إيران تقصف إقليم كردستان وسوريا وسط مخاوف من اتساع الصراع إقليميا

مقتل أربعة مدنيين من بينهم مسؤول بارز ورجل أعمال في الهجوم الصاروخي على أربيل، فيما استهدفت الضربات الإيرانية قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية والمخابرات الغربية قرب سجن يحوي نزلاء من داعش.
الثلاثاء 2024/01/16
هجمات إيرانية متهورة

طهران - أعلن الحرس الثوري الإيراني أنّه قصف بصواريخ بالستية ليل الإثنين-الثلاثاء أهدافاً "إرهابية" في كلّ من سوريا وإقليم كردستان العراق، في هجوم وصفته واشنطن بـ"المتهور" وأوقع في أربيل أربعة قتلى مدنيين على الأقلّ، فيما سارعت بغداد باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني للاحتجاج.

ويأتي هذا القصف الإيراني في وقت تشهد فيه المنطقة توتّراً متزايداً على وقع الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس والمخاوف من اتساع رقعة هذا النزاع.

وبررت إيران ضرباتها الصاروخية على شمال العراق وسوريا معتبرة أنها كانت دفاعا عن سيادتها فقد وأمنها وكذلك لمواجهة الإرهاب.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني إن طهران تحترم سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها لكنها في الوقت نفسه تستخدم "حقها المشروع والقانوني لردع تهديدات الأمن القومي".

وفي وقت لاحق، استدعت وزارة الخارجية العراقية القائم بالأعمال الإيراني في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج أعربت فيها جمهورية العراق عن إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي تعرضت له عدد من المناطق في أربيل.

وسبق ذلك صدور بيان عن وزارة الخارجية العراقية أدانت فيه بغداد الثلاثاء "العدوان" الإيراني على أربيل الذي أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين في مناطق سكنية، وذلك بعدما قال الحرس الثوري الإيراني في بيان نقلته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا"إنّه "دمّر مقرّ تجسّس" و"تجمّعاً لمجموعات إرهابية معادية لإيران" في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.

وجاء في البيان أن الحكومة العراقية ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد هذا السلوك الذي تعتبره انتهاكا لسيادة العراق وأمن شعبه بما يشمل تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي.

وفي وقت سابق، دان الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد، القصف على مدينة أربيل واعتبره انتهاكا للسيادة وتقويضا للأمن والاستقرار، وقال على منصة إكس إن "حسم المسائل يكون عبر الحوار وليس الهجمات العسكرية التي تهدد استقرار العراق وكل المنطقة التي تشهد توترات ينبغي العمل على خفضها".

وندّد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بـ"هذه الجريمة ضد الشعب الكردي" ودعا في بيان الحكومة الاتحادية إلى اتّخاذ "موقف صارم ضدّ هذا الانتهاك للسيادة العراقية"، مطالباً أيضاً المجتمع الدولي "وضع حدّ لهذه الهجمات الوحشية على شعب كردستان الأبرياء".

وقال برزاني "ما يثير الدهشة هو أننا لسنا جزءا من هذا الصراع ولا نعرف لماذا تنتقم إيران من المدنيين في أربيل".

واتهمت فرنسا اليوم الثلاثاء إيران بانتهاك سيادة العراق بعد أن أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه ضرب "مقر تجسس" مزعوما لإسرائيل في إقليم كردستان العراق شبه المستقل.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان "مثل هذه الأعمال تمثل انتهاكا صارخا وغير مقبول ومثيرا للقلق لسيادة العراق واعتداء على استقراره وأمنه وكذلك على استقرار كردستان داخله... إنها تساهم في تصعيد التوترات الإقليمية ويجب أن تتوقف".

وفي واشنطن، ندّدت المتحدّثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أدريان واتسون بـ"سلسلة ضربات متهوّرة وغير دقيقة"، مؤكّدة أنّه "لم يتمّ استهداف أيّ طواقم أو منشآت أميركية" في كردستان العراق.

لكنّ سلطات كردستان أكّدت مقتل "أربعة مدنيين" على الأقلّ وإصابة ستة آخرين بجروح، "حالة بعضهم غير مستقرة".

وقالت مصادر أمنية وطبية عراقية إن رجل الأعمال الكردي الكبير بيشرو دزيي وعددا من أفراد أسرته كانوا من بين القتلى عندما سقط صاروخ واحد على الأقل على منزلهم.

ويمتلك دزيي، المقرب من عشيرة برزاني الحاكمة، شركات قادت مشاريع عقارية كبرى في كردستان.

وقالت مصادر أمنية عراقية أيضا إن صاروخا سقط على منزل مسؤول كبير في المخابرات الكردية وآخر استهدف مركز مخابرات كردي.

وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بسماع دويّ انفجارات عدّة في المنطقة، وأشارت إلى أنّ الصواريخ أصابت منطقة سكنية راقية في الضاحية الشمالية الشرقية لأربيل.

وحذّرت وزارة الخارجية الأميركية من أنّ القصف الإيراني "المتهوّر" لأربيل من شأنه أن يقوّض استقرار العراق.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان إنّ "الولايات المتحدة تدين بشدّة الهجمات التي شنّتها إيران على أربيل اليوم وتقدّم تعازيها لأسر القتلى. نحن نعارض الضربات الإيرانية الصاروخية المتهوّرة التي تقوّض استقرار العراق".

وأدان مكتب الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، اليوم الثلاثاء، القصف الإيراني وقال في بيان صحافي "ندين بشدة الهجوم الإيراني الليلة الماضية على مواقع في أربيل بإقليم كردستان العراق، والذي أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين" .

ودعا المكتب إلى وجوب أن " تتوقف الهجمات التي تنتهك سيادة العراق وسلامة أراضيه من قبل أي جانب ومعالجة الشواغل الأمنية من خلال الحوار وليس الهجمات".

وفي سوريا، طال القصف وفقاً للحرس الثوري "أماكن تجمّع القادة والعناصر الرئيسية للإرهابيين (...) وخاصة تنظيم داعش، في الأراضي المحتلّة في سوريا".

ومن جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، بسقوط صاروخ قريبا من الجدار الخارجي لسجن غويران الذي يحوي نزلاء من قيادات وعناصر تنظيم داعش، بمدينة الحسكة في شمال شرق سوريا .

وقال المرصد- مقره لندن- في بيان صحافي، إن الصاروخ انطلق من منطقة خارج الحسكة، ويرجح أن مصدره المجموعات التابعة لإيران، حيث كان الهدف هو قاعدة عسكرية صغيرة تابعة للقوات الأميركية والمخابرات الغربية تبعد عن سجن غويران عشرات الأمتار، وسقط الصاروخ بأطراف السجن من جهة القاعدة.

ووفق المرصد، عمدت القوات الأميركية إلى إنزال العلم الأميركي من هذه القاعدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة تحسباً لأي استهداف محتمل عليها، كما يتواجد بالقاعدة مقرات عسكرية تابعة للقوات العسكرية العاملة بمناطق الإدارة الذاتية.

وأشار المرصد إلى انسحاب قوات أميركية من تمركزها في قرية هيمو غربي مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إلى قاعدة تل بيدر، لافتا إلى أن قوات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية متواجدة في نقطة "هيمو" انسحبت تخوفا من الهجمات التي تنفذها المجموعات المدعومة من إيران.

وفي بيانه، قال الحرس الثوري إنّ قصفه لهذه المواقع في سوريا أتى "ردّاً على الفظائع الأخيرة للجماعات الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد مجموعة من مواطنينا الأعزاء في كرمان وراسك".

وفي الثالث من يناير وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان بجنوب الجمهورية الإسلامية قرب مرقد القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وذلك خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية لمقتله في يناير 2020 بغارة أميركية في العراق.

والتفجيران اللذان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية، أوقعا نحو 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.

ويومها، قالت وزارة الاستخبارات الإيرانية إنّ "أحد الإرهابيين الانتحاريين من الجنسية الطاجيكية" فيما لم يتم التعرف بعد على هوية الثاني.

وفي ديسمبر قتل 11 شرطياً إيرانياً في محافظة سيستان-بلوشستان في جنوب شرق إيران تبناه تنظيم جهادي ينشط في هذه المنطقة الحدودية مع باكستان وأفغانستان.

وأعلن تنظيم "جيش العدل" مسؤوليته عن ذاك الهجوم. وشكّل تنظيم "جيش العدل" البلوشي العام 2012 عناصر سابقون في جماعة سنية متطرفة شنت تمردا داميا في المنطقة حتى العام 2010.

وفي نوفمبر 2022 شنّت إيران ضربات صاروخية عبر الحدود ضد مجموعات إيرانية-كردية معارضة متمركزة في شمال العراق تتّهمها طهران بتأجيج الاحتجاجات في الجمهورية الإسلامية.

وجاءت الضربات بعد انطلاق تحركات احتجاجية في إيران على خلفية وفاة مهسا أميني (22 عاما) بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.

وفي بيان لاحق، قال الحرس الثوري إنّه "ردّاً على الأعمال الشريرة الأخيرة للكيان الصهيوني والتي أدّت إلى استشهاد قادة من الحرس الثوري ومحور المقاومة، فقد تمّ استهداف وتدمير أحد المقرّات الرئيسية للموساد الصهيوني في إقليم كردستان العراق".

وبحسب البيان فإنّ "هذا المقر كان مركزاً لتوسيع العمليات التجسّسية والتخطيط للعمليات الإرهابية بالمنطقة وداخل إيران على وجه الخصوص".

وتوعّد الحرس الثوري في بيانه بأنّ "عملياته الهجومية ستتواصل حتى الثأر لآخر قطرة من دماء الشهداء".