إيران لا تضيع الوقت: منفتحون على علاقات أفضل مع الغرب

طهران – تحركت إيران سريعا لاستثمار ما اعتبرته إشارات أميركية وغربية إيجابية في إقناع إسرائيل بعدم توسيع رقعة ردها على هجوم صاروخي إيراني، وقال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي إن بلاده منفتحة على علاقات أقرب مع الغرب.
وتبحث إيران عن مخرج لوقف التصعيد المباشر مع إسرائيل بعد الوقوف على حقيقة أن الإسرائيليين ليست لديهم ضوابط، وأن مجاراتهم في الرد والرد على الرد ليس في صالحها، وأن المخرج من الورطة هو عدم الرد مع توظيف الإشارات الأميركية على أنها مكسب وأن التصعيد في المنطقة أعاد قنوات التفاوض مع واشنطن بما قد يحيي المناخ الإيجابي الذي تلا الاتفاق النووي في 2015.
وقال ولايتي لصحيفة فاينانشال تايمز إن إيران تعيد تقييم سياستها الخارجية لتمكين علاقات أفضل مع الدول، بما في ذلك الدول الأوروبية.
وأضاف “نحن نعيد بنشاط تحديد توازن جديد في العلاقات مع البلدان الغربية والشرقية والنامية. نرحّب بالصداقة مع أيّ بلد، من أوروبا إلى آسيا أو أفريقيا”.
المسؤولون الإيرانيون لا يخفون رغبة بلادهم في العودة إلى القنوات الدبلوماسية، وهم يأملون في أن تفضي الحرب على الحلفاء في غزة ولبنان، إلى اختراق في العلاقة مع الغرب
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد ضغطت على إسرائيل من أجل تكييف هجومها على إيران حتى يكون محدودا ولا يستهدف المنشآت النفطية والنووية الإيرانية، وهي خطوة هدفها تقديم مبرر لإيران حتى لا ترد بهجوم آخر خاصة أن الضربات الإسرائيلية كانت موجهة ضد أهداف عسكرية ولم تخلّف حرائق ولا أضرارا بشرية كبيرة يمكن أن تربك النظام في طهران وتحرجه أمام الإيرانيين.
ومن الواضح أن محدودية الرد الإسرائيلي كانت رسالة إلى إيران تحثها على عدم الرد.
وقال بني سبتي، الباحث في الشأن الإيراني في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، إن الهجوم الإسرائيلي كان يهدف على ما يبدو إلى منح طهران فرصة لتجنب المزيد من التصعيد.
وأضاف “نرى أن إسرائيل تريد طي صفحة هذه الواقعة لتمرير هذه الرسالة إلى إيران بأن الأمر انتهى ولا نريد تصعيده”.
وبادر الإيرانيون إلى القول إن الهجوم لم يتسبب سوى بأضرار محدودة، وهو ما قد يكون تقييما موجها في سياق الاستجابة لطلب الأميركيين بعدم الرد مقابل فتح قنوات التواصل في ملف النووي المجمد منذ حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وظهر أمر التقليل من الهجوم وعدم إعطائه حجما كبيرا على لسان المرشد الأعلى خامنئي حين قال الأحد “لا ينبغي التقليل أو المبالغة” بشأن الهجوم الإسرائيلي. وقلل ولايتي بدوره من الضربات الإسرائيلية واصفا الحديث عنها بـ”الكثير من الضجة حول لا شيء”.
ولا يخفي المسؤولون الإيرانيون رغبة بلادهم في العودة إلى القنوات الدبلوماسية لحل الخلافات، وهم يأملون في أن تفضي الحرب على الحلفاء في غزة ولبنان والاستهدافات المتواصلة للحوثيين، إلى اختراق في العلاقة مع الغرب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل باغاي الاثنين إن بلاده ستواصل جهودها الدبلوماسية لمنع انتشار الحرب في المنطقة، مع الاحتفاظ بالحق في الرد على الهجوم الإسرائيلي.
وأضاف “يتم إجراء الاتصالات باستمرار من خلال القنوات الدبلوماسية”. وقال في مؤتمر صحفي أسبوعي “ما زلنا نؤمن باستخدام الدبلوماسية كنهج نحو خفض التصعيد الإقليمي”.
وفي ذروة الضربات الإسرائيلية على حزب الله، لم يخف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال وجوده في نيويورك، تطلع بلاده لتسوية الخلافات مع الدول الغربية. وبدوره أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده مستعدة لبدء مفاوضات نووية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي إذا “كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك”.
وتصطدم رغبة إيران في استثمار الحرب لصالحها من خلال اختراق التشدد الغربي تجاهها، بموقف إسرائيلي أكثر تشددا.
رغبة إيران في استثمار الحرب لصالحها من خلال اختراق التشدد الغربي تجاهها، تصطدم بموقف إسرائيلي أكثر تشددا
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين في القدس إن “إيران تسعى لبناء مخزون من القنابل النووية من أجل تدمير إسرائيل، تحملها صواريخ بعيدة المدى” مشيرا إلى أنها “قد تهدد العالم بأسره في أيّ مكان”.
وتحرص إيران على الفصل بين الحرب في غزة ولبنان وبين مصالحها المباشرة، وهو ما يعني استعدادها للتخلي عن حماس وحزب الله مقابل ضمانات أميركية بعدم توسيع دائرة الحرب ولجوء إسرائيل إلى ضرب مواقع حيوية في إيران.
وتصطدم رغبة الإيرانيين في التطبيع مع الغرب كأحد مكاسب الحرب بنتيجة الانتخابات الأميركية المقررة في 5 نوفمبر القادم، فإذا صعد ترامب فقد تتعقد الأمور أكثر لما عرف عنه من مواقف حاسمة ضد إيران، لكن إذا صعدت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس فقد تصبح فرضية الحوار ممكنة بعد تهدئة إقليمية تقبل فيها طهران بتقديم تنازلات كبيرة على حساب حلفائها في المنطقة.
وتبقى أمامهم فرصة التقارب مع الأوروبيين الذين يأخذون على إيران دعمها لروسيا وتزويدها بطائرات دون طيار وصواريخ لاستخدامها في حرب أوكرانيا.
وقال دبلوماسي غربي كبير في طهران “يخبرنا المسؤولون الإيرانيون أن أوروبا لم تترك لإيران أيّ خيار سوى الوقوف إلى جانب روسيا. لكن علاقات إيران مع أوروبا يمكن أن تتحسّن على الرغم من التوترات مع الولايات المتحدة”.