ابتزاز سياسي عراقي للكويت بشأن خور عبدالله على أعتاب القمة العربية

الشرط العراقي غير المسبوق لحضور الكويت يهدد وحدة القمة العربية، وهو يتنافى مع الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية للقمم والمؤتمرات الدولية.
السبت 2025/05/10
ملف خور عبدالله قضية حدودية بحرية حساسة ومعقدة

بغداد - ألقت لجنة النقل في البرلمان العراقي بظلال كثيفة من الشك على أجواء القمة العربية المرتقبة في بغداد، معربة عن رفضها استقبال الكويت في هذا الحدث الإقليمي الرفيع، ومعلنة شرطا مفاجئا لحضورها يتمثل في إجراء مفاوضات والتنازل عن جزء من خور عبدالله.

وهذه المطالب غير المسبوقة، التي تتناقض جوهريا مع الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية الراسخة لتنظيم القمم والمؤتمرات الدولية، تبرز في سياق تصعيد لافت، إذ سبقها اعتراضات من قوى سياسية عراقية نافذة مدعومة من إيران على دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في القمة.

وقالت رئيسة لجنة النقل البرلمانية، زهرة البجاري، في تصريح لوكالة شفق نيوز الكردية، إن اتفاقية خور عبدالله هي لتنظيم الملاحة وليست لترسيم الحدود، مؤكدة أن الاتفاقية تم التصويت عليها بأغلبية بسيطة في البرلمان، في حين يشترط لتمرير اتفاقيات بهذا الحجم ثلثي الأصوات.

 وأضافت أن اللجنة تحترم قرار المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء الاتفاقية، وطلبها إعادة التفاوض عبر لجان مشتركة من الجانبين العراقي والكويتي، مستغربة طعن رئيسي الجمهورية والوزراء العراقيين بقرار المحكمة.

وشددت البجاري على رفضها التنازل عن أي جزء من الأراضي العراقية، معتبرة أن حضور الكويت للقمة مقابل التفاوض على خور عبدالله أمر غير مقبول.

وأجلت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 30 أبريل الماضي، مرة أخرى البت بالدعوى المقدمة من الحكومة العراقية ورئاسة الجمهورية بشأن التنازل عن حقوق العراق في خور عبدالله.

وأفادت وسائل إعلام كويتية، في 15 أبريل الجاري، بأن الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد طعنا بشكل منفصل بقرار المحكمة الذي أبطل قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله، مطالبين بالعدول عن القرار وإعادة العمل بالاتفاقية المبرمة عام 2013.

وكانت المحكمة الاتحادية قد أقرت في سبتمبر 2023 بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية، التي تعتبر اتفاقية دولية حدودية بين البلدين، تم التوقيع عليها عام 2013 تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن الدولي بعد الغزو العراقي للكويت.

واتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله هي اتفاقية دولية حدوديّة بين العراق والكويت، صودق عليها في بغداد في 25 نوفمبر 2013 تنفيذاً للقرار رقم 833 الذي أصدره مجلس الأمن سنة 1993 بعد عدة قرارات تلت الغزو العراقي للكويت سنة 1990، واستكمالاً لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين، ووضع تحديد دقيق لإحداثياتها على أساس الاتفاق المُبرم بين البلدين بعد استقلال الكويت سنة 1961.

وأدت هذه الاتفاقية إلى تقسيم خور عبدالله بين البلدين، والواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكل من جزيرتيّ بوبيان ووربة الكويتيتين، حيث قُسم الممر الملاحي الموجود بنقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبدالله بالحدود الدولية، ما بين النقطة البحرية الحدودية رقم 156 ورقم 157 باتجاه الجنوب إلى النقطة 162 ومن ثم إلى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله. كما أدت إلى إنشاء موانئ جديدة.

وأثارت هذه الاتفاقية جدلا كبيرا في العراق، حيث رأى فريق من السياسيين العراقيين أن رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي والبرلمان العراقي قد تنازلا عن جزء من خور عبدالله، وهو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية، وأن التقسيم جاء بالتنصيف، وليس بناء على خط التالوك، أي أعمق ممر يُسمح للملاحة البحرية فيه.

ويثير التهديد بمنع دولة مؤسسة في جامعة الدول العربية من حضور قمة إقليمية رفيعة المستوى سابقة خطيرة تنذر بتقويض أسس العمل العربي المشترك، ففيما تسعى بغداد لاستضافة قمة جامعة، تبرز محاولات ربط الحضور بقضايا ثنائية، وهو ما يهدد حيادية الحدث ويفرغه من مضمونه السياسي الهادف إلى تعزيز التضامن والتنسيق بين الدول الأعضاء.

وتأتي هذه التطورات في وقت بالغ الحساسية، حيث تطمح بغداد إلى تقديم نفسها كمنصة توافقية وبيئة حوارية مفتوحة لجميع الأطراف العربية، ساعية بذلك إلى تجاوز حالة الاستقطاب والتجاذبات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، غير أن هذه الطموحات تصطدم بضغوط داخلية وخارجية تسعى لفرض أجندات خاصة على القمة، ما يضع الحكومة العراقية في موقف دقيق.

وتمثل هذه الضغوط المتزايدة، سواء تلك المتعلقة بشرط حضور الكويت أو بالاعتراض على دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع، اختبارا حقيقيا لقدرة الحكومة العراقية على الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي وسيادتها في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية. ويتوقف على تعامل بغداد مع هذه التحديات قدرتها على تقديم نفسها كعاصمة عربية جامعة وموثوقة قادرة على احتضان الملفات الإقليمية الحساسة بمسؤولية وحياد.

وفي خضم هذا المشهد المتوتر، يتوقع أن تلتزم الكويت بالهدوء الدبلوماسي المعهود، مؤكدة تمسكها بالحلول السلمية وآليات العمل المؤسسي الإقليمي والدولي، بينما تتجه الأنظار إلى حكمة القيادة العراقية في تجاوز هذه التحديات والحفاظ على القمة العربية كمنبر جامع.