إيمانويل تود يدافع عن مسلمي فرنسا ويحذر من درايفوس جديدة

الأحد 2016/04/10
تود يلعب دور الرّجل الوسطي

عقب هجمات بروكسل الأخيرة، عادت بعض الصّحف الفرنسية إلى طرح السّؤال القديم: هل نُدين الإسلام أم نصلحه؟ واستفاقت بعض المحطات التلفزيونية من سباتها، وفتحت نقاشات مكرّرة عن الإسلام، باجترار كلام قديم ومرقّع، وفي فوضى النّقاشات الاستعراضية، عاد اسم مهمّ للظّهور مجدداً، نقصد هنا اسم الكاتب والمؤرخ إيمانويل تود(1951-)، حيث صادفت هجمات بروكسل صدور التّرجمة الأميركية لكتابه المثير «من هو شارلي؟»، الذي لاقى احتفاء مميزًا في الملحق الأدبي لصحيفة «نيويورك تايمز»، لكن ما هي أهمية إيمانويل تود في هذا الوقت تحديداً؟

في كتابه «من هو شارلي» (صدر بداية عام 2015، عن دار لوسوي)، الذي جاء كردّة فعل عن هجمات شارلي إيبدو، ثم المسيرة الضّخمة التي اجتمع فيها بعض قادة الدّول، ومئات الآلاف من الفرنسيين، السّنة الماضية، يحاول إيمانويل تود الدّفاع عن مسلمي فرنسا، ودحض «الكره» الذي زرعه اليمين المتطرّف ضدهم، يلعب تود دور الرّجل الوسطي، ويستعين بالتّاريخ للحديث عن فرضيات «التّعايش» في بلاد فولتير، هذا ما يظهر للقارئ العادي، على السّطح، والذي، من الوهلة الأولى، سيتعاطف مع إيمانويل تود، الذي برز صوته، السنة الماضية، وسط «كرنفال» من الأصوات اليمينية، التي وجدت في هجمات شارلي إيبدو سبباً لتبرير خطابات الحقد، التي كانت وما تزال ترفض الوجود الإسلامي في فرنسا.

لكن، إعادة قراءة الكتاب نفسه، بشكل مفصّل، بعيداً عن العاطفة، ستحيلنا إلى «ازدواجية» الكاتب وضبابية موقفه من الإسلام، حيث يذهب إلى القول أن «الإسلاموفوبيا»، في أوروبا إجمالا، وفرنسا خصوصاً، لم تتكرّس سوى بعد تراجع دور الكاثوليكية، وأن تخلّي الفرنسيين عن ممارساتهم الدّينية المسيحية، سمح بظهور اليمين المتطرف، ومن ثمة معاداة الإسلام، هكذا يقول ضمنياً أن الكنيسة وحدها كانت تحمي التعدّد الديني في البلد، ويصرح، باطنياً، بتراتبية الأديان، وسلطة ديانة على غيرها من الديانات الأخرى.

سيلاحظ القارئ أن إيمانويل تود يلتحق، بشكل غير صريح، بالخطابات نفسها التي تبنّاها قبله الروائي ميشال ويلباك (في رواية «الخضوع») وكذا الصّحافي المثير للجدل إيريك زمور (في كتاب «الانتحار الفرنسي»).

فرضيات "التّعايش" في بلاد فولتير

مفهوم «الإسلاموفوبيا»، والمجادلة في مكانة الإسلام في الغرب، صارا من السلع الطّازجة في الصّحف الفرنسية، في التلفزيونات والمحطّات الإذاعية، كلّما وجد صحافي نفسه بلا موضوع، استعان بقضايا إسلامية لكسب الانتباه إليه، والغريب في الموضوع أن «اليسار التّاريخي» تبنّى كتاب إيمانويل تود، وروّج له، مستدلا في رأيه بالقراءة الأولية لما جاء فيه، ومتجاهلاً القيم التراتبية التي دعا إليها المؤلف، الذي يصف الكنيسة في فرنسا بأنها مجموع من «الكاثوليك الزومبي»، الذين تجاوزهم الزّمن، معبراً عن حنين لماض قريب، كانت فيه الممارسات الدينية المسيحية، وما يرتبط بها، من أولويات الفرد الفرنسي.

في هذه المرحلة، يحاول البعض أن يشبّه «العداء تجاه المسلمين» في فرنسا بالعداء تجاه اليهود، الذي ظهر في نهاية القرن التّاسع عشر، على خلفية «قضية درايفوس»، بعد اتّهام الضّابط ألفريد دروفيس، بالخيانة العظمى وبتسليم وثائق سرية للألمان، وهما في الحقيقة قضيتان مختلفتان تماماً، فحينها لم يحصل عداء كليّ لليهود، في فرنسا، بل انقسم المجتمع نصفين، بين مدافع وناقم عليهم، لم تحصل اعتداءات كما يحصل اليوم تجاه مسلمين.

بالإضافة إلى أن عدد اليهود في فرنسا، خلال تلك الفترة، لم يكن يتجاوز 40 ألف شخص، بينما عدد المسلمين، في بلاد زولا اليوم، يتجاوز اﻟ5 مليون مسلم، ومن النّادر أن يجد من يدافع عنهم، هم أنفسهم من يتحمّلون وزر تفاقمات الوضع، ومن يتوجب عليهم الدّفاع عن أنفسهم، كما أن العدوّ في فترة قضية دروفيس، كان واضحاً، وهو نظام سياسي انتهى، أما اليوم فالمسلمون يواجهون مجتمعاً كاملاً، ومن الصّعب عليهم تحديد من يروّج للكره ضدهم.
هم وحدهم في مواجهة الكلّ، وبالعودة إلى إيمانويل تود، الذي صنع لنفسه، في الأشهر الماضية، نجومية هشّة، سنجد أن المثقف الفرنسي الوحيد الذي ادّعى مرافعة عادلة لصالح المسلمين قد وقع هو نفسه في نظريات اليمين المتطرّف.

كاتب من الجزائر مقيم في الدوحة

11