اتحاد الشغل يدعو إلى تأجيل الانتخابات وتعديل القانون الانتخابي

استغرب مراقبون خطاب التهدئة الذي أبداه الاتحاد العام التونسي للشغل تجاه الرئيس قيس سعيد بدعوته إلى التأني في إجراء الانتخابات التشريعية، وضرورة القيام بتعديلات على القانون الانتخابي الذي ثبت تضمنه للكثير من الثغرات، لكنه في نفس الوقت فتح جبهة على الرئيس سعيد بالتحذير من تفكيك مؤسسات القطاع العام، ما يكشف تناقض الاتحاد.
تونس - انضم الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الأصوات المطالبة بضرورة تأجيل الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في السابع عشر من ديسمبر المقبل، مجددا تحذيره من مغبة المساس بالمؤسسات العمومية والعمل على تفكيكها.
ودعا الأمين العام لأكبر منظمة نقابية في تونس نورالدين الطبوبي الخميس رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى “التعقل” وإجراء بعض المراجعات تجنبا لأي مطبّات قد تعترض المرحلة القادمة، وضمان شروط إجراء عرس ديمقراطي حقيقي يفرز شرعية حقيقية ومؤسسة تشريعية تعبر عن إرادة الشعب التونسي.
وحث الطبوبي الرئيس على التأني في ظل الاختلال الحاصل مع ترشح شخص واحد في بعض الدوائر، وغياب مترشحين في دوائر أخرى.
وتعالت في الفترة الأخيرة العديد من الأصوات التي تطالب الرئيس سعيد بتأجيل الاستحقاق الانتخابي، لاسيما بعد أن ثبت على أرض الواقع وجود العديد من الإخلالات والثغرات المرتبطة بالقانون الانتخابي الذي أقره الرئيس في سبتمبر الماضي، والذي من شأنه أن يخلق برلمانا ضعيفا ومشتتا.
وأدت الشروط التي تضمنها القانون الانتخابي، على غرار شرط حصول المترشح على أربع مئة تزكية مناصفة بين النساء والرجال، إلى وجود سبع دوائر دون مرشحين، أي أن الانتخابات لن تجرى فيها بالمرة، وهنا يطرح السؤال بشأن مستقبلها وهل سيفتح رئيس الجمهورية باب الترشح فيها مرة أخرى ومتى، خاصة أن الوقت يضغط على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أم سيتم اختيار هؤلاء النواب عبر التزكية من الرئيس سعيد، وهي سابقة بالنسبة إلى تونس، التي تعودت على أن يكون البرلمان منتخبا بشكل مباشر دون تعيينات أو كوتا لمؤسسة رئاسة الجمهورية.
وهناك عشر دوائر انتخابية بمرشح وحيد، بمعنى أن المرشحين صاروا نوابا من الآن سواء قاموا بحملة انتخابية أم لم يقوموا، وهذا يمس من مصداقية الانتخابات ومن فكرة التنافس وسط تساؤل عن معنى وجود نائب في البرلمان إذا جاءت نسبة المشاركة دون المأمول في دائرته. وفي هذه الدوائر من المنتظر أن تكون نسبة المشاركة متدنية في غياب التنافس الذي يجلب الناس إلى صناديق الاقتراع.
وانعكس القانون الانتخابي الجديد القائم على الترشح على الأفراد أيضا على تمثيل المرأة التونسية بشكل كبير، حيث تقدمت 122 امرأة فقط للمشاركة في الاستحقاق في مقابل 936 من الرجال، ما يعني أن حضور المرأة سيكون محدودا في البرلمان القادم وبنسبة قد لا تتجاوز العشرة في المئة. وهذا مؤشر سيء على أن المرحلة القادمة ستشهد تراجعا في أحد أهم الميادين، وهو التمكين للنساء الذي تقدمت فيه تونس خطوات لافتة قياسا بمحيطها الإقليمي.
ودعا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على هامش تجمع عمالي بالوكالة الوطنية للتبغ والوقيد (مؤسسة عمومية) إلى ضرورة مراجعة القانون الانتخابي، مطالبا بقراءة موضوعية وبالتأني وإدخال التعديلات اللازمة بهدف تحقيق الدينامكية الديمقراطية وتعدد الترشحات.
وأعرب عن تأييده لخيار تأجيل الانتخابات قائلا في هذا السياق “كان القرآن ما يتغيّرش (لا يتغير)… أي عمل بشري قابل للتقييم”.
ويرى مراقبون أن الرئيس سعيد نفسه لا يبدو مقتنعا بخيار السير في إجراء الانتخابات في الموعد المعلن، في ظل إدراكه لسقوطه في إخلالات كبيرة فيما يتعلق بالقانون الانتخابي.
وضع الجميع في خانة الخصوم لن يخدم الرئيس ومشروعه بل سيؤدي إلى المزيد من تضييق حلقة الحلفاء في الداخل
وسبق أن أقر قيس سعيد بثغرة التزكيات التي فتحت المجال أمام المال السياسي، ولا ينفك الرئيس في الفترة الأخيرة عن التعبير عن مخاوف لديه حيال تركيبة البرلمان المقبل، فيما يعكس عدم حماسته للمضي قدما في الاستحقاق.
ونقل موقع رئاسة الجمهورية الاثنين أن الرئيس سعيد بعد لقائه بوزير الداخلية توفيق شرف الدين، أشار إلى “عدد من الممارسات التي يقوم بها البعض من توزيع للأموال استعدادا لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، وتخفّي عدد من المترشحين الذين يعلمهم المواطنون تحت عباءة الاستقلالية أو تحت مسميات لمغالطة الناخبين وهم إما مندسون أو انتهازيون”.
ويلفت المراقبون إلى معضلة أخرى وتتمثل في أن جزءا مهما من الشارع التونسي المكتوي بنار الأزمة الاقتصادية لن يكون متحمسا للمشاركة في التصويت، وهذا الأمر سيشكل إحراجا إضافيا لقيس سعيد في الداخل والخارج.
ويقول مراقبون إن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل قد قدم للرئيس سعيد طوق نجاة من إجراء هذا الاستحقاق في ظل الوضع الراهن، ذلك أن جميع المؤشرات تؤكد أن البرلمان المقبل سيكون مجرد مؤسسة صورية، ولن تخدم صورة الرئيس التي يسعى إلى تسويقها للخارج.
ويشير هؤلاء إلى أن تونس في حاجة اليوم إلى حوار جدي يضع خارطة طريق لحل الأزمة السياسية والاجتماعية المحتدمة، محذرين من أن وضع الجميع في خانة الخصوم لن يخدم الرئيس ومشروعه بل سيؤدي إلى المزيد من تضييق حلقة الحلفاء في الداخل وتوسيع دائرة الأعداء.
وحذر الطبوبي الخميس من أي خطوة لتفكيك مؤسسات القطاع العام المتعثرة ضمن حزمة الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
والتزمت الحكومة التونسية بإصلاحات واسعة تشمل التحكم في كتلة الرواتب العالية ومراجعة نظام الدعم، بجانب إصلاح النظام الضريبي والمؤسسات العمومية المتعثرة التي تواجه عجزا ماليا كبيرا مستنزفا للمالية العمومية.
لكن اتحاد الشغل، أكبر منظمة نقابية ووطنية في تونس، أعلن مرارا تحفظه على الخطط المرتبطة بإصلاح المؤسسات العمومية والتي قد تهدد بتسريح موظفين أو ببيعها إلى القطاع الخاص، ملوحا بالتصعيد.
وقال الطبوبي، في كلمته بشركة التبغ، إحدى الشركات المملوكة للدولة ومن بين المؤسسات المعنية بالإصلاح، “اليوم هي معركة القطاع العام”.
وتابع الطبوبي، أمام حشد من عمال الشركة “كل الحكومات المتعاقبة أتت لتفكيك وتخريب البلاد. نحن نضع مليون خط أحمر”. وطالب الرئيس التونسي بالالتزام فعليا بتعهده في وقت سابق بعدم المساس بمؤسسات القطاع العام.
ولم توضح الحكومة كيف ستكون خطتها لإصلاح المؤسسات المتعثرة، حيث يتعين بحسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إصدار قانون جديد لتنظيمها.
وتوصلت تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد على مستوى الخبراء بشأن قرض جديد بقيمة 1.9 مليار دولار يصرف أقساطا على مدى 48 شهرا.
وسيتم عرض الاتفاق النهائي بشأن البرنامج على المجلس التنفيذي للصندوق خلال الاجتماع المقرر انعقاده لمناقشة طلب تونس، في شهر ديسمبر المقبل.