إيلون ماسك عصفورٌ أزرق باليد خيرٌ من بعض أسهُمه على الشجرة

عقب مضي أسبوع على نشر إيلون ماسك تغريدةً يتساءل فيها "هل هناك حاجة إلى منصة جديدة؟" قام بشراء 9.2 في المئة من أسهم الشركة ليكون صاحب أكبر حصة فيها.
وقد جاء سؤاله وإيحاؤه بأنه ينوي بناء منصة جديدة بعد وصفه لتويتر بأنها تقوّض الحريات والديمقراطية، وذلك في ضوء استفتاءٍ سأل فيه متابعيه إن كانت تويتر تلتزم بضمان حرية التعبير، فأجاب 70 في المئة منهم بالنفي، ليعود ويفاجئ الجميع باستحواذه هذا في الرابع من أبريل الجاري.
ماسك نشط جداً على تويتر ويتابعه أكثر من 80 مليون مستخدم، وهو رجل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، يثير الجدل بآرائه وقراراته، ويناكف الشركات والساسة والرؤساء
وحين قام الرئيس التنفيذي لشركتي تيسلا وسبيس إكس وأغنى رجل في العالم بشراء 73.4 مليون سهم في تويتر، بقيمة تصل إلى 2.9 مليار دولار، ارتفعت قيمة أسهم الشركة بنسبة 27 في المئة لتصبح قيمة أسهمه 3.4 مليار دولار، محققاً بذلك حوالي نصف مليار دولار بين ليلة وضُحاها.
حضوره كصاحب أكبر حصة في الشركة مكّنه من دخول مجلس الإدارة كعضو حتى العام 2024، وهنا دبت مشاعر متناقضة لدى العاملين في تويتر حيث أصاب الكثيرين منهم الذعر مما سينجم عن قراراته، وبالمقابل تأجج الحماس لدى طيفٍ كبير من المستخدمين، وقد قام العديد منهم بحملة تطالب بإعادة تفعيل حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد حظره من المنصة على خلفية تغريدات وصفتها إدارة تويتر بالمحرضة على العنف إبان أحداث الكونغرس خلال سباقه الانتخابي مع الرئيس الحالي جو بايدن.
الخروج قبل الدخول
ونشر ماسك من حينها سلسلة من التغريدات حول أكثر الحسابات متابعةً على المنصة لكنها محدودة النشاط، وحول حاجة المنصة إلى إضافة خاصية تعديل التغريدات بعد نشرها، واقتراحه تحويل مبنى تويتر الذي لا يرتاده الموظفون إلى مأوى للمشردين، وغير ذلك.
لكن المفاجأة الكبرى أتت من قرار ماسك التراجع عن دخول مجلس إدارة تويتر الذي كان من المفترض أن يتبوأ مقعده رسميا في التاسع من أبريل الجاري، حسب ما جاء في تغريدة الرئيس التنفيذي للمنصة باراغ أغراوال، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات، حيث أن ماسك النشط جداً على تويتر والذي يتابعه أكثر من 80 مليون مستخدم، رجل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، مثير للجدل بآرائه وقراراته، يناكف الشركات والساسة والرؤساء كما يحلو له عبر تغريداته، وبانضمامه إلى عضوية مجلس الإدارة فإن ذلك يعني عدم قدرته على شراء أكثر من 14.9 في المئة من أسهم تويتر حتى انتهاء دورته كعضو في مجلس الإدارة في العام 2024، وتخليه عن هذا المنصب يترك الأبواب مفتوحة أمامه ليستحوذ على المزيد من تلك الأسهم، ويشق طريقه نحو امتلاك المنصة.
في الرابع عشر من الشهر الجاري قدم ماسك إلى مجلس إدارة تويتر عرضا بالاستحواذ على كافة الأسهم بمبلغ 41.39 مليار دولار، أي بسعر 54.20 دولار للسهم الواحد، ليقفز مؤشر تويتر مجددا بنسبة 12 في المئة، وقد أرفق عرضه برسالة تهديد ببيع كافة أسهمه في حال رفض المجلس هذا الاستحواذ، الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط مؤشر تويتر إلى ما دون سعر السهم قبل شرائه لحصته الحالية، ليقوم المجلس باجتماعات فورية لإيجاد حل للقضية، معتبرا ذلك عرضا عدائيا للاستحواذ، وعارضا عليه بقاءه كعضو في مجلس الإدارة، إلا أن ماسك أصرّ ووصف العرض بأنه الأفضل والنهائي، وقال إن التغييرات التي ينوي إجراءها على المنصة تستلزم تحويلها إلى شركة خاصة.
الحبّة السامة
بعد عرض ماسك اتفق مجلس إدارة تويتر على تبني خطة "الحبة السامة"، وهو أسلوب تلجأ إليه الشركات لمنع جهة أو شخص ما من الاستحواذ عليها. وقد يعمد مجلس الإدارة إلى إغراق الشركة بالديون ليتكبدها المستحوذ الجديد، أو مضاعفة عدد أسهم الشركة وبيعها للمستثمرين الحاليين ما عدا
الشخص أو الشركة الساعية للاستحواذ، والأمر فيه مخاطرة أشبه بالانتحار. وتسعى تويتر من خلال هذه "الحبة السامة" إلى الحد من تجاوز ماسك نسبة 15 في المئة من الأسهم التي سيشتريها في المستقبل.
وسبق أن لجأت شركات كبرى - مثل نتفليكس وبابا جونز- إلى هذا الأسلوب لمنع الاستحواذ الكامل عليها، لكن الصراع بين أغنى رجل في العالم ومجلس إدارة تويتر يبقي ثلاثة احتمالات أمام ماسك؛ يتمثل الأول حسب محللين في التمويل من خلال الاقتراض مقابل ضمانات من حصصه في شركتي تيسلا وسبيس إكس، وجذب المستثمرين الجدد في تمويله هذا ممن يؤمنون بالرؤية الجديدة التي يرسمها ماسك لتويتر، خصوصا وأن أسهم تويتر لم تحقق الكثير من المكاسب منذ طرحها للاكتتاب العام، إذ حافظت على نوع من الثبات منذ العام 2013، في حين ارتفعت المؤشرات الأخرى بشكل كبير مقارنة بمؤشر تويتر.
مجلس إدارة تويتر قرر مواجهة ماسك بتبني خطة دعاها "الحبة السامة"، وهو أسلوب تلجأ إليه الشركات لمنع جهة أو شخص ما من الاستحواذ عليها
أما الخيار الثاني فهو تنفيذ ماسك لتهديده وبيع كافة أسهمه في تويتر، تاركا قيمة السهم ليهوي بأكثر مما صعد، وربما العودة إلى فكرته الأساسية في إنشاء منصة تواصل اجتماعي جديدة كما سبق وأن ذكر في تغريدة له قُبيل إعلانه الاستحواذ على أكبر حصة من أسهم الشركة.
وثمة خيارٌ ثالث يتجسد في رفع السعر الذي سيرضي المستثمرين ويشجعهم على البيع، مما يفرض على ماسك إيجاد شركاء استراتيجيين يتحالفون معهم، لكن هذا الخيار يبدو صعبا نوعا ما، خصوصا مع افتقار تويتر إلى التدفق النقدي الحر، ووجوب أن يصل الهدف السعري للسهم الذي سيعرضه ماسك إلى حوالي 60 دولارا.
في هذا السياق أشار ماسك إلى الرقم 420، وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها إلى ذلك؛ فقد سبق وأن ذكر في تغريدة تعود إلى العام 2018 أنه ينوي تحويل شركة تيسلا إلى شركة خاصة لقاء 420 دولارا للسهم الواحد، والرقم 420 كما ينطقه العوام في أميركا "فور توينتي" كمصطلح يشير إلى الماريغوانا التي يدخنها ماسك حتى في المقابلات أحيانا، وهذا السلوك قد يجمع حب الطرافة والاستهزاء في آن واحد واللذين يتمتع بهما ماسك، ولا تخلو الكثير من تغريداته من هذه التصرفات، فطابع النكتة واستخدام الكاريكاتير أمر ألِفه متابعوه على تويتر.
سر الرقم
على صعيد آخر قام عدد من المستثمرين في تويتر برفع دعاوى قضائية ضدّ ماسك بعد إعلانه شراء الأسهم، الأمر الذي فعله بالتدريج، لأنه حسب القانون يتعين على أي مستثمر يشتري أكثر من 5 في المئة من أسهم شركة ما القيام بإخطار لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية خلال 10 أيام، أي بحلول 24 مارس الماضي حين بلغت نسبة الأسهم التي اشتراها 5 في المئة، إلا أنه أخّر هذا الإعلان حتى الرابع من أبريل، لأنه بمجرد إعلانه شراء تلك النسبة سترتفع قيمة السهم وبالتالي سيشتري المزيد منها بقيمة أكبر، بيد أنه تعمد عدم الإخطار ليوفر بذلك حوالي 143 مليون دولار، لكن هذا أثار استياء المستثمرين الذين باعوا حصصهم في تلك الفترة، إذ كان بإمكانهم تحقيق مكاسب أكبر فيما لو التزم ماسك بالقوانين والمحددات، والقضية قائمة حتى اليوم.
وتبقى شركة تويتر التي انطلقت في العام 2006 شبكة تواصل اجتماعي قوية صمدت أكثر من نظيراتها من المنصات، وقدمت العديد من الابتكارات، وتحظى بمكانة مرموقة، إذ من خلالها يقوم صناع القرار من الساسة وأصحاب ومديري كبرى الشركات بمخاطبة الجمهور وإطلاق التصريحات والقرارات، بل حتى البعض يعتبر أن من أبرز أسباب فوز ترامب بانتخابات 2017 نشاطه وتفاعل مؤيديه على تويتر.
وقامت المنصة مؤخرا بإجراء العديد من التغييرات التي من شأنها الولوج إلى عالم الكون الماورائي "ميتافيرس" وعالم الصكوك غير القابلة للاستبدال والعملات الرقمية، في حين فشلت العديد من الشركات المنافسة حتى الآن في ذلك مثل شركة "ميتا" المالكة لشبكة فيسبوك وإنستغرام وواتساب، ومن هنا يرى أمثال ماسك أهمية بالغة في وضع اليد على منصة مثل هذه ذات تأثير على الرأي العام، خصوصا وأن ماسك شخص لا يقبل أن يبقى خارج هذه اللعبة التي يفضل أن يعقد خيوطها في أصابعه.
__________________
https://twitter.com/benginahmad