"ابتسم أيها الجنرال".. دراما سورية تفكك حقيقة الأنظمة الدكتاتورية

عمل درامي يندّد من دون خطوط حمراء بعمل الدكتاتوريات الحاكمة داخل قصر جنرال مستبد.
الثلاثاء 2023/04/25
عمل درامي يشبه الواقع كثيرا

دمشق - جاء مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي عرض خلال الموسم الرمضاني الماضي ليكون عملا مختلفا مع كل الإنتاج التلفزيوني الذي تعرضه القنوات العربية عموما والذي تنوّع بين مسلسلات تاريخية أو اجتماعية أو كوميدية خفيفة، حيث تناول العمل الدكتاتوريات الحاكمة من خلال حكايات تدور داخل قصر جنرال مستبد.

ورغم تأكيد أسرة المسلسل منذ الإعلان عنه أن أحداثه خيالية ولا علاقة لها بالواقع، إلا أن عددا من النقاد اعتبروا أن العمل يندّد من دون خطوط حمراء بانتهاكات العائلة الحاكمة في سوريا منذ نصف قرن، كما اعتبروا أن شخصية “الجنرال” التي يؤديها الممثل السوري مكسيم خليل تعود إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بينما يسلط العمل الضوء على صراع حافظ الأسد مع شقيقه رفعت على السلطة في سوريا في ثمانينات القرن الماضي، في حين رأى البعض الآخر أن شخصية “الجنرال” تعود إلى بشار الأسد الرئيس الحالي للنظام السوري.

وفي تصريحات صحفية وصف خليل العمل بأنه “الأجرأ على الإطلاق في مسيرته الفنية”، معتبرا أن ميزة المسلسل تتمثل في صناعته بعيدا عن مقص الرقيب ما يعني تحرره من القيود السلطوية، وتمتعه بالقدرة على تقديم دراما حقيقية غير موجهة، وبلا مواربة.

عروة محمد: المسلسل يحاول فهم أساليب التسلط ويعبر عن كل نظام مستبد
عروة محمد: المسلسل يحاول فهم أساليب التسلط ويعبر عن كل نظام مستبد

ورغم أنّ أحداث القصة تدور في دولة وهمية وشخصياتها كما يظهر في بداية كلّ حلقة من “وحي الخيال”، إلا أنّ تسليط الضوء على مؤامرات داخل أروقة القصر، والتدخّل في سياسة بلد صغير مجاور، عدا عن اعتقال المعارضين واستخدام الإسلاميين، كلّها تفاصيل تحاكي أداء عائلة الأسد التي تحكم البلاد بقبضة من حديد.

ويقول الناشط المعارض فداء الصالح (35 عاما) “لأول مرة على مستوى الوطن العربي، يتمّ عرض مسلسل يتحدّث عمّا يجري داخل القصر الرئاسي”.

ويضيف “أصبح الشعب السوري، بعد 12 سنة من الثورة السورية، متيقّناً من أنّ ما يُعرض ليس إلا نقطة من بحر إجرام هذا النظام”.

ويجسّد الممثّل السوري مكسيم خليل، المقيم في المنفى والمعارض للنظام، شخصية فرات، رئيس الدولة، متقمّصا ملامح وإيماءات الرئيس بشار الأسد. وعلى غرار الأخير، يخلف فرات والده في الرئاسة رغم صغر سنّه.

وبعد وفاة الرئيس الأسبق حافظ الأسد عام 2000، تمّ تعديل الدستور لخفض الحدّ الأدنى لسنّ رئيس الجمهورية من أربعين إلى 34 عاما.

وفي حين سمح هذا التعديل لبشار الأسد بأن يخلف والده ويتسلّم السلطة بطريقة سلمية وسلسة، فإنّ وصول فرات إلى السلطة كان معمّدا بالدم، إذ يجسّد مشهد كيف يقتل بدم بارد قائدا عسكريا رفيعا داخل مسجد بعدما رفض الانصياع لطلبه الإيعاز لمجلس الشعب بتعديل الدستور.

ويقول المخرج عروة محمّد “إنّه عمل درامي وليس وثائقيا”. ويضيف “تكمن أهمية المسلسل في فهم آلية عمل الدكتاتوريات وأساليب التسلّط والاستبداد وكواليس سلب الحكم بالسلاح والانقلاب على القانون والدستور، ومن خلال ذلك، يستطيع المشاهد العربي بشكل عام إسقاط شخصيات المسلسل أو حتى تغيير الأسماء لتتماشى مع أيّ نظام استبدادي يراه”.

ويوضح “يحيلنا مسلسل ‘ابتسم أيها الجنرال’ إلى النظام السوري السابق والحالي عبر دمج مرحلتين: مرحلة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، ومرحلة بشّار الأسد وشقيقه ماهر”.

ويتمحور المسلسل المؤلّف من 30 حلقة، وهو من كتابة سامر رضوان، حول الصراع على السلطة بين الرئيس وشقيقه الأصغر عاصي، قائد أركان الجيش.

ويبدو الصراع مستوحىً من حرب لا هوادة فيها دارت في الثمانينات بين حافظ الأسد وشقيقه الأصغر رفعت، الذي انتهى به المطاف منفيا في أوروبا. ويحاكي المسلسل كذلك المنافسة بين بشّار الأسد وشقيقه الأصغر ماهر، قائد الفرقة الرابعة، وحدة النخبة في الجيش السوري، كما يشرح المخرج.

ويؤدي الممثّل عبدالحكيم قطيفان، المعارض الذي اعتُقل لتسع سنوات في عهد الأسد الأب ويعيش حاليا في المنفى، دور مدير الاستخبارات النافذ والعقل المدبّر في الرئاسة.

المسلسل المؤلّف من 30 حلقة يتمحور حول الصراع على السلطة بين الرئيس وشقيقه الأصغر قائد أركان الجيش
المسلسل المؤلّف من 30 حلقة يتمحور حول الصراع على السلطة بين الرئيس وشقيقه الأصغر قائد أركان الجيش

وتجسّد الممثلة سوسن إرشيد شخصية سامية، شقيقة الرئيس المتمرّدة، في تشابه مع شخصية بُشرى الأسد، التي انتقلت إلى دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت، أحد أربعة مسؤولين عسكريين سوريين كبار قضوا بتفجير انتحاري استهدف مقرّ الأمن القومي في دمشق عام 2012.

ويقول الناقد الدرامي والكاتب محمّد منصور، المقيم في تركيا، إنّ “أهمية العمل أنّه تجرّأ على محاولة أو محاكاة سيرة حياة أسرة عربية حاكمة حكمت بلدا منكوبا اسمه سوريا وجرّت عليه الويلات”.

ويتابع “هذه المحاولة جديدة في الدراما السورية وربّما العربية” مقارنة مع إنتاجات شبيهة اكتفت بتسليط الضوء على جوانب إيجابية.

ولقي المسلسل متابعة داخل سوريا وخارجها. ويثني الناشط حسام هزبر (32 عاما) على أنّ المسلسل “تجاوز كافة الخطوط الحمراء التي اعتاد النظام وضعها أمام الدراما” السورية.

وتَظهر في المسلسل شخصيات عدّة تحاكي شخصيات حقيقية، على غرار زوجة الرئيس التي تلعب دورا متناميا، في إشارة ضمنية إلى أسماء الأسد.

وقارن متابعون للمسلسل بين شخصية رجل أعمال نافذ وفاسد وبين رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد الذي تمّ تقليص نفوذه وأعماله خلال السنوات الأخيرة لصالح رجال أعمال مقربين من السيّدة الأولى وعائلتها.

أما في دمشق، فيشير متابعون للمسلسل إليه بتسمية “ذاك المسلسل” تفاديا لذكر اسمه.

ويقول إبراهيم، وهو مدرّس تحفّظ عن ذكر شهرته إنّ “المسلسل دون التوقّعات بكثير، لكن يكفي أنّه يحاكي الحالة السورية”.

ويضيف “نسهر مع الأصدقاء ونحاول أن نسقط أحداث المسلسل على أرض الواقع، أحيانا ننجح وأحيانا لا نفهم المغزى من هذا المشهد أو ذاك”.

وتفاوتت آراء الفنانين السوريين حول المسلسل، حيث أبدى الفنان السوري جمال سليمان، إعجابه بالعمل لأنه فتح نقاشا كبيرا من خلال تجاوزه جميع الخطوط التقليدية والمعروفة في صناعة الدراما السورية. واعتبر أن المسلسل جريء وإشكالي.

في المقابل، هاجم الممثل باسم ياخور، المسلسل معتبرا أنه خارج المنطق الفني لأن الفن لا يجب أن يكون هدفا مباشرا للتناول الشخصي.

14