إيطاليا تقود مسارا موازيا لدعم تونس بعيدا عن التردد الأوروبي

الحكومة الإيطالية تمر إلى خطوات عملية لمساعدة نظام الرئيس قيس سعيد بعد أن أدركت أن الخلافات التي تهز أوروبا قد تعيق الالتزام مع تونس.
الأحد 2023/10/22
الخطوة الإيطالية ستقلص الضغط على تونس

روما/ تونس- تستمر رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني في مساعيها لدعم تونس باعتبارها شريكا أساسيا في مواجهة تدفقات الهجرة بالرغم من تردد الاتحاد الأوروبي، في وقت يقول فيه مراقبون إن ميلوني تدافع عن استقرار تونس كجزء من استقرار إيطاليا، وهو ما يفسر قرار استقطاب 4 آلاف من العمالة التونسية المتخصصة للعمل في إيطاليا.

ومن الواضح أن إيطاليا باتت تدرك أن الاتحاد الأوروبي تهزه خلافات بين الدول الكبار قد تعيق الالتزام مع تونس، ولذلك فقد مرت إلى خطوات عملية لمساعدة نظام الرئيس قيس سعيد من خلال استقطاب العمالة المتخصصة، وأغلبها من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية.

ناجي جلول: التوافق الأوروبي حول مقاربة ملف الهجرة غير موجود
ناجي جلول: التوافق الأوروبي حول مقاربة ملف الهجرة غير موجود

ولا شك أن الخطوة الإيطالية ستقلص الضغط على تونس، التي تشكو من معادلة صعبة فهي من ناحية تريد تشغيل ما أمكن من آلاف خريجي الجامعات، وفي نفس الوقت يدفعها مسار التقشف وتعبئة الموارد الذاتية إلى الضغط على موازنة الوظيفة العمومية وتقليص عدد الموظفين الجدد.

وقالت وزيرة العمل والسياسات الاجتماعية الإيطالية مارينا كالديروني “إنه التزام ملموس من جانب الحكومة لتلبية أكثر ملاءمة لاحتياجات نظامنا الإنتاجي من القوى العاملة، وفي الوقت نفسه تعزيز إدارة تدفقات الهجرة المنتظمة والخاضعة للرقابة والآمنة للعمال التونسيين”.

ووقعت تونس وإيطاليا الجمعة مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التصرف في تدفقات الهجرة، تمكن التونسيين من إيجاد 4 آلاف فرصة عمل في إيطاليا. وجاء ذلك خلال زيارة وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني إلى تونس الجمعة، حيث التقى نظيره التونسي نبيل عمار والرئيس قيس سعيد.

وقالت وكالة أكي الإيطالية إن مذكرة التفاهم توفر إجراءات مبسطة لاستصدار التأشيرات وتصاريح الإقامة. وتتيح للعمال المعنيين إمكانية البقاء في إيطاليا حتى في نهاية العقد، طوال فترة صلاحية تصريح الإقامة، والحصول على المزيد من فرص العمل والإقامة الاعتيادية.

كما أعلنت كالديروني عن “مشروع تجريبي” لتدريب 40 عاملا في تونس، وأن الخطوة تمهد “لتدخل أكبر وأكثر تنظيما للتدريب في تونس ودخول ما لا يقل عن 500 عامل آخر إلى إيطاليا، بتمويل من الموارد الأوروبية وبالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة”.

مراد علالة: ميلوني قد تأتي إلى تونس مرة أخرى لبحث حلول جديدة
مراد علالة: ميلوني قد تأتي إلى تونس مرة أخرى لبحث حلول جديدة

ويرى المراقبون أن حكومة ميلوني تعرف أن مشكلة تونس تكمن في أزمة التشغيل، وأن الوعود الكبرى لا تفي بالحاجة، ويمكن أن تتعرض لهزات أو عراقيل مثل وعود التمويل الأوروبي. ولذلك بادرت بوضع آلية واقعية لاستقطاب عمالة تونسية حسب حاجتها.

ولم تحصل إيطاليا نفسها على المساعدات التي تريدها من أوروبا لمواجهة تدفقات المهاجرين، ولذلك من المنطقي أن تتفهم مصالح تونس.

وقال الكاتب والمحلل السياسي التونسي مراد علالة إن “الأزمة عامة ووقعها يتفاوت من بلد إلى آخر، لكن البلدين المعنيين بها مباشرة هما تونس في الضفة الجنوبية للمتوسط وإيطاليا في الضفة الشمالية، وكل ما يقال بشأن مساعدة الاتحاد الأوروبي لإيطاليا مجرّد هراء، بل إن كل بلد أوروبي يفكر في مصلحته أولا”.

وأضاف علالة في تصريح لـ”العرب” أن “متنفس إيطاليا يكمن في العودة إلى تونس حتى تضع الشركاء الأوروبيين أمام الأمر الواقع”.

وأشار علالة إلى أن “ميلوني قد تأتي إلى تونس مرة أخرى لبحث حلول جديدة والضغط على بقية دول أوروبا، وهناك عبء تكابده إيطاليا بمعزل عن الشركاء الذين تركوها وحيدة”.

وقال بيان صادر عن الخارجية التونسية الجمعة “تولّى الوزيران التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التصرف في تدفقات الهجرة، تمكّن من توفير حصة سنوية بأربعة آلاف بطاقة إقامة غير موسمية، على امتداد ثلاث سنوات لفائدة العمال التونسيين بإيطاليا”.

ونقلت الرئاسة التونسية عن سعيد قوله عن مذكرة التفاهم (خلال لقائه تاياني)، إنها “مقاربة جديدة يمكن تطويرها ليس مع إيطاليا فقط، ولكن مع عدد من البلدان الأخرى (لم يسمها)”.

وأوضح أن “تونس حريصة على الوفاء بالتزاماتها، حيث قام الأمن التونسي في الأسابيع الماضية بتفكيك عدد كبير من هذه الشبكات (للاتجار بالبشر)، فضلا عن إحاطة مؤسسات الدولة بكل ما تقتضيه القيم الإنسانية من رعاية بمن تقطعت بهم السبل من المهاجرين”.

ويعتقد المراقبون أن إيطاليا على اقتناع بأن تونس ضحية مثلها لتدفقات الهجرة، وأنها تقوم بما تقدر عليه من جهود حسب إمكانياتها المحدودة وفي ظل أزمتها الاقتصادية.

وأكد ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي أن “إيطاليا تشهد ظروفا خاصة وهي الباب الأول للهجرة غير النظامية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يوجد توافق حول الرؤية للظاهرة وموقف أوروبا مخالف لموقف إيطاليا”.

وقال وزير الزراعة والسيادة الغذائية والغابات الايطالي فرانشيسكو لولوبريجيدا الذي كان عضوا في الوفد الإيطالي الذي زار تونس الجمعة إنه تم التوافق على تعاون في مجالات زراعية مختلفة “بدءًا من تبادل المعرفة حول الابتكار والتكنولوجيات الجديدة”.

وأضاف أن من بين المواضيع التي تم تناولها “موضوع البحث في إدارة الموارد المائية، مع إيلاء اهتمام خاص لاستخدام مياه الصرف الصحي وإنشاء محطات تحلية المياه لمواجهة تغير المناخ”، وأن “التبادل التجاري مع تونس يتمتع بإمكانات هائلة ومجال واسع للنمو”.

 

اقرأ أيضا:

        المعادلة الصعبة في تونس: تعايش السياسي والتكنوقراط

1