إيران ترفض الاعتراف بخسارة نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد

طهران – رفضت إيران الاعتراف بخسارة نفوذها في سوريا بعد سقوط حليفها الرئيس السابق بشار الأسد الذي غادر البلاد نحو روسيا، فيما دعت السوريين إلى حوار وطني لتشكيل حكومة تمثل جميع شرائح المجتمع، في محاولة للتودد إلى الفصائل المعارضة وإظهار تفهمها للتغيير السياسي الحاصل.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن حسين سلامي القائد العام لقوات الحرس الثوري قوله اليوم الثلاثاء إن الجمهورية الإسلامية لم تضعف بعد سقوط حليفها بشار الأسد في سوريا.
ويعكس خطاب مكابرة ارتباك طهران التي باتت معزولة دوليا أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يرغمها على إعادة النظر في سياستها الأمنية وتدخلاتها في المنطقة.
وأضافت وسائل الإعلام أن سلامي قال في جلسة مغلقة لأعضاء البرلمان "لم نضعف ولم تتقلص قوة إيران".
وساندت إيران وروسيا حكم الأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 بالدعم العسكري والرجال والقوة الجوية. ونشرت طهران الحرس الثوري في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة والحفاظ على "محور المقاومة" في مواجهة إسرائيل والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
وقلص خروج الأسد من سوريا قدرة طهران على إظهار قوتها والحفاظ على شبكتها من الجماعات المسلحة في أنحاء المنطقة، وخاصة حليفتها جماعة حزب الله في لبنان التي وافقت على وقف إطلاق نار مع إسرائيل الشهر الماضي.
وقال سلامي في الجلسة التي عقدت لبحث أحدث التطورات في سوريا "إسقاط النظام الصهيوني (إسرائيل) ليس خارج قائمة الأولويات".
وقال سلامي إنه لم تتبق أي قوات إيرانية في سوريا.
وأعادت إيران، خلال الأيام الثلاثة الماضية 4000 من مواطنيها من سوريا عبر عشر رحلات جوية لشركة ماهان إير" الخاصة، وفق الحكومة الإيرانية.
وتأتي تصريحات سلامي في وقت تحدثت تقارير عن تخلي إيران عن الأسد حيث سلمته عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي زار دمشق وتناول العشاء الأخير في أحد شوارعها، قبل نحو أسبوع، رسالة بالغة الأهمية. حسب ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مصدر إيراني مقرب من الحكومة الإيرانية.
فقد أوضح عراقجي للرئيس السوري السابق أن بلاده "لم تعد في وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه"، وفق المصدر الذي قال "لقد أصبح الأسد يشكل عبئا أكثر منه حليفا".
واعتبر أن "الاستمرار في دعم الأسد كان من شأنه أن يؤدي إلى تكاليف باهظة على إيران".
كما أضاف أن طهران كانت محبطة من الأسد منذ نحو عام، حسب ما نقلت الصحيفة البريطانية.
وأشار إلى أنه حين زار عراقجي دمشق الأسبوع الماضي، أخبره الأسد أن الانسحاب من حلب كان تكتيكيا، وأنه لا يزال مسيطرا ولا يحتاج لدعم.
لكن الفصائل المسلحة سرعان ما سيطرت لاحقا على حماة بعد حمص وحلب، وبدأت فصائل محلية بالتقدم من الجنوب نحو دمشق.
وعلى الرغم من تأكيد إيران علنا أنها تدعم الحكومة والجيش السوريين، إلا أنها بدأت بالتخلي عن الأسد.
فقد أكد المصدر أن الإيرانيون بدأوا بالتخلي عن الرئيس السوري، إذ غادر كافة أفراد النخبة في الحرس الثوري، إلى جانب الدبلوماسيين وعائلاتهم، بأعداد كبيرة، متجهين إلى العراق.
وبعد سقوط الأسد، دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى حوار وطني لتشكيل حكومة تمثل جميع شرائح المجتمع السوري.
ودعت فاطمة مهاجراني المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية اليوم الثلاثاء إلى "احترام وحدة الأراضي السورية"، قائلة إن الشعب السوري يجب أن يقرر مصيره بنفسه.
والاثنين قال مسؤول إيراني كبير، إن طهران فتحت قناة مباشرة للتواصل مع فصائل المعارضة المسلحة بالقيادة الجديدة في سوريا، مضيفا "هذا يمثل محاولة لمنع مسار عدائي بين البلدين".
ولا شك أن إيران تشعر بالقلق من أن تؤثر طريقة تغيير السلطة في دمشق على نفوذها في سوريا، العمود الفقري لنفوذها في المنطقة.
وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين لرويترز إن الأمر لا يدعو للذعر وإن طهران ستتبع السبل الدبلوماسية للتواصل مع أشخاص وصفهم أحد المسؤولين بأنهم "داخل الجماعات الحاكمة الجديدة في سوريا الذين تقترب آراؤهم من (وجهات نظر) إيران".
وقال مسؤول إيراني ثان "القلق الرئيسي بالنسبة لإيران هو ما إذا كان خليفة الأسد سيدفع سوريا للدوران بعيدا عن فلك طهران... هذا السيناريو تحرص إيران على تجنبه".
وإذا أصبحت سوريا ما بعد الأسد دولة معادية فستحرم جماعة حزب الله اللبنانية من طريق الإمداد البري الوحيد لها وستمنع إيران من الوصول إلى البحر المتوسط و"خط المواجهة" مع إسرائيل.
ولم يعد حلم إيران بالوصول إلى البحر المتوسط وإنشاء طوق من النار حول إسرائيل والوجود الأمريكي، ممكنا بسقوط “آخر أحجار الدومينو" في ما يسمى بـ"محور المقاومة"، فانهيار نظام بشار الأسد، في سوريا قطع الطريق، وبدد نظرية "الهلال الشيعي" على نحو سريع ومفاجئ.
لكن محللون يرون أن النظام الإيراني يمتلك البراغماتية الكافية التي تجعله يتأقلم مع الأوضاع الجديدة في المنطقة، مشيرين إلى أن إيران تبقى دولة إقليمية محورية ومهمة وذات قوة ونفوذ، وقد أثبتت التجربة بأنها مهما حصل لحلفائها أو أتباعها، فإنها غير مستعدة للتضحية لأجلهم على حساب نفسها.
ويعتقد محللون أن النظام الإيراني سيبقى يتعاطى مع الموقف الدولي والإقليمي بما يحفظ وجوده والمصلحة القومية لإيران كدولة وليس كمشروع توسعي، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في تصريحات بزشكيان (الرئيس الإيراني) في نيويورك، حول الحوار مع الولايات المتحدة والغرب، والتعاون والحرص على أمن المنطقة واستقرارها.