إيران في إعلان دعائي لتصنيع طائرات تجارية

تعمد إيران مع اشتداد أزماتها الاقتصادية في كل مرة إلى الترويج بأنها قادرة على خوض معركة تصنيع طائرات تجارية لتعويض النقص الهائل في الأسطول المحلي، ويعتقد الكثير من الخبراء بأنها مجرد دعاية جديدة بالنظر إلى عدم توفر التمويل أو التكنولوجيا في ظل الحظر الأميركي المستمر.
طهران - يُمنّي المسؤولون على قطاع النقل الجوي في إيران أنفسهم بالوصول إلى مرحلة إنتاج طائرات تجارية حتى تسهم في دعم الأسطول المحلي المتهالك، بعدما قوضت القيود الأميركية أي فرصة للبلد النفطي لإتمام صفقات مع عمالقة التصنيع العالميين.
وتطمح طهران إلى تصنيع طائرات للمسافات الطويلة بعد تجربة سابقة في عام 2000 حين أنتجت شركة صناعة الطائرات الإيرانية (أتش.إي.أس.أي) الحكومية بالتعاون مع شركة أنتونوف الأوكرانية طرازا صغير الحجم يستطيع نقل مئة راكب.
وكرر رئيس منظمة الطيران المدني محمد محمدي بخش تصريحات من سبقوه بشأن قدرة بلاده على تصنيع طائرات. وقال خلال مؤتمر صحافي الاثنين الماضي إن “أول طائرة نقل ركاب إيرانية الصنع ستدخل الخدمة في غضون السنوات الثلاث المقبلة”.

وبحسب وكالة إرنا الإيرانية للأنباء فقد أكد بخش أن أسطول النقل الجوي في البلاد بحاجة إلى 550 طائرة ركاب جديدة. وأوضح أن أحد السبل الكفيلة بتطوير القطاع يكمن في توطين هذه الصناعة.
وأشار بخش، وهو مساعد وزير الطرق وبناء المدن، إلى أن الاستعدادات جارية لتصنيع طائرات تقل ما بين 72 و150 راكبا، إضافة إلى طائرات “التاكسي الجوي” التي تسع ما بين 12 و17 راكبا.
ولكي تتقدم خطوة في مسار طويل ومعقد في هذا المضمار، تم إنشاء ائتلاف تجاري ثلاثي يضم وزارات الطرق والصناعة والدفاع، لتولي عمليات التصميم والإنتاج في هذا المشروع.
ولكن تبقى مشكلة التمويلات التحدي الأكبر، فالبلد تحت الحظر الأميركي منذ أكثر من أربع سنوات بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم ضمن إطار 5+1 في يوليو 2015، وهو الأمر الذي لم يتردد بخش في تأكيده.
وقال إن “مسؤولية تمويل هذه المشاريع وتجنيد الشركات المعرفية الإيرانية لهذا الغرض، يثقلان عاتق وزارة الصناعة والتعدين، بينما تتولى وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة مرحلة الإنتاج”.
ويرى خبراء ومحللون أن تطوير القطاع يحتاج إلى استثمارات ضخمة، وكذلك عقد شراكات مع كبار المصنعين والموردين العالميين لنقل التجارب والتكنولوجيا، وهذا الأمر لا يبدو متوفرا لطهران في الوقت الراهن.
ومع ذلك، تأمل السلطات الإيرانية في ركوب موجة التحدي عبر تخصيص تمويلات من بيع النفط في ظل طفرة الأسعار بسبب الحرب في شرق أوروبا رغم أنها تحت طائلة الحظر.
وكانت طهران قد اشترت في 2016، إثر رفع العقوبات، مئة طائرة أيرباص و80 طائرة بوينغ و40 طائرة أي.تي.آر، إلا أنها لم تتسلم سوى 11 طائرة بعدما عرقلت إعادة فرض العقوبات، التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية السابقة في مايو 2018، تسليم بقية الطائرات.
ومنذ ذلك الحين يعاني قطاع الطيران في إيران، البلد العضو في منظمة أوبك، من مشكلات مزمنة، من بينها نقص حاد في قطع غيار الطائرات وعدم القدرة على شراء طائرات جديدة.
وحتى حليفتها روسيا التي تسعى بدروها إلى تصنيع طائرات ركوب وأخرى للشحن، أملا في قطع الروابط مع أيرباص وبوينغ كرد على العقوبات الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، ليس في مقدورها تقديم يد العون لإيران للخروج من هذا المأزق.
ففي مطلع 2019 تبخرت أحلام طهران في شراء طائرات مدنية روسية كآخر ملاذ لتحديث أسطول النقل الجوي المتهالك بعد إلغاء صفقات مع بوينغ وأيرباص بسبب العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ في مطلع نوفمبر 2018.
وجاء امتناع موسكو عن بيع طائرات تجارية لطهران في ظل الحظر جراء وجود مكونات أميركية الصنع في الطائرات الروسية، والذي عرقل إبرام أي اتفاق بين الحليفين، فضلا عن صعوبات التمويل بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة في إيران.
وقبل ذلك بأشهر، استبعدت شركة الطائرات التجارية الصينية الحكومية (كوماك) بيع طائرات ركاب لإيران من أجل مساعدتها على إحياء خططها الرامية لتحديث أسطول طائراتها.
ونسبت وكالة رويترز إلى المدير العام تشاو يو رانغ قوله خلال معرض للطيران أقيم بمدينة شنغهاي في نوفمبر 2018 إنه “لا يمكننا البيع لإيران لأنها خارج الحسابات”.

والدليل على صعوبة تحقيق طهران لأهدافها، هو الانتقادات المستمرة من بعض البرلمانيين والأوساط الاقتصادية لوزارة الطرق وبناء المدن، التي لم تعط قطاع الطيران أي أهمية على الرغم من أنه أحد مشمولاتها إلى جانب قطاع الإسكان.
ونقلت منصة “رويداد 24” الإيرانية خلال أغسطس الماضي عن علي رضا باك فطرت، النائب عن مدينة شيراز قوله إن “صناعة الطيران في إيران ليس لها جودة، وكميتها تنخفض يومًا بعد آخر بسبب العقوبات”.
وأكد أن عدد الطائرات والرحلات الجوية لشركات الطيران الإيرانية في انخفاض مستمر، وأن خدماتها غير مناسبة أيضا، مشيرا إلى أن التأخير في الرحلات يزداد يوما عن يوم.
ووردت خلال السنوات الماضية العديد من التقارير حول تهالك الطائرات الإيرانية ومعدات الطيران والمطارات في البلاد.
وواجهت الطائرات الإيرانية مشكلات في العديد من المرات، كما تم إلغاء بعض هذه الرحلات وتم تأجيل البعض الآخر إما بسبب الأعطال في الطائرات أو بسبب تكاليف الوقود المرتفعة.
ولعل أبرزها ما تم الإعلان عنه في أغسطس الماضي بشأن تأخر الرحلات الجوية إلى الخارج، وخاصة إلى مدن آسيوية لوجود مشكلة التزود بالوقود في المطارات الأجنبية جراء العقوبات الأميركية.
وقبل ذلك بشهر، أشارت تقارير محلية إلى حصول ثلاث حالات لانفجار إطارات طائرات بعد الهبوط في مطار مشهد شمال شرق البلاد. ونقلت وكالة “إيرنا” تبريرا لمسؤولين عن المطار لم تذكر هوياتهم، قالوا إن “السبب وراء ذلك هو عدم طلاء مدرج الهبوط”.
وفي ديسمبر الماضي، أكد الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الإيرانية (أير إيران) علي رضا برخور في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “أكثر من نصف أسطول إيران من الطائرات المدنية متوقف عن العمل”.
وتعمل في السوق المحلية 8 شركات أبرزها أير إيران الحكومية وتمتلك 108 طائرات من طرز بوينغ وأيرباص، وماهان أيران وهي من أبرز الشركات الخاصة إلى جانب شركات آسمان للطيران وإيران آيروتور وآتا وتابان للطيران وكيش أير ونفط للطيران.