إيران وتركيا تنسقان لتعميق أزمة السعودية مع الغرب

لندن - دخلت إيران على خط أزمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مسعى على ما يبدو لإبقاء الضغط قائما على السعودية، في وقت تنحصر فيه سياسة التسريبات التي اعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تدريجيا، وينتقل فيه ثقل إدارة الأزمة إلى الولايات المتحدة التي تريد الاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها.
وليس من مصلحة إيران تسوية الأزمة، التي وضعت السعودية في أكبر مأزق منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وكلما استمر التصعيد ضد السعودية تراجع الضغط على إيران، التي احتلت عناوين الصحف والتغطيات الإخبارية منذ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو الماضي، وإعلان الولايات المتحدة عن استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) عن الرئيس الإيراني حسن روحاني قوله، الأربعاء، إن “السعودية لم تكن لتقتل جمال خاشقجي دون حماية أميركية”.
وكان ترامب قال، الثلاثاء، إن السلطات السعودية دبرت “أسوأ تستر على الإطلاق” في ما يتعلق بمقتل خاشقجي هذا الشهر، وتعهدت الولايات المتحدة بإلغاء تأشيرات دخول بعض من يعتقد أنهم مسؤولون عن الحادث.
ونقلت وكالة إرنا عن روحاني قوله “لم يكن أحد يتصور في عالمنا المعاصر وفي هذا القرن الجديد حدوث جريمة قتل منظمة كهذه وبهذه الطريقة”.
وينظر إلى تصريحات الرئيس الإيراني على نطاق واسع باعتبارها جزءا مكملا لخطاب ألقاه أردوغان، الثلاثاء، قال فيه إن مقتل خاشقجي “جريمة مدبرة”، وطالب بمحاكمة الـ18 شخصا الذين تتهمهم السعودية بالتورط في الحادث.
وهذا التماهي الكبير يأخذ طابعا تكميليا لجهود الجانبين الرامية لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأزمة. وتكمن هذه المكاسب بالنسبة لأردوغان في رفع العقوبات الأميركية، وإتمام اتفاق منبج السورية مع واشنطن، بالإضافة إلى السماح لتركيا بتمديد أكبر للنفوذ في المنطقة.
وتريد إيران تحويل صواريخها الباليستية، التي يطلقها الحوثيون من اليمن باتجاه المدن السعودية، إلى صواريخ سياسية، في معركة تلعب فيها السعودية منذ وقت طويل دورا حاسما في حصار النظام الإيراني وتجفيف موارده من الصادرات النفطية.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن هدف تركيا وإيران المشترك هو “تحقيق أكبر قدر من الضرر في علاقات السعودية بالغرب”.
إقرأ أيضاً:
والأربعاء، تحدث أردوغان عبر الهاتف مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأول مرة منذ مقتل خاشقجي، وفق مصدر في الرئاسة التركية تحدث لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال المصدر إن الجانبين بحثا “مسألة الجهود المشتركة والخطوات التي ينبغي اتخاذها بهدف إلقاء الضوء على كل جوانب مقتل جمال خاشقجي”، بعد ساعات قليلة من تصريحات روحاني.
ووصف الأمير محمد بن سلمان مقتل خاشقجي بـ”الحادث البشع”، متعهّدا بتقديم “المجرمين” للعدالة، ومشددا على استمرار التعاون بين الرياض وأنقرة.
وأجرى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني اتصالا هاتفيا بأردوغان، الأربعاء، بعد يوم واحد من حضوره مؤتمر مستقبل الاستثمار الذي يقام في السعودية.
ويوحي هذا الاتصال بأن الأردن والدول العربية القريبة من السعودية والتي لا تجد نفسها في مواجهة مع تركيا بسبب ملف الإخوان المسلمين، قررت أن تذكر أنقرة بأنها تبالغ في محاولتها استنزاف قضية خاشقجي إلى أقصى مدى تحقيقا لمكاسب سياسية آنية.
ويحاول الأردن، الذي يجد نفسه متخوفا من أي ملامح لعدم الاستقرار في المنطقة، إعادة تقويم العلاقات بين السعودية وتركيا. وقالت مصادر إن حديث العاهل الأردني مع أردوغان ربما يكون وراء مبادرة الرئيس التركي للحديث مع الأمير محمد بن سلمان في نفس اليوم.
وتبدو طموحات إيران وتركيا، الواقعتين تحت حكم نظامين إسلاميين متشددين، أحدهما شيعي والآخر سني، منطقية بالنظر إلى عدائهما لأي مشروع عربي مقابل.
ويكمن الطموح الأساسي الذي تقوم عليه السياسة التركية في المنطقة في “تدمير” الدور القيادي السعودي للعالم الإسلامي، عبر تعميق الأزمة بين السعودية والولايات المتحدة، وتحجيم فرص السعودية ومحاولاتها لتخفيف الآثار الناجمة عن الأزمة.
وتختلف أهداف تركيا وإيران في هذا الاتجاه عن أهداف بعض الأطراف الغربية، التي كانت تستهدف، من خلال “حرب علاقات عامة” واسعة النطاق ولي العهد السعودي ومشروعه التحديثي، بينما تحاول إيران وتركيا خنق السعودية ومؤسساتها الأساسية وإلحاق الضرر بالأسرة الحاكمة.
وإذا تراجع الدور السعودي، فسيصبح أردوغان “قائدا لا يمكن الاستغناء عنه” بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، وهو هدف يمثل أحد الأعمدة الأساسية للسياسة الخارجية التركية.
وتكمن أزمة السعودية مع تركيا في منحها فرصة لإيران لكسب نقاط على حساب السعودية، وهو ما يغضب مسؤولين سعوديين يشعرون بـ”الخيانة” من السلوك التركي، الذي بات يطرح أنقرة كمنقذ لإيران، خصوصا بعد طلب تركي رسمي من الولايات المتحدة استثناء أنقرة من العقوبات المفروضة على طهران.