إيران تستثمر "الهدايا" الأوروبية في تعزيز منشآتها النووية

طهران تشيد وحدة جديدة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في ظل العقوبات الغربية والحظر المفروض على الأسلحة.
الأربعاء 2020/09/09
منشأة نووية في طور التحديث

يحرج إعلان إيران البدء في تشييد منشأة جديدة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي حلفاءها الأوروبيين الذين يتمسكون بالتعامل المرن تجاه أنشطتها النووية والباليستية ويعارضون الخشونة الأميركية في كبح طموحات طهران العسكرية. وتدعم الخطوة الإيرانية مخاوف واشنطن وتفند في الوقت نفسه الرهان الأوروبي على الدبلوماسية.

 طهران – قال علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الثلاثاء إن الجمهورية الإسلامية بدأت في تشييد وحدة في “قلب الجبال” قرب منشأة نطنز النووية لإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة، في التفاف جديد على التعهدات الدولية يؤكد وجاهة الضغوط الأميركية ويضع مرونة المجتمع الدولي في التعامل مع إيران محل تشكيك.

والهدف من تشييد الوحدة هذه أن تحل محل أخرى داخل نطنز دمرها حريق في تموز، قالت إيران وقتئذ إن الحريق نتج عن تخريب وتسبب في أضرار جسيمة يمكن أن تبطئ إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.

ونقل التلفزيون الرسمي عن صالحي قوله “تقرر إنشاء وحدة أحدث وأوسع وأشمل بكافة المقاييس في قلب الجبال بالقرب من نطنز. لقد بدأ العمل”.

واشتدت حدة المواجهة بين الخصمين اللدودين، طهران وواشنطن، منذ 2018 عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى الكبرى عام 2015 وعاود فرض عقوبات أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل.

ووافقت إيران بموجب الاتفاق على كبح برنامجها النووي مقابل رفع معظم العقوبات الدولية عنها. وردا على العقوبات الأميركية، بدأت طهران التحلل تدريجيا من التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي.

وأجهض حلفاء إيران الأوروبيون (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) مؤخرا، مساعي أميركية في مجلس الأمن لتمديد حظر الأسلحة وعودة العقوبات الأممية على الجمهورية الاسلامية، على الرغم من مشاطرتهم للمخاوف الأميركية بشأن الأنشطة النووية و الباليستية الإيرانية التي تزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وضغطت إدارة ترامب لتفعيل آلية “سناب باك” التي تتيح لأي من الدول الموقعة على الاتفاق النووي إعادة تفعيل العقوبات في حال لم تمتثل طهران للاتفاق. إلا أن هناك تأكيدات واسعة على أنه ليس من حق الولايات المتحدة إعادة تفعيل آلية في الاتفاق الذي انسحبت منه بالفعل.

علي أكبر صالحي: قررنا إنشاء وحدة أحدث وأوسع وأشمل بالقرب من نطنز
علي أكبر صالحي: قررنا إنشاء وحدة أحدث وأوسع وأشمل بالقرب من نطنز

وردا على موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاه إيران، ومطالبتها بإعادة فرض جميع العقوبات الدولية على طهران، تواصل إيران تهديداتها لواشنطن، في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى التهدئة والحيلولة دون حدوث تصعيد.

ويرى الباحث والمحلل السياسي الأميركي، الدكتور مجيد رفيع زادة في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي للأبحاث، أن أولئك الذين يطالبون باتباع سياسة استرضاء تجاه حكام إيران كوسيلة لتغيير تصرفات النظام الإيراني، لا يدركون أنه كلما زاد ما يقدمه المجتمع الدولي لحكام إيران، كلما أصبحت طهران أكثر عدوانية وجرأة.

وعلى سبيل المثال، فإنه بعد يوم واحد من تصويت مجلس الأمن الدولي على رفع الحظر على الأسلحة المفروض على إيران، كشف حكام طهران عن صاروخ باليستي تردد أنه يمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة.

وأضاف رفيع زاده إنه كلما كان يزيد عطاء المجتمع الدولي لإيران، كلما كانت تزيد من تجارب إطلاق صواريخها الباليستية، القادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما يمثل انتهاكا واضحا لقرار مجلس الأمن رقم 2231.

ويؤكد محللون عسكريون أن إيران باتت تمتلك أكبر ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط، وأكثرها تنوعا، بينها صواريخ كروز فائقة القدرات القتالية، في وقت يرجح فيه بقوة أن تصبح طهران أحد مصدري الصواريخ إلى السوق العالمي وأن تصل صواريخها المطورة إلى ميليشيات في منطقة الشرق الأوسط.

وفي يناير الماضي، وردا على اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أطلقت إيران عددا من الصواريخ الباليستية على مواقع أميركية في العراق ولم تسفر الصواريخ عن خسائر كبيرة بالنسبة للأميركيين. وأشار الخبراء إلى أن إيران قصدت ذلك من أجل عدم تصعيد الأزمة مع الولايات المتحدة.

لكن في الوقت نفسه، استطاعت إيران بإطلاقها الصواريخ حفظ ماء الوجه بقيامها بالرد على اغتيال سليماني في هجوم بطائرة أميركية مسيرة.

وحذر عدد من الخبراء من أنه إذا ما تعرضت إيران لموقف مماثل في المستقبل، فإنها من الممكن أن تستخدم صواريخ كروز في ردها، وهي صواريخ ذات قدرة قتالية عالية، ومنها الصاروخ “مبين” الذى عرضته إيران في معرض ماكس الروسي للطيران صيف العام الماضي، والذي يتمتع بمدى يبلغ 280 ميلا، وسرعة 250 ميلا في الساعة، ويمكنه حمل رأس حربية يصل وزنها إلى 265 رطلا.

وقال ماثيو جورج، محلل شؤون الطيران والدفاع في شركة غلوبال داتا، وهي شركة رائدة في مجال البيانات والتحليل إن إيران طورت قدراتها العسكرية محليا خلال السنوات العشر الماضية للالتفاف على حظر الأسلحة المفروض عليها، وقامت من حين لآخر بالإعلان عن أنواع مختلفة من الطائرات، وعن عمليات تطوير جديدة للأسلحة.

ولجأت إيران في ظل العقوبات الغربية والحظر المفروض على الأسلحة إلى تطوير طريقة محلية لإنتاج الأسلحة لملء الفراغ الناجم عن ذلك. وتمتلك إيران بالفعل الآن مجمعا عسكريا صناعيا حديثا للغاية.

5