إيطاليا أول دولة في مجموعة السبع تستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا

أعادت روما علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق بعد قطيعة دامت سنوات، وهي خطوة كانت منتظرة، حيث سبقتها في الأشهر الأخيرة تحركات لإيطاليا مع عدد من الدول تضغط من أجل اعتماد الاتحاد الأوروبي مقاربة سياسية جديدة في التعامل مع سوريا.
دمشق - لم يكن قرار إيطاليا استئناف نشاطها الدبلوماسي في سوريا مفاجئا للمتابعين، حيث سبقته تحركات إيطالية في أوساط الاتحاد الأوروبي تحث على وجوب تغيير سياسات التكتل تجاه سوريا.
ويرى متابعون أن قرار روما إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق إنجاز مهم يحسب للأخيرة في مسار مساعيها لكسر العزلة الدولية، التي طوقتها إثر اندلاع الأزمة قبل ثلاثة عشر عاما.
وتعد إيطاليا أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق.
ويرجح المتابعون أن تنضم دول أوروبية أخرى إلى الخطوة الإيطالية، في ظل تغير أولويات التكتل الأوروبي، وبروز تحديات مثل ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تحتاج إلى تعاون مع الدول التي يتدفق منها المهاجرون على غرار سوريا.
تعيين المبعوث الخاص حاليا لوزارة الخارجية إلى سوريا ستيفانو رافاجنان سفيرا، ومن المقرر أن يتولى منصبه قريبا
وقال أنطونيو تاياني وزير الخارجية الإيطالي الجمعة إن إيطاليا قررت تعيين سفير في سوريا “لتسليط الضوء” عليها.
واستدعت إيطاليا جميع الموظفين من سفارتها بدمشق في 2012 وعلقت النشاط الدبلوماسي في سوريا احتجاجا على “العنف غير المقبول” من حكومة الرئيس بشار الأسد ضد المواطنين.
واستعاد الرئيس بشار الأسد السيطرة على معظم أنحاء البلاد بعد أن ساعدته إيران وروسيا على هزيمة جماعات من المعارضة المسلحة تحركت ضده في عام 2012، ما أدى إلى حرب راح ضحيتها مئات الآلاف ودفعت ملايين من اللاجئين صوب أوروبا.
وأعلن تاياني تعيين المبعوث الخاص حاليا لوزارة الخارجية إلى سوريا ستيفانو رافاجنان سفيرا. وقال وزير الخارجية الإيطالي لرويترز إنه من المقرر أن يتولى منصبه قريبا.
وتساءل السياسي اللبناني وئام وهاب في تدوينة على حسابه في منصة إكس “هل يفتح تعيين إيطاليا سفيراً في دمشق الباب لإنزال الأوروبيين عن السلم والبدء بالتطبيع مع سوريا؟”، مضيفا أن أوروبا هي المتضررة من نتائج الحصار بعدما غرقت بالنازحين.
وأرسلت إيطاليا وسبع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي رسالة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل تطلب أن يلعب التكتل دورا أكثر فاعلية في سوريا.
وجاء في الرسالة التي اطلعت عليها رويترز “لا يزال السوريون يغادرون بأعداد كبيرة، وهو ما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين”.
وإلى جانب إيطاليا وقعت النمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا على الرسالة. وعبرت عن أسفها إزاء “الوضع الإنساني” في البلاد الذي “زاد تدهورا” في ظل بلوغ اقتصادها “حالة يرثى لها”.
وقال تاياني الجمعة “كلف بوريل دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به”، مضيفا أن تعيين سفير جديد “يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل… لتسليط الضوء على سوريا”.
وكانت مصادرة غربية كشفت في وقت سابق عن زيارة رئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي إلى دمشق في مايو الماضي، حيث التقى الرئيس الأسد ومدير مخابراته حسام لوقا.
ونقل تلفزيون سوريا عن مصدر دبلوماسي غربي قوله إن كارفيللي وضع الأسد في صورة عملية التنسيق الجارية بين مجموعة دول أوروبية قررت إعادة النظر في طبيعة الواقع السياسي والأمني في سوريا، والتعامل بـ”واقعية” مع الظرف والتحولات الحاصلة بما يخدم مصالح كل الأطراف على حد السواء.
كما أجرى الجنرال الإيطالي، بحسب المصدر ذاته، نقاشات معمقة مع المسؤولين السوريين حول إمكانية إنشاء منطقة آمنة في ريف حمص بالتنسيق مع لبنان وقبرص، وخلق أطر تساعد في التخفيف من أزمة اللجوء برعاية أممية.
وشدد المصدر على وجود إمكانية لرفع بعض العقوبات الأوروبية والأميركية عن دمشق إذا جرى تأمين ضمانات إنسانية تتيح حل الأزمة، مؤكداً أن بلاده بالإضافة إلى الدول الأوروبية المعنية تتواصل بشكل مستمر مع الإدارة الأميركية لإيجاد صيغ مشتركة لحل الأزمة السورية، وهي تحتاج إلى وقت، خاصة أن المنطقة منشغلة بالحرب الدائرة في قطاع غزة.
دول أوروبية تقرر إعادة النظر في طبيعة الواقع السياسي والأمني في سوريا، والتعامل بـ"واقعية" مع الظرف والتحولات الحاصلة
وتأتي الخطوة الأوروبية في ظل محادثات تجري خلف الأبواب المغلقة لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة برعاية موسكو.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل الخميس نظيره السوري في الكرملين، حيث يرجح أن يكون من بين أهداف اللقاء التحضير للقاء من المفترض أن يُجرى بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أغسطس المقبل.
ويرى مراقبون أن الأجواء الإقليمية تبدو ملائمة لتحقيق دمشق اختراقات دبلوماسية، بعد أن نجحت نسبيا في إعادة التواصل مع محيطها العربي.
ويقول المراقبون إن لا أحد اليوم مهتما بحل الأزمة السورية، وفق القرارات الأممية، وإن المطلوب من الأسد اليوم هو تبديد الهواجس الأمنية وتحسين سجله الحقوقي، وقد بدأ بالفعل في اتخاذ جملة من الخطوات على هذا المستوى.
ويلفت المراقبون إلى أن من الملفات المعقدة التي قد تعترض الأسد الوجود الإيراني في سوريا، الذي يشكل مصدر قلق خصوصا للولايات المتحدة وإسرائيل.
وهناك ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر. ولم تقْدم باقي دول مجموعة السبع بعد، وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، على خطوة إعادة تعيين سفراء لها في سوريا.