إيطاليا تبحث مع تونس إجراءات مشتركة لمواجهة تدفقات الهجرة

تونس/باليرمو – لا يزال ملف الهجرة غير النظامية بين تونس وإيطاليا يثير قلق السلطات في البلدين، حيث لم تفلح المقاربات التقليدية في معالجته، ما دفع وزير الداخلية الايطالي ماتيو بيانتيدوزي إلى إعلانه مساء الأربعاء أنه يستعد للذهاب في مهمة إلى تونس بهدف التوصل إلى إجراءات مشتركة لمنع تدفق قوارب المهاجرين.
وتسجل تونس التي تبعد أجزاء من سواحلها أقل من 150 كيلومترًا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، بانتظام محاولات لمهاجرين، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء للمغادرة بشكل غير قانوني في اتجاه السواحل الإيطالية.
ومن المتوقع أن يقوم الوزير الإيطالي بزيارة إلى تونس خلال أيام لإجراء محادثات مع المسؤولين التونسيين بهدف وضع خطة للهجرة، وفق ما صرح به ماتيو عقب اجتماع لجنة النظام والأمن العامين في باليرمو عاصمة مقاطعة صقلية.
ووصل السواحل الإيطالية حتى منتصف أبريل من هذا العام أكثر من 33 ألف مهاجر عبر البحر وفق بيانات رسمية. وتعد تونس منطقة العبور الأولى إلى الأراضي الإيطالية.
وقال ماتيو في تصريحات نقلتها وكالة آكي الايطالية للأنباء إن الخطة "تنطوي على زيادة مراكز الاستقبال بين مقاطعتي صقلية وكالابريا، لتجنب خلق حالات طارئة في لامبيدوزا، وإدارة حالات تفجر زيادة الوافدين بطريقة منظمة".
وتابع الوزير "نهدف أيضا إلى تعزيز عمليات نقل المهاجرين، لتخفيف الازدحام في لامبيدوزا قدر الإمكان".
وكانت إيطاليا قد أعلنت في أبريل الماضي حالة الطوارئ الوطنية لمدة ستة أشهر بهدف التعامل مع التدفق القياسي للمهاجرين هذا العام.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعددت اللقاءات والاتصالات بين مسؤولين أجانب خاصة من إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة لبحث دعم تونس للحصول على قرض صندوق النقد الدولي إضافة إلى تمويلات أخرى وقدروا أن الاقتصاد التونسي مهدد بالانهيار وهو ما يستلزم مساعدة تونس.
وقادت إيطاليا جهودًا لافتة للتوصل إلى اتفاق سريع خشية تدفق المزيد من المهاجرين إلى شواطئها في حال شهدت الأوضاع الاقتصادية في تونس تراجعا أكبر.
وأثبتت المقاربات الأمنية فشلها في احتواء الظاهرة نظرا إلى كونها لا تعالج الهجرة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وطالب متابعون للشأن التونسي بضرورة تخصيص برنامج تنموي حقيقي في تونس وباقي الدول الأفريقية للحد من نزيف الهجرة.
ويتعاطى الاتحاد الأوروبي مع الهجرة غير النظامية القادمة من جنوب البحر المتوسط بطرق أمنية، حيث يريد من تونس وغيرها من دول شمال أفريقيا أن تكون حارسا على حدوده الجنوبية، وترفض تونس هذا المسار وتتبنى استراتيجية لتأكيد سيادة الدولة على أراضيها.
ويقول خبراء ومحللون إن الحلول المعتمدة في السنوات الماضية وغلق الاتحاد الأوروبي للحدود أبقيا المقاربات في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية أمنية بالأساس.
ويرى هؤلاء الخبراء على أن معالجة هذه الظاهرة يتطلب شراكة حقيقية مع تونس من خلال إبرام اتفاقيات في شكل مشاريع تنموية واستثمار حقيقي في البلدان الطاردة لسكانها.
وكانت وزيرة الداخلية الإيطالية السابقة لوتشيانا لامورغيسي قد أعلنت خلال زيارة إلى تونس في مايو عام 2022 عن اتفاق لتقديم مساعدات اقتصادية لتونس مقابل تكثيف جهودها لمنع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى أوروبا.
وأكدت بيانات جديدة صادرة عن وزارة الداخلية الايطالية، نشرتها وكالة نوفا الإيطالية، تسجيل طفرة كبيرة في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين على إيطاليا في الربع الأول من عام 2023 انطلاقا من السواحل التونسية، ما يؤكد أن تونس باتت بلد العبور الأول متجاوزة بذلك ليبيا.
وأظهرت البيانات وصول 24383 شخصًا إلى السواحل الإيطالية قادمين من تونس منذ مطلع العام حتى 2 مايو، بمعدل 200 شخص يوميا وبزيادة تفوق نسبة 1000 في المئة مقارنة ب 2201 وافد في نفس الفترة من العام الماضي.
كما لاحظت الوكالة الإيطالية أن عددهم تجاوز بكثير نصف المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا طيلة عام 2022 البالغ 32101.
وكانت السلطات التونسية تمكنت من اعتراض 19719 مهاجر غير شرعي إلى غاية 30 أبريل، وفقا للبيانات التي نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
كما أكد المنتدى التونسي إلى أن إجمالي عدد الضحايا و المفقودين على طول طريق الهجرة انطلاقا من السواحل التونسية بلغ 498 ضحية ومفقود منهم 371 في شهر أبريل وحده.
وقال فلافيو دي جياكومو المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة في تصريح لوكالة "نوفا" إن ارتفاع أعداد الضحايا في البحر يعد سببا مباشرا لاستخدام "القوارب الحديدية رديئة الصنع"، التي يصعد على متنها خاصة المهاجرين من جنوب الصحراء، بينما يفضل التونسيون ركوب قوارب خشبية.
وتُظهر البيانات أن أكثر من 44 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا أو حاولوا عبور وسط البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من تونس منذ بداية العام.
وبحسب دي جياكومو، بلغ عدد ضحايا والمفقودين في البحر منذ بداية العام على إثر عمليات هجرة غادرت سواحل البلدين، تونس وليبيا، 824 ضحية ومفقود.
إلا أنه يعتقد أن عدد الضحايا أعلى من ذلك بكثير في ظل تعدد حوادث غرق سفن في عرض البحر.
وارتفع عدد الوافدين التونسيين إلى إيطاليا حتى الآن إلى أكثر من الضعف في غضون عام، بعد أن بلغ عددهم 2987 إلى غاية الثاني من مايو، إلا أن عددهم يظل ضئيلا (واحد من كل عشرة تقريبا) مقارنة بإجمالي المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء المغادرين من السواحل التونسية.