إيطاليا تحث صندوق النقد على إبداء مرونة للتوصل إلى اتفاق مع تونس

روما - حث وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأحد صندوق النقد الدولي على الإفراج عن قرض قيمته 1.9 مليار دولار لتونس، إذ تخشى روما أن يؤدي نقص السيولة إلى زعزعة استقرار الدولة المغاربية وانطلاق موجة جديدة من المهاجرين نحو أوروبا. وتوقفت محادثات حزمة الإنقاذ بين تونس وصندوق النقد منذ شهور وسط مطالبة الولايات المتحدة ودول أخرى للرئيس التونسي قيس سعيد بإصلاحات واسعة كشرط للإفراج عن الأموال.

ولم يعلن الرئيس التونسي أبدا دعمه للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مما جعل المانحين قلقين من احتمال أن يتراجع عن الإصلاحات في نهاية المطاف بعد الحصول على الأموال أو يلقي باللوم عليهم في أي مشكلة اقتصادية تنتج عنها. ومع ذلك تحدث تاياني مع كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي وحثها على إبداء المرونة لتفادي الانهيار المالي المحتمل.

وقال تاياني لوكالة رويترز "أكدت مجددا ضرورة تدخل الصندوق بسرعة بدعم اقتصادي ومالي من أجل استقرار ونمو تونس". وبحث الوزير الإيطالي المشكلة أيضا مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن وأثار المسألة مع نظيريه في سلوفينيا وكرواتيا يوم الجمعة قبل اجتماع مرتقب لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.

ويرى مراقبون أن الإشكال يتجاوز الجانب الاقتصادي إلى السياسي، مشيرين إلى أن واشنطن وعددا من القوى الأوروبية تريد الحصول تطمينات من الرئيس سعيد حول عدد من القضايا السياسية.

وستصل باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى إلى تونس الاثنين لبحث الإصلاحات. وأفاد بيان للخارجية الأميركية بأن ليف “ستعيد التأكيد في زيارتها إلى تونس على دعم الولايات المتحدة للشعب التونسي وتطلعاته إلى حكم ديمقراطي وخاضع للمساءلة”. ووفق البيان فإن ليف ستركز في زيارتها على “التشاور حول الإصلاحات الاقتصادية الحاسمة”.

ويرى المراقبون أن الجانب الإيطالي يركز بالدرجة الأساس على تداعيات أي انهيار مالي في تونس وما سيخلفه من انعكاسات خطيرة على حدودها الجنوبية، وأن روما ترى بأن ممارسة الضغوط على السلطة السياسية في تونس بشأن عدد من القضايا الداخلية، والتي هي مثار اختلاف حولها، ليست منطقية أو ذات جدوى.

وقال أحد المسؤولين الإيطاليين إن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني “تجري اتصالات هاتفية” أيضا لدعم تونس، محذرا من أن إيطاليا ستواجه “غزوا من المهاجرين” في الأشهر المقبلة إذا لم تحصل تونس على المال.

ووصل إلى إيطاليا عدد قياسي بلغ 20046 مهاجرا بالقوارب حتى الآن في عام 2023، مما يجعل الدولة عرضة لتسجيل ما يفوق العدد القياسي الذي وصل إليها من المهاجرين بقوارب متهالكة في عام 2016، وهو 181 ألفا و436 مهاجرا.

ووفقا لبيانات غير رسمية للأمم المتحدة فإن 12 ألفا ممن وصلوا إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام جاؤوا من تونس، مقابل 1300 في الفترة نفسها من عام 2022، وهو تكرار لنمط سابق كانت ليبيا خلاله نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين.

وقال تاياني “لا يمكن الحد من الهجرة غير الشرعية الخارجة عن نطاق السيطرة سوى بتحسين ظروف الأمن والاستقرار الاقتصادي”، مضيفا أن إيطاليا تتطلع إلى تعزيز فرص التدريب للتونسيين كبديل للهجرة.

وأوضح مسؤول حكومي في روما أن الوضع معقد، معترفا بأن غالبية الذين غادروا من تونس هذا العام كانوا من سكان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الذين قرروا التوجه إلى أوروبا نتيجة حملة إجراءات صارمة هناك تستهدف الغرباء.

وقال سعيد الشهر الماضي في تعليقات لاقت انتقادات على نطاق واسع من المنظمات الحقوقية والاتحاد الأفريقي إن الهجرة غير النظامية القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء هي مؤامرة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في تونس.

وتدارك الرئيس التونسي تلك التصريحات بالتأكيد على أن مواقفه لا تحمل أي نزعة عنصرية بل على العكس، فتونس حريصة على تأمين كل الظروف الملائمة للمقيمين النظاميين، لكن ذلك لا يعني الإغفال على التحديات التي يثيرها التدفق اللافت وغير المسبوق للمهاجرين من جنوب الصحراء إلى بلاده.

وتصدرت ساحل العاج دول الأصل التي جاء مهاجرون من مواطنيها إلى إيطاليا هذا العام بواقع 3223 مهاجرا، تليها غينيا بواقع 2906 مهاجرين. وقال مسؤول الأمم المتحدة إن معظم هؤلاء غادروا من تونس. بينما وصل 1535 تونسيا إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام. وقال تاياني "إن استقرار وازدهار تونس إلى جانب احترام الحقوق والحريات الأساسية أمران حاسمان لاستقرار منطقة البحر المتوسط بأسرها".