ابتسام تريسي: شهرزاد هي الأقدر على سرد التفاصيل

القاهرة ـ ابتسام إبراهيم تريسي، روائية سورية مسكونة بهموم الشعب السوري ومعاناته، يشغلها الواقع السوري كما تاريخه ومستقبله، كتبت العديد من الأعمال الهامة على رأسها المجموعة القصصية “جذور ميتة” والتي حازت على الجائزة الأولى لمسابقة سعاد الصباح 2001، ورواية “جبل السماق” بجزئيها، والمجموعة القصصية “نساء بلا هديل”، الحائزة على الجائزة الأولى لموقع لها أون لاين، فضلا عن رواية “المعراج”، ورواية “عين الشمس” التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2010.
مؤخرا، صدرت لابتسام تريسي رواية “مدن اليمام” عن الدار العربية للكتاب، وفيها توثق للمقاومة السورية ضدّ حكم بشار الأسد، والقمع في عهده الذي لم يختلف كثيرا عمّا كان عليه في عهد والده. عن أعمالها السابقة وروايتها الجديدة، ورؤيتها للحالة الثقافية السورية كان لـ”العرب” معها الحوار التالي.
مدن اليمام
وتستطرد تريسي في الحديث عن روايتها الأخيرة قائلة: «مدن اليمام كانت مدني الخاصة التي عاشت فيّ قبل أن أعيش فيها، كان ابني معتقلا، ولم أكن أعرف مصيره، وكنت في رحلة بحثي عنه أدخل بالمصادفة أحيانا، وأحيانا بقرار ذاتي في مواقف ومواجهات مع السواد الذي طغى على المدن، سواد أجبرني أن أوثق لحظات الأمل والإصرار على المواجهة والبقاء في حالة مصالحة مع القدر الذي سيأتي».
ابتسام تريسي تحدثت عن الثورة السورية، عندما رفض كثيرون إقحامها كحدث لم يكتمل بعد في عمل روائي
وتومئ تريسي إلى أنها بدأت الآن بكتابة عمل قد لا يكون جزءا ثانيا لمدن اليمام، لكنّه يتناول ما آلت إليه الثورة وتحوّلها إلى نهج التسلّح، وما جرّه ذلك على البلد من ويلات، لن يكون آخرها ضرب قوات التحالف لسوريا بحجة القضاء على الإرهاب، وموت المزيد من المدنيين، لافتة إلى أن الكتابة غالبا لا تصدر عن قرار مسبق، فما يجري على الأرض يفرض نفسه على كل كاتب حر، حيث تقدّم الثورة نفسها تربة خصبة جدا للكتابة، وما على الكاتب سوى أن يعيش وقائع هذه الحالة ويرصد الأحداث والمتغيرات.
المرأة هي الأقدر
ثمّ تستأنف موضحة قولها: «أرى المرأة أقدر على كتابة التفاصيل، فهي أقوى ذاكرة من الرجل، وأكثر حضورا في الكتابة الحميمة، وأكثر إخلاصا لعملها، وتملك قلقا إيجابيا تجاه العمل الإبداعي من حيث قوته وتأثيره واستمراريته، فالمرأة تكتب من داخل الشخصية، لذلك تبدو أقرب إلى القلب، وأكثر التصاقا بالروح. وأنا على قناعة تامة بأنّ المرأة أقدر على فهم قضاياها والتعبير عنها».
وردا عمّا إذا كان ابتعادها في أعمالها اللاحقة عن المناقشة المباشرة لقضايا المرأة خوفا من تصنيفها ككاتبة نسوية، تشدّد تريسي على أنها لا تخاف التصنيف لأنها ضدّه، فهناك أدب تكتبه المرأة، وأدب يكتبه الرجل. لكن الرواية هي التي فرضت عليها الابتعاد عن هذا، فهي تعتبر أن ما تكتبه إنساني بحت، ويتناول قضايا إنسانية، تشمل المرأة والرجل، لأنها تعتبرهما كلا واحدا، ولا تفصل بينهما في التعامل أثناء الكتابة. ومع هذا لا تنكر وجود قضايا تخص المرأة بحكم تكوينها الفيزيولوجي، وبحكم معاملة المجتمع لها حسب مفاهيمه الذكورية.
|
حذاء السلطة
وتضيف: «الروائيون السوريون قدموا أعمالا كثيرة خلال السنتين الماضيتين حول الثورة، منها رواية خالد خليفة التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر في العام الماضي “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، وأيضا هناك روايات لسمر يزبك، وغسان الجباعي، ومها حسن، وفخرالدين فياض وآخرين، كلها تناولت الثورة السورية في عامها الأول. هناك مواكبة للحدث على الرغم من الوضع السيّئ الذي يعيشه الكتّاب السوريون».
وعن الوضع السياسي تقول: «التدخل الأميركي العربي لضرب الإرهابيين في سوريا -كما يدّعون- في هذا التوقيت، سدّ أفق التوقعات نهائيا، وجعل الرؤيا ضبابية إلى أبعد حدّ. فأميركا لا تريد القضاء على رأس الإرهاب (النظام السوري بمجمله) بل تساعده في ضرب السوريين المدنيين بحجة ضرب أوكار داعش التي هددتها أميركا علنا منذ مدة وأخلت مقراتها. أميركا تريد أن يفني الشعب السوري بعضه، وتدمر هي وحليفها الأسد كل البنى التحتية، وتترك الأرض خرابا لمن تبقّى من البشر كي تبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة حتى نهاية القرن، إلى إن يستطيع الشعب السوري العودة كما كان، خلال خمسين عاما قادمة على الأقل».
وتلفت إلى أنها لا تعتقد أنّ هناك حلا سلميا، فالقرار ليس بأيدي السوريين، ومن بيدهم القرار لا يريدون ذلك، والمعارضة الممثلة بالائتلاف الوطني لا قيمة لها، ولا تأثير، هي عبارة عن أشخاص يعيشون على المتاجرة بدماء السوريين، ويقبضون أموالا طائلة من الداعمين الأجانب والعرب، حيث أصبحت سوريا ملعبا وساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وشخصية.
وتختم تريسي الحوار برؤيتها لدور المثقف السوري في ظل هذا الخراب: «المثقف السوري لا يملك وسط هذا الخراب والدمار حلا لإيقاف العنف، أو حتّى إمكانية تقريب وجهات النظر بين المتصارعين على الأرض من أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عمن جاؤوا من خارج سوريا لأهداف شتى تخص كل واحد منهم. إذن دوره في هذه المرحلة سيقتصر على التوثيق والتحليل، وإحصاء الخيبات والخسارات.. وربّما في مرحلة أخرى سلمية -إن وجدت- يكون للمثقف دوره الفاعل في رأب الصدع الاجتماعي، الذي خلّفته الحرب».