إيقاظ الاقتصاد السوري المنهك أمام طريق طويل مليء بالتحديات

تباين في تقييم مدة وطريقة وكلفة إعادة الإعمار وإصلاح خراب القطاعات.
الثلاثاء 2024/12/10
هل وجدتم نقودا في الصراف؟

تبدو عملية إيقاظ الاقتصاد السوري المنهك بسبب الحرب أمام طريق طويل ومليء بالتحديات بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، فبينما يرتفع سقف الطموحات للبدء في الإعمار وبث الروح في مختلف القطاعات المشلولة وخاصة الطاقة، يرى خبراء أن الأمر ليس سهلا، ويتطلب سنوات بالنظر إلى حجم الخراب الذي أصاب الدولة على مدار 14 عاما.

دمشق – تتباين مواقف الخبراء والمحللين بشأن إعادة بناء الاقتصاد السوري عقب التطورات الأخيرة، بعدما تضرر بشكل بالغ بسبب الحرب، وباتت فيه الكثير من القطاعات والخدمات خارج الخدمة، ما انعكس على حياة الناس المنهكين جراء تراكم الأزمات.

وبدأت رحلة الانحدار الدراماتيكي للناتج المحلي الإجمالي في 2011 من 67.5 مليار دولار لتصل إلى 9 مليارات دولار في 2021، ما يمثل تراجعا بأكثر من 86 في المئة، وفق أحدث البيانات المتاحة من البنك الدولي.

وأدت سنوات الحرب والصدمات الخارجية إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المزري في سوريا بنهاية العام الماضي، مما تسبب في تدهور غير مسبوق في معيشة الأسر مع انهيار الليرة وشح السلع من الأسواق حتى وصلت نسبة الفقر إلى 90 في المئة.

نضال الشعار: عجلة النمو جاهزة للدوران والإنتاج مرتبط بالاستقرار
نضال الشعار: عجلة النمو جاهزة للدوران والإنتاج مرتبط بالاستقرار

كما استنزف استمرار نقص التمويل والوصول المحدود إلى المساعدات الإنسانية قدرة السوريين على تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والوقود، وسط ارتفاع الأسعار وانخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات البطالة.

وبحسب تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، فإن إجمالي الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها البلاد يصل إلى 700 مليار دولار، وهو يعادل 35 مرة الناتج المحلي الإجمالي المسجل في 2022.

وكانت سوريا قد شهدت في مارس 2011 سلسلة احتجاجات مناهضة لرئيسها بشار الأسد، تحولت بعدها إلى أحداث عمّت كافة أنحاء البلاد، لتنتهي بإسقاط نظامه في الثامن من ديسمبر الحالي، وأصبح لاجئا في روسيا.

وبينما لا يزال من المبكر الحكم على تطورات المشهد، لكن البعض يُرجح استقرار الأوضاع قريبا، خاصة بعد خطة لتسلم مؤسسات الدولة سلميا من محمد غازي الجلالي رئيس الوزراء في حكومة الأسد.

لكن ثمة الكثير من المحللين والمراقبين يرون أن ترميم الاقتصاد قد يتطلب وقتا طويلا قد يصل إلى عشر سنوات في المتوسط بالنظر إلى التحديات الكثيرة، إذا لم تتخلل ذلك مفاجآت تعيق تحقيق الأهداف.

ويعتقد وزير الاقتصاد السوري الأسبق نضال الشعار أن “عجلة الاقتصاد جاهزة للدوران وبدء الإنتاج مرتبط باستتباب الأمن”، وتوفر بيئة فيها “التحام بين مكونات الشعب بكل أطيافه”، والإحساس بأن “الأفق واعد” مستقبلا.

وقال في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق إن “الاقتصاد قادر على التعافي لأن أسس الإنتاج والتصنيع لا تزال قائمة، فالعمالة والمصانع والآلات والخبرة موجودة، والمستثمرون على استعداد للعودة والاستثمار فور توفر الظروف الملائمة.”

وأشار إلى أن ترتيب الأوضاع يجب أن يبدأ من الداخل، ومن ثم يتم الحصول على دعم خارجي، ورأى أن هناك إرادة دولية لوضع بلده على المسار الصحيح الكفيل بتعافي اقتصاده.

جان كريستوف كاريه: قدرة سوريا على امتصاص الصدمات تضررت بشدة
جان كريستوف كاريه: قدرة سوريا على امتصاص الصدمات تضررت بشدة

وقد تكون شركات النفط الصينية من أول المستفيدين من التطورات إذا تحقق الاستقرار السياسي، كما أن تركيا تعمل على الحصول على الحصة الأكبر من عمليات الإعمار، التي لا أحد بإمكانه توقع متى ستبدأ.

ووفق وحدة بلومبيرغ أنتلجينس، فإنه إذا تحقق الاستقرار، فقد تستفيد شركات مثل سي.أن.بي.سي وسينوبك غروب، اللتين تمتلكان أصولا في مجال التنقيب والإنتاج في الدولة، لكنها قلصت الإنتاج بسبب الحرب الأهلية.

وانهار إنتاج النفط بعد أن فقدت دمشق معظم حقولها شرقي نهر الفرات خاصة في دير الزور، بعدما باتت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد وتلقى دعما مباشرا من الولايات المتحدة.

وتراجع الإنتاج من 353 ألف برميل يوميا في 2011 إلى 40 ألف برميل يوميا فقط العام الماضي. وتتركز حقول النفط في دير الزور والحسكة شرق البلاد ومنطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص في غربها.

وتشير تقديرات وزارة الطاقة إلى أن الخسائر التي تكبدها القطاع بلغت نحو 120 مليار دولار، ما جعل البلد يستورد حاجته من النفط والغاز وخاصة من روسيا وإيران بعد أن كانت سوريا مكتفية ذاتيا قبل الحرب.

وتمتلك سي.أن.بي.سي حصة في شركة الفرات، إحدى أكبر شركات النفط السورية، بينما استحوذت سينوبك في عام 2008 على شركة تانجانيكا أويل المتخصصة في إنتاج النفط الثقيل ومقرها سوريا، مقابل ملياري دولار.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستلتزم بالعقود التي وُقّعت مع النظام السابق.

وتمتد الآمال باستقرار الأوضاع قريبا إلى خارج سوريا، إذ قفزت أسهم شركات البناء في تركيا، بقيادة منتجي الإسمنت والصلب، مع تفاؤل المستثمرين بأن هذه الشركات ستلعب دورا رئيسيا في إعادة إعمار البلد المجاور بعد الانهيار السريع لنظام الأسد.

حالة الاقتصاد

  • 700 مليار دولار خسائر الاقتصاد منذ بدء الحرب
  • 120 مليار دولار خسائر قطاع النفط والغاز
  • 90 في المئة نسبة الفقر بين السوريين
  • 11.4 مليار دولار خسائر القطاع الصناعي
  • 9 مليارات الناتج الإجمالي من 67.5 مليار في 2011
  • 1.5 في المئة نسبة انكماش الاقتصاد في 2024

ويُقدر حجم الأضرار التي لحقت بالمدن والصناعات السورية منذ بدء الحرب في 2011 بنحو 11.4 مليار دولار، وفقا لدراسة أجراها البنك الدولي ونُشرت في نهاية عام 2022.

ويتركز الجزء الأكبر من الأضرار في تدمير المنشآت والبنية التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور والمباني.

وتوقع تقرير أصدره البنك الدولي في مايو الماضي بعنوان “مرصد الاقتصاد السوري ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاهة الأسر” استمرار الانكماش الاقتصادي المطول ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5 في المئة هذا العام.

وقال جان كريستوف كاريه، مدير منطقة الشرق الأوسط بالبنك، “لقد شهدت سوريا صدمات متعددة متداخلة مع الزلازل التي ضربت البلاد في فبراير 2023 وتداعيات الصراع الدائر في الشرق الأوسط.”

وأضاف “بعد أكثر من عقد من الزمن على أعنف صراع في هذا القرن، تضررت قدرة سوريا على امتصاص الصدمات الاقتصادية الخارجية بشدة، خاصة مع الانخفاض في تدفق المساعدات وتصاعد التوترات الجيوسياسية الإقليمية.”

ومع تقلص التصدير وزيادة الاعتماد على التوريد تجاوز العجز التجاري 40 في المئة من الناتج الإجمالي، وانعكس ذلك في سقوط حر لقيمة العملة المحلية، التي كان سعر صرفها أمام الدولار في العام 2010 نحو 47 ليرة.

ويتراوح سعر صرف الدولار بين 15 و35 ألف ليرة، ما يؤكد حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والتضخم الجامح الذي يبلغ 93 في المئة جراء خفض الدعم الحكومي، بحسب البنك الدولي.

ويقول متعاملون ونشطاء على الشبكات الاجتماعية إن هذه الأسعار متغيرة باستمرار، وهي تختلف من تاجر عملة إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى في مختلف المحافظات.

11