد لم يطلق بعد مبادرة، ولكنه انطلق في التشاور وتبادل الأفكار مع عمادة المحامين (غير حكومية)، وسيواصل الثلاثاء تشاوره مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة) لإيجاد مبادرة لإخراج تونس من الأزمة والمأزق اللذين تردت فيهما".

ويأتي هذا "بالتوازي مع تحركات حثيثة لفروع الاتحاد وهياكله بمختلف جهات البلاد لتدارس الوضع العام بالبلاد لصياغة مبادرة لحوار هادف"، بحسب الطبوبي.

وأفاد بأن "مكونات الحوار والمشاركين غالبا ستتقاطع مبادئهم وأهدافهم مع الاتحاد العام للشغل وبعيدا عن التجاذبات السّياسية لإخراج البلاد إلى بر الأمان".

واعتبر الطبوبي أن الرئيس سعيّد لم يستمع إلا لصوته "رافضا أي رؤى تشاركية للإصلاح"، ويصر على "المضي منفردا في إدارته البلاد".

وكانت الحكومة قد أكدت في أكثر من مناسبة التزامها "بمبدأ العمل التشاركي مع النقابات وتمسّكها بالحوار الاجتماعي كسبيل للتفاوض الاجتماعي الجدي".

وخلال 2023، التي قال عنها وزير الاقتصاد سمير سعيد إنها ستكون سنة صعبة جدا، ستخفض الحكومة أيضا الإنفاق على الدعم بنسبة 26.4 في المئة، وذلك بالأساس في مجالي الطاقة والغذاء.

وتمرّ تونس بأزمة مالية عميقة أسفرت في الأشهر الأخيرة عن نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية مثل السكر والحليب والأرز وغيرها، في سياق تضخّم متسارع بلغ 9.8 في المئة، بحسب أحدث معطيات رسمية صدرت في مطلع ديسمبر.

ولتحقيق التوازن المالي، يتعيّن على الدولة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي بأكثر من أربعة مليارات يورو وقروض محليّة بنحو ثلاثة مليارات يورو.

وتوصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار، مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود وإصلاح شركات القطاع العام. وتسعى تونس للتوصل إلى اتفاق نهائي في أوائل العام المقبل.

وتظهر ميزانية 2023 أن فاتورة الرواتب في القطاع العام ستنخفض من 15.1 في المئة في 2022 إلى 14 في المئة العام المقبل، وهو إصلاح أساسي طالب به صندوق النقد الدولي.

ومنذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، تعيش تونس أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية بموازاة إجراءات استثنائية فرضها رئيس البلاد قيس سعيّد، من بينها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.