إيران تريد التمتع بالمزايا الأوروبية دون المس بتمويل أذرعها

يأتي الرفض الإيراني للربط بين نظام المقايضة الأوروبي للالتفاف على العقوبات الأميركية بشروط الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، ضمن سياقات المخططات التخريبية في المنطقة، إذ تكشف التجربة الإيرانية أنها إذا ما أظهرت نوايا لحسن السلوك فهي تخفي وراءها مآرب أخرى، وهو ما يتجلى من خلال مصادقتها على الاتفاقية واستثنائها العمل بالبنود التي تعرقل تمويل أذرعها في المنطقة.
طهران - رفضت طهران الثلاثاء الربط بين سير عمل نظام المقايضة الأوروبي الذي أنشئ للالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران، بشروط متعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ما يكشف سوء النية في تعهدات طهران الدولية.
وأشارت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان إلى أن “الربط بين تطبيق هذه الآلية بشروط بعض الهيئات مثل مجموعة العمل المالي هو أمر غير مقبول”.
وحذّرت مجموعة العمل المالي الدولية (غافي) السلطات في طهران، من عواقب وخيمة إن حاولت الالتفاف على تعهداتها، بعد مصادقة برلمانها على الاتفاقية الدولية لمكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، ما يعكس توجس الهيئات الدولية من احترام طهران لالتزاماتها، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران التي التفت على أبرز بنوده.
وتباطأت عملية مواءمة القانون الإيراني مع شروط مجموعة “غافي” بسبب رفض مجلس صيانة الدستور مؤخرا عددا من نصوص القوانين، حيث يتمتع مجلس صيانة الدستور بحق رفض القوانين التي يصوّت عليها البرلمان.
وقالت المجموعة الدولية، إن أمام إيران حتى نهاية فبراير لتكمل إصلاحات تجعلها ملتزمة بالأعراف الدولية وإلا ستواجه عواقب، فيما صادق برلمان طهران، عن مضض، على لائحة انضمام البلاد إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وسط معارضة النواب المحافظين بشدّة.
ويرى متابعون أن معارضة التيار المحافظ لمشروع القانون قبل التصويت عليه لا يمكن قراءتها بعيدا عن أنشطة النظام في الخارج، حيث تعتمد طهران على أذرع وميليشيات تحتاج إلى التمويل، لتنفيذ أجنداتها الخبيثة في المنطقة.
ويمثل القانون الجديد، إن تّم الالتزام ببنوده وعدم تركه حبرا على ورق، عقبة أمام دعم الميليشيات في الخارج التي تعتمد كليا على الدعم المالي الإيراني كجماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان الذي تصنفه الولايات المتحدة كمجموعة إرهابية.
مليون دولار سنويا يتلقاها حزب الله اللبناني وحركة حماس من النظام الإيراني
وقلّل من أهمية هذه الخطوة العديد من الخبراء الذين دعوا المجتمع الدولي إلى مراجعة تاريخ السياسة الإيرانية والنظر بين السطور لفهم حيثيات هذا القرار الذي جاء في خضم التصعيد الدولي ضد إيران.
وتكشف التجربة أن إيران إذا ما وافقت على قرار لإظهار “حسن السلوك” في العلن، فإنها تخفي وراءه شيئا ما تقوم به.
وأبرز مثال على ذلك مفاوضات الاتفاق النووي التي استغلتها إيران لتوسيع تواجدها العسكري في سوريا والعراق واليمن، وتطبق خطتها التي عملت عليها منذ ثلاثة عقود لرسم ممر يصلها بشواطئ البحر المتوسط، ويمنحها نفوذا في المنطقة والعالم.
وتشير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن البرلمان الإيراني عندما أقرّ مشروع قانون لمكافحة تمويل الإرهاب احتفظ باستثناءات لحماس وحزب الله، فيما يربط تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي بين هذا القرار وقرارات أخرى هدف في باطنها إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية.
ويقر المشروع بأنه لن يمتثل امتثالا كاملا للفقرة 1.ب في المادة 2 من قانون تمويل الإرهاب، التي تحظر أي فعل “يُقصد به التسبب في وفاة أو إصابة بدنية خطيرة لمدني، أو لأي شخص آخر لا يقوم بدور نشط في النشاط العدائي في حال وجود صراع مسلح”.
ويقول القانون إن التزام إيران بالمادة 2 “محدود” حتى إذا كانت الأطراف الأخرى ملتزمة تماما بهذه المادة. وفي حين تؤكد مجموعة العمل المالي على ضرورة التزام إيران بتجريم تمويل الإرهاب، “بما في ذلك إزالة الاستثناء للجماعات التي تم تحديدها” والتي تحاول إنهاء الاحتلال الأجنبي والاستعمار والعنصرية.
وينص القانون على استثناء آخر للمادة 6 من قانون مكافحة الإرهاب من خلال التأكيد على أنه لا ينطبق على حق “الكفاح المشروع”. حيث تتطلب المادة 6 من الأعضاء اعتماد تدابير “لضمان عدم وقوع أعمال إجرامية في نطاق هذه الاتفاقية والتي يمكن تبريرها باعتبارات سياسية أو فلسفية أو أيديولوجية أو عرقية أو دينية أو أي طبيعة أخرى مماثلة”. كما ينص على أن إيران لن تلتزم بأي جزء من اتفاقية مكافحة الإرهاب في ما يتعارض مع دستورها، وهي ثغرة كبيرة يمكن لإيران أن تستخدمها كلما سعت إلى تطبيق المزيد من الإعفاءات والاستثناءات.
ويذهب الباحثان في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات سعید قاسمي نجاد وتوبي درشويتز إلى الإشارة إلى أن مصادقة البرلمان الإيراني على الاتفاقية لا تشمل منعها من تمويل الميليشيات الموالية لها بالمنطقة مثل حزب الله وحركة حماس اللذين يتلقيان دعما ماليا من إيران يقدر بنحو 800 مليون دولار سنويا، بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه طهران إلى ميليشياتها في اليمن، وهي كلها أذرع تحتاج إلى أموال سيكون من الصعب توفيرها في ظل العقوبات، ولا مجال لكسبها إلا عن طريق غسيل الأموال والتهريب والالتفاف على العقوبات الأميركية.