إيقاف رواتب أعضاء مجلس الهايكا التونسية يثير جدلا بشأن مستقبلها

القرار جاء بعد تقليص مستمر لصلاحيات الهيئة.
السبت 2024/01/06
من يراقب الإعلام

اعتبر أعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري أن قرار الحكومة بوقف رواتبهم هو بسبب تداعيات خلافهم مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فيما تعيش الهيئة أوضاعا غير مستقرة إذ كان يفترض وضع مجلس جديد بموجب قانون جديد للهايكا، أو حل مجلسها وتغييره بمجلس ثان لكن هذا لم يحدث ولم يعلن عن تاريخ محدد له.

تونس - أثار قرار الحكومة التونسية بإيقاف أجور أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)، جدلا بشأن مستقبل هذه الهيئة الدستورية التي دخلت في معارك عديدة بشأن الصلاحيات الممنوحة لها بشأن مراقبة تغطية وسائل الإعلام وخصوصا فترة الانتخابات.

وكانت الهيئة المنظمة للقطاع السمعي البصري بالبلاد قد تلقت الأسبوع الماضي، رسالة بالبريد الإلكتروني من الأمين العام للحكومة، يشعرها فيه بإيقاف أجور كافة أعضاء مجلس إدارتها، ابتداء من يناير 2024، ذلك ما دفع الكثيرين إلى التساؤل حول أسباب هذا القرار وتداعياته.

وفي هذا السياق، قال عضو الهيئة هشام السنوسي، إن هذا القرار لا يطال موظفي (الهايكا) وإنما أعضاء مجلسها فقط (ثلاثة متقاعدين وملحق وعضوين مباشرين إثنين). واعتبر في تصريحات صحافية، أن هذا الإجراء “ضريبة تدفعها الهيئة بسبب دفاعها عن استقلاليتها وعدم انخراطها في سياسة الولاءات”. كما وصف تعليق الأجور بـ”الإجراء غير القانوني” على اعتبار أن (الهايكا) سلطة تمارس صلاحياتها بشكل مستقل، بعيدا عن رقابة الحكومة.

هشام السنوسي: هذا الإجراء ضريبة تدفعها الهيئة بسبب استقلاليتها
هشام السنوسي: هذا الإجراء ضريبة تدفعها الهيئة بسبب استقلاليتها

وبرر السنوسي أن موقف السلطة تجاهها يرجع إلى رفض الأخيرة التوقيع على القرار المشترك مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سنة 2022.

ودخلت الهايكا في صراعات عديدة مع هيئة الانتخابات بشأن ضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء. وخرج الخلاف بين الطرفين من دائرة التنديد إلى ساحات القضاء، حيث رفعت الهايكا دعوى لدى المحكمة الإدارية ضد هيئة الانتخابات بسبب إصدارها قرارا توجيهيا لتنظيم الحملة الانتخابية لكنها لم تتمكن من الفوز بحكم لصالحها.

وكانت الهايكا تقوم برصد التغطية الإعلامية وتصدر تقريرا مفصلا حول أداء مختلف المؤسسات، مع فرض عقوبات مالية على وسائل الإعلام السمعية البصرية التي لم تراعِ ضوابط وشروط التغطية، لكن هيئة الانتخابات تعتبر أن هذه المهمة من صلاحياتها في فترة الانتخابات، لتصبح هي المشرفة على التغطية الإعلامية، وهي التي تتولى وضع الشروط والضوابط. بينما اعتبرت الهايكا أن هذا القرار يمثل مصادرة لصلاحياتها وإقصاء لدورها الرقابي على وسائل الإعلام.

ومنذ ذلك الوقت لا يزال الحديث مستمرا عن صلاحيات الهايكا ووجود مشروع لعزلها بين مؤيد ومعارض، خصوصا أنها تعرضت لانتقادات بسبب قرار إغلاق وسائل إعلام من بينها قناة نسمة، الأمر الذي اعتبر مبالغة في العقوبة التي لا يجب أن تصل إلى الإغلاق. ويعتبر عاملون في الشأن الإعلامي أن هذا الوضع انعكاس لحالة الفوضى والتخبط التي تعيشها البلاد.

واعتبر السنوسي أن إيقاف صرف الأجور يعد إجراء “غير قانوني”، لأن “الهايكا” مستقلة ولا دخل للحكومة فيها، مبينا أنه كان يفترض وضع مجلس جديد بموجب قانون جديد للهايكا، أو حل مجلسها وتغييره بمجلس ثان، وفقا للمرسوم 116 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 (المتعلّق بحريّة الاتّصال السّمعي البصري وبإحداث الهيئة)، في انتظار سن قانون جديد لهيئة الاتصال السمعي البصري.

وكانت سكينة عبدالصمد، عضو الهايكا أعلنت في تدوينة منشورة على حسابها في فيسبوك الجمعة الماضية، أن رئيس الحكومة أحمد الحشاني كلف الكاتب العام للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) بإيقاف صرف رواتب أعضاء مجلس الهيئة. وأضافت، أنها شخصيا تعتبر الإجراء “خطوة ثانية للقضاء على أعمال الهيئة واستقلالية أدائها بعد إحداث حالة الشغور في خطة رئيس الهيئة والإبقاء على هذا الشغور منذ شهر فبراير 2023، وفي ذلك دفع نحو الاستقالة الجماعية”.

وسبق أن صرح ممثل النقابة الوطنية للصحافيين عبدالرؤوف بالي ومسؤول قسم الرصد بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري نجيل الهاني، أن مشروع عزل الهايكا ليس جديدا كما أن هيئة الانتخابات تعمل على ذلك منذ الاستفتاء.

وأكد بالي خلال ندوة وطنية الثقة في أن التجربة التي راكمها الصحافيون بتغطيتهم للاستحقاقات الانتخابية الكبرى منذ 2011، تمكنهم من العمل في إطار احترام القانون والمعايير الدولية ولا تحتاج لأي قرار توجيهي من أي جهة كانت. لافتا أن نقابة الصحافيين لا يمكن لها إلا أن تكون إلى جانب الهايكا وبالرغم من التحفظ على تركيبتها الحالية، فإن النقابة ستعمل للدفع نحو جعلها دستورية، معربا عن الأسف من أن تتحول علاقة التعاون بين الهيئتين، من علاقة تعاون إلى علاقة صراع وصلت للقضاء.

وتابع “للأسف، الآلية التي أوجدناها لخلق الحياد في العملية الانتخابية، لم يعد لها الحق في التدخل في أي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، كما لا يمكن لأي جهة كانت، الحق في التدخل في تغطية الحملة إعلاميا في وسائل الإعلام السمعية البصرية باستثناء الهايكا”. محملا من جهة أخرى التركيبة الحالية للهايكا جزءا من المسؤولية لما وصلت إليه أمام ما وصفه “بالتراخي في مواجهة تجاوزات الهيئة وعدم تقديم قضية في التجاوزات وفي الاستيلاء على اختصاصاتها منذ الانتخابات الفارطة”.

غير أن متابعين يرون أن موقف النقابة يعود إلى صداماتها المتواصلة مع الحكومة بشأن العديد من القضايا.

ومن جهته لفت نجيل الهاني مسؤول قسم الرصد بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إلى أن بوادر القطيعة بين الهيئتين كانت منذ الاستفتاء، بعد أن اتخذت الهايكا قرارا بإفساح المجال أمام المقاطعين للاستفتاء.

5