اتحاد الشغل يخوض معارك مع الحكومة تصب في مصلحة النهضة

الطبوبي يرفض البرنامج الاقتصادي للحكومة ويلوح بورقة الشارع.
الأربعاء 2022/01/05
تصعيد غير مفهوم

مواقف اتحاد الشغل الذي عرفت عنه مناوأته لحركة النهضة خلال السنوات الماضية مخيبة لتوقعات الداعمين لإجراءات الرئيس قيس سعيد الذين كانوا يتوقعون أن يترجم بيانات دعمه لتلك الإجراءات إلى خطوات فعلية بدل التلويح بالتصعيد ضد البرنامج الاقتصادي للحكومة.

تونس - تثير مواقف اتحاد الشغل (أكبر نقابة في البلاد) الضاغطة على حكومة نجلاء بودن استغراب المتابعين للشأن السياسي في تونس، حيث تصب تلك المواقف التي قد تتطور إلى معارك في مصلحة حركة النهضة التي اختارت التصعيد ضد الحكومة والرئيس قيس سعيد، مستخدمة الورقة الحقوقية في محاولة لاستعادة مشهد معارضتها للرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وعبر الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي عن رفضه للبرنامج الذي أعدته الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وهو الرفض الذي يتزامن مع محاولات حركة النهضة الترويج لتعميق حكومة بودن للأزمة الاقتصادية.

وأشار الطبوبي أثناء حضوره في افتتاح أشغال الهيئة الإدارية الوطنية الثلاثاء إلى خطورة الأوضاع في البلاد، مؤكدا أن اتحاد الشغل كان له السبق في الكشف عن محتوى برنامج الحكومة للتفاوض مع البنك الدولي قبل تسريبه من طرف منظمة “أنا يقظ” منذ أيام.

وأكد ما تضمنته الوثيقة التي نشرتها “أنا يقظ” من رفع الدعم هذه السنة عن المواد البترولية والمواد الأساسية بداية من السنة المقبلة وكذلك عزم الدولة بيع حصصها من المؤسسات العمومية بنية الشروع في التفويت فيها.

ووجه الاتحاد الاثنين رسالة إلى رئيسة الحكومة أكد فيها رفضه للمنشور المتعلّق بالتفاوض مع النقابات وعدم ارتياحه لما وصفه بالتداعيات الخطيرة له على حقّ الموظّفين وأعوان المؤسّسات والمنشآت العمومية في المفاوضات الجماعية.

محمد بوعود: الاتحاد لا يمكن أن يستعدي الحكومة لحساب النهضة

واعتبر الطبوبي أن معضلة المنشور عدد 20 ستتسبب في توترات اجتماعية وستخلق مناخات اجتماعية صعبة جدا وستضرب مقومات الحوار الاجتماعي في العمق، وهو ما اعتبر تلويحا بحشد الشارع ضد الرئيس.

وسبق أن عبر الطبوبي عن استعداد الاتحاد الدخول في حرب “كسر عظام” مع الحكومة بعد اقتراحها إجراءات تقشفية مؤلمة على غرار التقليص بنسبة 10 في المئة في المرتبات وتجميدها لمدة 5 سنوات.

وينظر مراقبون لمواقف الاتحاد المهاجمة لبرامج الحكومة لإنقاذ الاقتصاد على أنها تعكس تضاربا في المواقف، ففي حين لا يتوقف الاتحاد عن إعلان تأييده للإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي إلا أنه يمارس ضغوطا تصب في النهاية لصالح الأطراف المعارضة له والتي تحاول إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الخامس والعشرين من يوليو وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية.

ويقول هؤلاء المراقبون إن رفض سعيد إشراك الاتحاد وغيره من المنظمات في حوار سياسي لا يبرر له اتخاذه هذه المواقف الانتقامية التي تعرقل بشكل أو بآخر مشروع سعيد في تخليص البلاد من الفوضى التي شهدتها طيلة العقد الأخير بما في ذلك العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي كثيرا ما طالب الاتحاد بكشف ومحاسبة المتورطين فيها.

وتساند حركة النهضة كل الأطراف المعارضة لمسار الخامس والعشرين من يونيو على غرار مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” كما تمارس مؤخرا ضغوطها على نظام سعيد، إذ تتهمه بتصفية معارضيه تزامنا مع اعتقال نائب رئيس الحركة نورالدين البحيري.

وقال المحلل السياسي محمد بوعود لـ”العرب” إن النهضة اليوم تحاول جاهدة أن توظّف خلاف الاتحاد العام التونسي للشغل مع حكومة بودن على الترفيع في المرتبات للسنوات القادمة، وعلى الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي لتروج لأن الاتحاد يستعدي الحكومة وفي حالة حرب معها.

واستبعد بوعود وقوف اتحاد الشغل في صف النهضة، قائلا إن الاتحاد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخوض معركة مع الحكومة لحساب حركة النهضة ولا لحساب غيرها، مشيرا إلى التناقض المبدئي بينه وبين هذه الحركة وإلى تفرده بإعلان مساندته الرسمية والصريحة لسعيد منذ الساعات الأولى لحركة الخامس والعشرين من يوليو.

ولفت إلى تعاون اتحاد الشغل مع الحكومة من خلال استئناف المفاوضات الاجتماعية ومحادثات الطبوبي مع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي حيث نوها بالاتفاق الذي تم مع القطاع الخاص وغيره.

وأوضح بوعود أن الخلاف الوحيد الموجود هو بين قيادة الاتحاد ورئيس الدولة حول استشراف المحطات السياسية القادمة، ففي حين يريدها الرئيس عن طريق الاستشارة الإلكترونية والاستفتاء، يسعى اتحاد الشغل ليكون عن طريق الحوار الوطني والانتخابات.

وتابع “هذا لا يخدم النهضة إطلاقا التي لا تريد انتخابات ولا استفتاء ولا حوارا ولا استشارة إنما تريد فقط العودة إلى الحكم”.

مواقف الاتحاد تعكس تضاربا واضحا، ففي حين لا يتوقف عن إعلان تأييد الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد لكنه يمارس ضغوطا تصب في النهاية في صالح الأطراف المعارضة

وسبق للاتحاد العام التونسي للشغل أن أدان لجوء قيادات من حزب حركة النهضة إلى ما وصفه بالاستقواء بجهات أجنبية والتحريض ضد البلاد بعد القرارات الاستثنائية لسعيد، مشيرا إلى رفضه تدخل بعض الدول في الشأن الداخلي التونسي.

وأكد أن أطرافا من النهضة سعوا لفرض عقوبات على تونس، مضيفا أن ذلك يعتبر “خيانة” للبلاد.

وتعيش تونس منذ أيام على وقع جدل حقوقي أثارته حركة النهضة والأحزاب الدائرة في فلكها حيث استغلت اعتقال البحيري دون مذكرة قضائية للترويج إلى أن البلاد عادت إلى مرحلة الاستبداد، وهو ما دفع وزير الداخلية توفيق شرف الدين الإثنين للخروج وتقديم توضيحات للرأي العام.

وقال شرف الدين “هناك شبهات إرهاب جدية” في ملف توقيف نائب رئيس حزب النهضة البحيري ووضعه تحت الإقامة الجبرية، مؤكدا ضمان حسن المعاملة له.

وأضاف شرف الدين في مؤتمر صحافي “هناك مخاوف من عمليات تمس بسلامة الوطن، لذلك كان لزاما علي أن أتخذ القرار”، مضيفا أنه تواصل مع وزارة العدل في الموضوع لكن “تعطلت الإجراءات… وأنا أعلم أنه ليس هناك داع لتعطلها”.

4